ربما أكون قد ولدت أو على وشك، لما طرح الرئيس الاميركي أيزنهاور مشروعه الاستعماري في تعبئة الفراغ الذي حصل في العالم العربي بعد انحسار الاستعمار القديم وتحرر الدول واستقلالها، وقد ثارت ثائرة الجماهير العربية في ارجاء الوطن العربي ضد ايزنهاور وامتلات الشوارع بالمظاهرات المنددة بمشروع تعبئة الفراغ، حيث اطلق المرحوم عبداللطيف ابو جبارة شعار المرحلة الذي صرخت به الحناجر العربية من المحيط الهادر الى الخليج الثائر ، وهو شعار : - الفراغ في رأس ايزنهاور!!!! وقد تكاثرت الاشعار والزجليات التي شاركت في المعركة ، منها زجلية محمد الكايد(العرندس)التي تقول: ايزنهاور يا مهبول مشروعك ما هو مقبول يلعن كسمك عرض وطول بصرماية خللية ومن المؤكد ان المصريين ابدعوا اكثر منا ، والسوريين شهقوا اكثر منا ، والعراقيين سحلوا اكثر منا،والسودانيين عرقوا اكثر منا ،والمغاربة ك *** وا(تناولوا أكلة الك *** ي) اكثر منا....وربما مات البعض تحت بساطير العسكر اثناء المظاهرات. انتهى المشهد. نقفز الان قرابة النصف قرن عن ذلك الحدث الجلل، خصوصا نحن الذين كنا قد ولدنا او كنا على وشك . لنشهد ونبصم بالاصابع العشرين ، بأن تلك الفقاعات الصوتية التي اطلقها الاباء والاجداد انذاك، لم تكن سوى فراغ في فراغ في فراغ.....وان الفراغ الحقيقي كان في رؤوسنا وليس في رأس ايزنهاو كما اعتقد الاباء والاجداد عن طيبة او سذاجة او غباء. الفراغ لم يكن في الشرق الاوسط فحسب بل داخل ادمغتنا ذاتها االتي اغلقت باب الاجتهاد من القرن السابع الهجري، حتى صار الباب صدئا ولم نعد نفرقه عن الجدار. ...!! المشكلة اننا نواجه حاليا مشاكل متشابهة لكننا نقابلها بذات الطريقة وبذات الرئة المنتفخة الهادرة مثل ماكنة تطحن قرونا. هذا ما فعلنا في مواجهة الاحتلال الاميركي للعراق! وما واجهنا به الجدار العازل !! وما فعلتة القوى المؤيدة لسوريا في لبنان! والقوى المناوئة لسوريا في لبنان! والقوى المؤيدة للنظام في سوريا! وانفجارات عمان الارهابية!! وهذا ما نفعلة كل يوم .. تماما مثل ذلك الثوري المعتاد على المظاهرات الصاخبة ، حيث ظل ليلة دخلته على عروسه يهتف : - بدنا ننام .. بدنا ننام وقد اعجبته القصة فصار كل ليلة يهتف بذات الطريقة وذات الحماس ثم ينام متعبا دون ان يدخل على عروسه. عروسه التي سئمت من هتافاته وجدت من يملأ الفراغ... فحبلت من الكثيرين عداه، وانجبت دزينة من من البنين والبنات ملاؤوا فراغ حياتها . وما زال الزوج الثوري يهتف بذات الطريقة وذات الرئة. انها خماسين الفراغ خماسين الهتاف الساذج!!