أنا المدينة التي كانت تعج بالحيوية والنشاط ، أنا المدينة التي كانت إلى عهد قريب لا تنام ، عشت على إيقاع حركة العمال الدؤوبة ذهابا وإيابا، فوج الليل وفوج الصباح وفوج المساء، ، ينحثون حياتهم من الصخرة السوداء المتموضعة في أحشائي ، لم تقابل أم مثلي تمزيق دواخلها والعبث بكبدها الأسود بالعطاء دون منة ، والسخاء دون مقابل ، أنا التي يصدق علي المثال( أحترق لأنير الغير وأسهر ليرتاح )، وبنيت أجساد وعقول الآباء والأبناء والأحفاد ، وكنت مدرسة أعددت الأجيال وطبعتهم بطابعي الاجتماعي والثقافي والسياسي والحقوقي ، وتحديت مخزن السبعينات الذي كان حريصا على عزلي عن كل التيارات السياسية مخافة إيقاظ آلاف العمال الذين تعاقبوا علي باطني ، ولم تظهر بعض الأحزاب والجمعيات إلا بعد أن أصبح النضال رخيصا وسهلا ، وكانت قوة عمالي العددية مصدر ضغطهم ومناعتهم حتى شبهني البعض بالحصان الجموح الذي لم يروض قط . أنا ، كنت مدينة النضال العنيد والحوار الحضاري الرزين . آه آه آآآآآآه !! كم افتقدت جيل الستينات والسبعينات واشتقت إلى زغاريد وغناء النساء ، غنت بعضهن رغم بساطتهن على علال وبعضهن على عبد الرحيم أو عمر أو المهدي رغم الحصار. اعتدت في سابق عهدي سماع غناء سواسة يعلو سمائي كل مساء في مجموعة من الأحياء ، وتناوبت فرق لحياينة الغنائية على التنقل بين الأسر منشطة أفراحها، خاصة في المناسبات الدينية والوطنية.... ، أما العمل النقابي فعرفته مبكرا على عهد الاستعمار، في سره وعلنه وترعرع وكبر على أرضي حيث وجد الدفء والحنان، واستوعب دروسا في النضال والتضامن والممارسة ، وطاف صداه عبر العالم ، ولكن مع الأسف لم تترك نار النقابي والسياسي المتأججة إلا رمادا ونزرا يسيرا من النزاهة و المصداقية ، فرط الخلف في إرث السلف النقابي والسياسي والاجتماعي والثقافي ، و لم يمش على الدرب إلا القلائل ولم يصمد إلا الأصيل :عز الآن الصديق وتاه الرفيق وغشي الضباب الطريق . ورغم أنه لا يوجد بين القنا فيد قنفد أملس عرفت أرضي قديما بعض عناصر من السلطة تركوا بصماتهم عليها ، ولكن اليوم جاء زمن الردة وتغليب الهاجس الأمني على الجانب الاجتماعي، وعيثا نصحت أبنائي
كونوا جميعاً يابني إذا اعترى . ..... خطب ولا تتفرقوا آحادا تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسراً ..... . . وإذا افترقن تكسرت أفرادا ذهب نصحي اليوم أدراج الرياح ، وتنكر الخلف في ربوعي لمبادئ السلف ، أنا التي اتسعت أرضي لكل القادمين من جميع أنحاء المغرب ومنحتهم الشغل والسكن والمأكل والملبس،وشموخ الهامة ، وزوجتهم ذكورا وإناثا ، وألفت بين قلوبهم ، ضقت اليوم وعجزت بسبب سوء التدبير والسياسة الطبقية اللا شعبية المتبعة، خاصة سياسة التشغيل ، وحوارات السلطة الملغومة والمغشوشة محليا وتكالب الانتهازية ،عن توفير لقمة العيش الكريم للمعطلين وعن مسح دموع الأرامل والأيتام .....، ولم يعد الفحم ابن باطني يتناغم مع أهدافي الاجتماعية ، ولم يعد ينشر الدفء والنور والعطف ، ولم يعد صديق بيأتي ، وسلم ريعي للأباطرة وحكمهم في رقبتي وأعلن عقوقه جهارا وإلى الابد، وكتمت جلاميده أنفاس بعض عمال الأنفاق (السندريات ) وخلفت أرامل وأيتام ونكبات ، وكتب علي العهر في السياسة وكان نصيبي من المنتخبين كسراب يحسبه الضمآن ماء حتى إذا وصله لم يجده شيئا ............... من أجل الاستفادة أجب أنت أيضا على هذا السؤال والسلام بونيف محمد جرادة