طرح مراقبون تساؤلات متزايدة بشأن دور الأحزاب السياسية في الجزائر باحتواء الأزمة الحالية التي تمر بها البلاد, حيث ينظر إليها على أنها مجرد نخبة فشلت في تمرير خطها السياسي للمحتجين على تدهور الأوضاع المعيشية. وتعليقا على الأمر يرجع المحلل السياسي عابد شارف ذلك الإخفاق إلى وجود الأحزاب الحالية بالسلطة، وعدم وجود أحزاب معارضة حقيقية, ويقول للجزيرة نت إن "الأحزاب بالجزائر "إما موجودة في الحكومة أو حول الحكومة، وبالتالي فإنها تمثل السلطة". في الوقت نفسه يرى شارف أن هناك أحزابا تحاول الاقتراب من الشارع، "لكن الممنوعات القانونية مثل قانون الطوارئ وقانون منع المسيرات وعدم منح الاعتمادات لنشاط سياسي لحزب معتمد, "لا تسمح لهذه الأحزاب بأن تتصل اتصالا حقيقيا مع الشارع". وكانت الأحزاب السياسية قد "أدانت" في وقت سابق ما سمتها موجة العنف التي ضربت العاصمة وبعض الولايات الأخرى، ودعت الشباب إلى "التعقل والتهدئة وتحكيم صوت العقل"، إلا أن هذه الدعوات لم تصل آذان المحتجين. عابد شارف: الأحزاب تمثل السلطة (الجزيرة نت) وقد اختلفت الأحزاب السياسية في تقييم وتحليل هذه الأحداث، ففي وقت دعت فيه المعارضةُ السلطة َ لتحمل مسؤولياتها واتهمت المتحكمين في أسواق المواد الغذائية باستفزاز الشباب وتحريضهم على العنف، لم تتفق أحزاب التحالف الرئاسي على تحليل واحد للأحداث. معارضة ناقمة وقد حمل حزب العمال (اشتراكي معارض) على لسان أمينته العامة لويزة حنون "المتحكمين في أسواق الزيت والسكر" المسؤولية عن "استفزاز الشباب"، لكنها أكدت أن "مطالب الشباب الذين خرجوا إلى الشارع مشروعة". من جانبه قال الأمين العام لجبهة القوى الاشتراكية (اشتراكي معارض) كريم طابو للجزيرة إن "تلك الاحتجاجات تتجاوز البعد الاقتصادي والاجتماعي إلى آخر سياسي". كما وصف الأمين العام لحركة الإصلاح الوطني (إسلامي معارض) جمال بن عبد السلام الاحتجاجات بأنها "منطقية، وأن كل العوامل اجتمعت لحدوث انفجار اجتماعي". ودعا الأمين الوطني لحزب حركة النهضة (إسلامي معارض) علي حفظ الله في بيان الحكومة "إلى ضرورة اتخاذ إجراءات استعجالية لفائدة المواطنين من شأنها إعادة الأمور إلى نصابها". كما دعا إلى "فتح حوار جدي مع الطبقة السياسية ومكونات المجتمع المعنية لوضع سياسات راشدة تستجيب لتطلعات وآمال الشعب الجزائري في العيش الكريم". وحث حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية (علماني معارض) في بيان الأحد، على فتح نقاش واسع في البرلمان. كما دعا للإفراج عن كل المعتقلين الذين بلغ عددهم ألفا ومائة حسب وزير الداخلية دحو ولد قابلية. مصطفى بوشاشي: الأزمة في الجزائر عميقة (الجزيرة نت) ويرى الناشط الحقوقي مصطفى بوشاشي أن الأزمة بالجزائر "عميقة"، وقال في لقاء إعلامي نظمته الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، أن "النظام السياسي الذي يغلق مساحات التغيير، ويمنع التجمعات والمسيرات بغض النظر عن موضوعها، يحول الشباب إلى وقود لانفجار اجتماعي يؤثر على الجزائر وكل المنطقة''. تحالف مختلف في المقابل تبدو مواقف غير واضحة للموالاة، وهي أحزاب التحالف الرئاسي الذي يضم ثلاثة أحزاب هي, جبهة التحرير الوطني، والتجمع الوطني الديمقراطي، وحركة مجتمع السلم. وهذه الأحزاب تستحوذ على الأغلبية البرلمانية، وتساند برنامج رئيس البلاد في كل الاستحقاقات الانتخابية، لكنهم اختلفوا في تشخيص أسباب الأزمة. فالتجمع الوطني الديمقراطي يرى أن من يقف وراء هذه الاحتجاجات "لوبيات اقتصادية لا تفوت أبدا فرصة للاصطياد في المياه العكرة"، حسب ما جاء في بيان للحزب مساء السبت. وذكر البيان أن "تدابير الحكومة التي جاءت للقضاء على الأسواق الموازية غير الشرعية قد جعل هذه اللوبيات تحرك الشباب، وتلعب على قدرة المواطنين الشرائية". مراد أوعباس: الشعب هو الذي أقال الطبقة السياسية (الجزيرة نت) أما حركة مجتمع السلم، فحملت نظام الحكم مسؤولية الأحداث، وقال عبد الرزاق مقري نائب رئيس الحركة للجزيرة نت إن "تزوير الانتخابات منذ تشريعيات ومحليات 1997 جعل المواطنين يعزفون عن أية استحقاقات انتخابية، وبالتالي الفشل هو فشل نظام الحكم". وتحدث عن وفرة مالية موجودة بالجزائر قال إن الشباب لم يلمسوا منها شيئا. كما أدان مقري أعمال النهب والسرقة التي صاحبت الاحتجاجات، وقال إنها "رسالة لا بد من تلقيها ودراستها جيدا"، لكنه عاد وشدد على أنه يتكلم باسمه وليس باسم الحزب. أما زميله بالتحالف العياشي دعدوعة -وهو رئيس الكتلة البرلمانية وعضو المكتب السياسي لحزب جبهة التحرير الوطني- فيرى أن المسؤولية تقع على "الأسرة التي لم تحسن تربية أبنائها". وحسب دعدوعة فإن الاحتجاجات التي تعرفها البلاد لا تحتاج إلى تفسير سياسي بقدر ما هي بحاجة إلى دراسة "سوسيولوجية" لمعرفة أسباب هذا "العقوق والانحلال الأسري". ولم يتردد دعدوعة في وصف الاحتجاجات ب"لعب أطفال"، قائلا إن "كل الذين يصطدمون بقوات الشرطة هم أطفال لا تتعدى أعمارهم العشرين سنة". إقالة الأحزاب من زاوية أخرى يرى المحلل السياسي مراد أوعباس أن الشعب هو الذي أقال الطبقة السياسية، "لأنه لم يسمح لهذه الأحزاب بأن تتسلل لهذه الاحتجاجات، بل إنه رفض التعامل مع المنتخبين المحليين الذين يمثلونها". وقال للجزيرة نت "الشعب صار يرى في هذه الأحزاب مثالا حيا للفساد والبيروقراطية والتهميش". ورأى أن الأحزاب صار نشاطها موسميا، "حيث تخطب ود المواطن في المواسم الانتخابية فقط". كما انتقد المتحدث التحالف الرئاسي -الذي تحول إلى حزب واحد في عهد التعددية السياسية- وأسماها "الممانعة", قائلا "بعض الأحزاب المعارضة لا تتعدى أصواتها وبرنامجها السياسي مقرات حزبها وأجهزة الفاكس التي ترسل منها بياناتها".