بعد عقود من الاستبداد المقنع، بدعم من قوى ديمقراطية زائفة، شاركت بحكومة الواجهة لتنفيذ سياسات البنك العالمي و الاتحاد الأوربي المدمرة لحياة غالبية المغاربة والغاصبة للسيادة الوطنية، خرجت يوم 20 فبراير أولى مظاهرات جماهير الشباب و الكادحين لتفتح صفحة جديدة بتاريخ المغرب: صفحة النضال الشعبي الميداني من اجل الديمقراطية و التحرر الاجتماعي. لقد زلزل 20 فبراير الساحة السياسية بالمغرب، وسفه أيما تسفيه القوى الديمقراطية الزائفة التي اعتمدت طيلة عقود أساليب الاستجداء و انتظار انصياع المستبدين، بل انتقلت إلى مواقع التعدي على الشعب الكادح بدخولها حكومة الواجهة بمبرر أكذوبة «الإصلاح التدريجي من الداخل". تواطأت المعارضة التقليدية الإصلاحية مع نظام الاستبداد والاستغلال، و ساعدته على الاستمرار بعد أن حذر مهندسه مما سماه " السكتة القلبية"، و في يوم واحد شطبت الحركة الجماهيرية كل خزعبلات تقدم المغرب بالتوافق بين النظام و " الحركة الوطنية و الديمقراطية"، و فتحت طريق الكفاح الفعلي من اجل التغيير. طاقة التوق إلى الحقوق الاجتماعية و إلى الحريات و إلى ديمقراطية حقيقية متنامية، برزت في احتجاجات محلية عديدة سابقة، وعبرت بقوة عن نفسها يوم 20 فبراير. و بعد مقاطعة الانتخابات المزورة، تعبيرا عن رفض الديمقراطية الزائفة، ها هي جماهير المغرب تنزل إلى الشارع مطالبة بدستور جديد. لم يشهد المغرب نزولا من هذا القبيل، حول مطالب سياسية، منذ ستينات القرن الماضي. أما النظام، السياسي و الاقتصادي- الاجتماعي، المستهدف بالمظاهرات، فقد بدأ كغيره من الأنظمة غير الديمقراطية بعدم فهم حقيقة ما يجري وعمقه. فسارع إلى ما اعتاد من تنازلات خاوية، مثل المجلس الاقتصادي و الاجتماعي وترميم مجلس حقوق الإنسان باستعمال ما تساقط من حطام اليسار في واجهته، و تمت تلبية مطالب قسم من المعطلين ذوي الشهادات العليا بتشغيلهم كي يكفوا عن تحويل الساحة أمام البرلمان إلى حلبة قتال يومي، و ُضخت أموال إضافية في صندوق دعم المواد الأساسية بعد سنوات من تحضير الإجهاز الكلي عليه. دب الخوف في الحاكمين، الخوف من الشعب المضطهد الذي تأثر بالثورة في تونس و مصر و بلاد عربية أخرى عديدة، فردوا بالقمع، و بترقيعات لن توقف المد الشعبي، بل سيساعد بعضها على رفع ثقة الجماهير في نفسها و في قدرتها على تحقيق مكاسب. غارق في الوهم من يظن أن القمع و التنازلات الخادعة سيقضيان على نهوض الشباب و الشعب الكادح، و أكبر أوهامه الاستخفاف بتأثير موجة الثورة التي أطلقتها شرارة الشهيد البوعزيزي من تونس. القمع قد يضغط آنيا، لكن نحو انفجار أعظم. هذا ببساطة لأن العصا لا تقدم عملا لملايين العاطلين، و لا خبزا لملايين العمال المستغلين، و لا سرير مستشفى لملايين ضحايا تحويل صحة البشر إلى تجارة، و لا مستقبلا لملايين شباب متعطش إلى الحرية و الحياة ، و لا استجابة لتطلعات ملايين أيمازيغن المقهورين و المذلين بإنكار ثقافتهم و اعتبار لغتهم اقل من غيرها. ستتسع حركة المطالبة بالتغيير وتزداد تنظيما ووعيا، هذا أكيد. ما لا يمكن التنبؤ به هو الوتيرة و الآجال. مهمتنا نحو الثوريين، أنصار التغيير العميق و الشامل، تتمثل أولا في توفير شروط تبوأ الطبقة العاملة مكانتها الطليعية في النضال، بتعزيز قوى المعارضة النقابية للقيادات البيروقراطية التي أبانت من جديد بموقفها من 20 فبراير عن دورها الفعلي المدمر، و ثانيا في الحرص على الطابع الشعبي الجماهيري للحركة، و حفز التنظيم الذاتي بكافة أشكاله، العمالي في أماكن العمل، و الشعبي في الأحياء، على نحو يفسح في المجال للمبادرات الجذرية للجماهير و إبداعاتها الكفاحية: لجان شعبية من تحت للتعبئة و الإعلام وتنظيم النضال الميداني، في أماكن العمل و العيش اليومي. و يزداد الطابع الملح لنهج التنظيم الذاتي هذا بقدر وجود قوى ديمقراطية زائفة لا ترى في 20 فبراير غير وسيلة ضغط على الحاكمين، طالما تمنوه لنيل إصلاحاتهم الطفيفة. لن تتردد تلك القوى في السعي إلى لجم الحركة المنطلقة يوم 20، لحبسها في حدود و التحكم بها لغاياتها التوافقية مع النظام، غايات تغيير سياسي يوسع مواقعهم في آلة الحكم، دون وضع السلطة بيد الشعب، وتطهير النظام الاقتصادي الرأسمالي لضمان تكافؤ فرص البرجوازيين في استغلال شغيلة المغرب، دون أي مس بآلة تدفق الأرباح. و جلي أن مهام المناضلين هذه مرتبطة بالتقدم في تجميع طلائع النضال العمالي و الشعبي في منظمة سياسية مستندة على برنامج يركز مطالب التغيير سياسيا و اقتصاديا و اجتماعيا. منظمة لقيادة النضال العمالي و الشعبي في سيرورة مستمرة لتحقيق التحرر الوطني و الاجتماعي على السواء. الدولة تسعى الى توطيد جدار الخوف لثني الشباب و الكادحين عن النضال، لكن كل من يحتقر الشعب المقهور، معتبرا إياه قطيع عبيد يساق بالسوط و التجويع، سيدفع ثمن أوهامه. لقد تعلم الشعب من مدرسة تونس ومصر، وانطلقت عجلة النضال، عجلة التاريخ. المناضل-ة