اكد وزير الدولة المصري للشؤون القانونية مفيد شهاب ان مصر لن تعيد سفيرها الى الجزائر، التي استدعي منها في اوج الازمة التي اثارتها مباراتي كرة القدم بين البلدين في اطار تصفيات التأهل لمونديال جنوب افريقيا 2010، الا اذا حصلت على تعويضات عن الاضرار التي لحقت بالمصالح المصرية في هذا البلد. في حين قال مصدر حكومي ل"القدس العربي" ان الجزائر ليست لها أي نية للاعتذار من مصر، وان مسألة التعويض عن الخسائر التي لحقت ببعض المصالح المصرية في الجزائر غير مطروحة بالمرة، مؤكدا أنه إذا كانت مصر تربط إعادة سفيرها بالتعويض والاعتذار فإن إقامة السفير في القاهرة "ستطول". وقال مفيد شهاب في تصريح لصحيفة "الشروق" المصرية الصادرة اليوم الاثنين: "لن نعيد السفير المصري في الجزائر الا لو تم الاعتذار والتعويض عن الخسائر التي لحقت بالمصريين من مصالح وافراد". وكان التوتر بين البلدين بدأ اثر مهاجمة حافلة كانت تقل اعضاء المنتخب الجزائري في القاهرة قبل مباراة المنتخبين الاولى والتي انتهت بفوز مصر بهدفين مقابل لا شيء، ما استدعى اقامة مباراة حاسمة في الخرطوم بعد تعادل الفريقين بعدد النقاط والاهداف في صدارة مجموعتهما المؤهلة الى كاس العالم. واتخذ الجدل بعدا دبلوماسيا اذ استدعت مصر سفيرها في الجزائر للتشاور، كما استدعت السفير الجزائري في القاهرة للاحتجاج على الهجمات. من جانبه قدر وزير الخارجية المصري احمد ابو الغيط الاحد حجم الخسائر المصرية بعشرات ملايين الدولارات، مضيفا ان الشركات المصرية المستهدفة ومن بينها مجموعة اوراسكوم للاتصالات ستطالب بتعويضات. وقال ابو الغيط وفقا لبيان صادر عن وزارة الخارجية ان "الشركات المصرية سوف تطالب بتعويضات عن هذه الخسائر (...) ونأمل ان تقوم الحكومة الجزائرية والجانب الجزائري بالاستجابة لهذه الطلبات". واعرب عن الامل في ان "تتطور الامور في المستقبل (...) بين شعبين وبلدين تجمعهما دائما اواصر الاخوة والمودة". من جهة أخرى قال مصدر حكومي ل"القدس العربي" ان الجزائر ليست لها أي نية للاعتذار من مصر، وان مسألة التعويض عن الخسائر التي لحقت ببعض المصالح المصرية في الجزائر غير مطروحة بالمرة، مؤكدا أنه إذا كانت مصر تربط إعادة سفيرها بالتعويض والاعتذار فإن إقامة السفير في القاهرة "ستطول". وأضاف المصدر الذي فضل عدم كشف هويته، أن الحكومة الجزائرية استقبلت باستغراب التصريح الذي صدر على لسان مفيد شهاب وزير الشؤون القانونية، والذي قال ان عودة السفير المصري للجزائر لن تتم إلا بعد اعتذار وتعويض، موضحا أن الحكومة لا ترى ما هو الشيء الذي يجب أن تعتذر عنه، لأن الذي يجب أن يعتذر هو النظام المصري. وأشار إلى أن الدكتور شهاب نفسه اعترف بحادثة الاعتداء على حافلة المنتخب الجزائري في القاهرة، وهو أول اعتراف مصري بما وقع فعلا، على اعتبار أن تحقيقات النيابة ومواقف الإعلام المصري اتفقت كلها، في وقت سابق، على أن الحادثة مدبرة، وأن اللاعبين الجزائريين هم من حطموا زجاج الحافلة وشجوا رؤوسهم، رغم أن هذه الرواية من الصعب تصديقها. وشدد على أن النظام المصري يجب أن يعتذر عن ذلك، ويعتذر أيضا عن حملة السب والشتم في الشعب الجزائري وشهدائه ورموزه بينما كان (هذا النظام) يقف موقف المتفرج، رغم أن الخارجية الجزائرية استدعت السفير المصري قبل مغادرته الجزائر من أجل إبلاغه استياءها من الحملة التي كان الإعلام المصري يشنها، وطالبت بوقفها فورا، وهو الشيء الذي لم يتم، يضيف المصدر. واعتبر المصدر ذاته أن الحديث عن التعويضات أيضا لا مجال له لأنه من المفترض أن تلك الشركات مؤمّنة ضد كل الأخطار، وبالتالي عليها اللجوء إلى شركات التأمين من أجل الحصول على التعويض المنصوص عليه في عقود التأمين. وذكر أن هناك محاولة لإقحام قضية "أوراسكوم تيليكوم" في الموضوع، في حين أن مشكلة هذه الشركة مع الضرائب قائمة من قبل المباراة بعدة أشهر، مشيرا إلى أنه من المستحيل التساهل مع متأخرات الضرائب التي بلغت حوالي 600 مليون دولار. وعلى جانب آخر كان جمال ولد عباس وزير التضامن والجالية المقيمة في الخارج قد أكد أنه هو نفسه عاش الجحيم في القاهرة خلال تنقله لحضور مباراة يوم 14 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي. واعتبر الوزير في تصريحات يوم الاثنين أن الحكومة عملت على تسهيل مهمة الطلبة الجزائريين الذين أرادوا العودة إلى الجزائر، موضحا أن وزارة التعليم العالي وضعت تحت تصرفهم ثلاثة مراكز لاستقبالهم وتوجيههم، وأن رئيس الدولة كلف السفير بأن يتكفل بمتابعة شؤون الطلبة الذين مازالوا في مصر. وقد أجمعت الصحف الجزائرية الصادرة أمس على رفض فكرتي الاعتذار والتعويض. واعتبرت صحيفة "لوجان أنديبوندون" (خاصة صادرة بالفرنسية) أن ما تقوم به القاهرة "مساومة وآخر محاولة يائسة لانتزاع شيء من الحكومة الجزائرية، من أجل تحويل هزيمتها إلى نصر يمكنها من الحفاظ على ماء الوجه أمام الرأي العام المصري". وقالت صحيفة "الخبر" (خاصة) ان مطلب مفيد شهاب يضع النظام المصري في حالة "تسول مالي وشحت سياسي"، مشيرة إلى أن وزير الخارجية الجزائري سبق وأن رفض موضوع التعويض والاعتذار داعيا إلى ضرورة الفصل بين الشؤون السياسية التي تديرها العلاقات الدبلوماسية، ومسألة تعويضات الشركات المصرية التي تحكمها قوانين شركات التأمين. ووصفت صحيفة "الوطن" (خاصة صادرة بالفرنسية) ما تقوم به مصر ب"المساومة السخيفة"، وكتبت في افتتاحيتها أنه "بإمكان القاهرة أن تحتفظ بسفيرها عندها"، مشيرة إلى أن النظام المصري يسعى للإبقاء على حالة التوتر مع الجزائر. واعتبر كاتب الافتتاحية أن النظام المصري "لا يزال يعتقد أنه مركز الكون وأن كل العالم يدور حوله، وكأن بقاء السفير المصري في القاهرة مأساة بالنسبة للجزائر"، متسائلا كيف أن مصر التي لم يسبق أن طالبت باعتذار وتعويض من إسرائيل تقدم طلبا مماثلا من الحكومة الجزائرية. وتساءلت صحيفة "صوت الأحرار" (حزبية): "من يعتذر لمن؟"، مؤكدة أنه من المفترض أن تعتذر القاهرة عن الصمت المطبق الذي التزمته تجاه الحملة التي شنتها وسائل الإعلام المصرية ضد الجزائر والتي تجاوزت فيها كل الحدود، خاصة التطاول على الشهداء الذين لم يسلموا بدورهم من الحرب القذرة التي خاضها الإعلام الحكومي والخاص في مصر ضد الجزائر، بمباركة عدد من الشخصيات السياسية والفنية والثقافية والإعلامية.