ما الذي يجعل نواب الأمة يتهافتون على الأسئلة الشفوية دون الكتابية بل دون وسائل الرقابة البرلمانية الأخرى؟ وما هي عواقب هذه الهجرة نحو الأسئلة الشفوية على فعالية هده الأداة من المراقبة؟ و كيف يواجه البرلمان هده الوضعية؟ أولا: أسباب ظاهرة التهافت ظاهرة التهافت هاته ليست مرتبطة بفريق دون أخر أو في فترة معينة دون الفترات الأخرى، ولكنها ظاهرة عامة لجميع النواب المغاربة، كما أنها ليست وليدة الصدفة بالنائب البرلماني أو المستشار البرلماني، بل يرجع سبب دلك إلى محددات دستورية وسياسية وسوسيوسياسية. 1- المحدد الدستوري تشكل الأسئلة إلى جانب لجان التقصي، من الناحية الدستوريةّ، الوسيلتين الأساسيتين للمراقبة المخولتين للبرلمان، دون إثارة المسؤولية السياسية للحكومة وهذا فيما يعتبر ملتمس الرقابة و طرح الحكومة لمسالة الثقة بها, التجسدين البارزين لمسؤولية الحكومة أمام البرلمان, و هده المسؤولية التي صارت تشكل معيار تمييز النظام البرلماني عن غيره من الأنظمة الدستورية[1]. وقد أدت العقلنة البرلمانية المغربية دستوريا برفع عدد التوقيعات الأزمة لإيداع ملتمس الرقابة ضد الحكومة من العشر ( كما هو الشأن في دستور 1962) إلى ربع أعضاء المجلس انطلاقا من دستور 1970, 1972, 1992 وصولا إلى دستور 1996[2], واشتراط توفر أغلبية مطلقة من اجل صحة الموافقة على الملتمس أو سحب الثقة من الحكومة بعد طرح الوزير الأول لها[3]. قد جمدت عمليا إمكانية ممارسة هده الوسائل للمراقبة, خاصة من المعارضة التي تمثل أقلية غالبا في البرلمانية الأغلبية. الرديف السياسي للبرلمانية المعقلنة[4] بينما تكلفت عقلنة النظام البرلماني بالتجميد العملي لملتمس الرقابة و طرح الحكومة لمسألة الثقة بها كأداتين لمراقبة, جاء موقف الغرفة الدستورية الصارم من دستورية النص على لجان التقصي في النظام الداخلي لمجلس النواب[5], باعتبار أنها لا تدخل في عداد وسائل مراقبة عمل الحكومة المنصوص عليها في الدستور و القوانين التنظيمية الجاري بها العمل[6]. جاء هدا الموقف ليقضي نهائيا على هده الوسيلة الثالثة بحيث لم يتبقى أمام النواب سوى التهافت نحو الأسئلة كأداة عملية وحيدة لمراقبة الحكومة. و مع دستور 1996 (كما هو الشأن بالنسبة لدستور 1992) فان تشكيل لجان نيابية لتقصي الحقائق يتم أما بمبادرة من الملك أو بطلب من أغلبية أعضاء المجلسين, يناط بها جمع المعلومات المتعلقة بوقائع معينة و اطلاع المجلس الذي شكلها على النتائج النهائية, ولا يمكن تكوين لجان تقصي في حالات تكون موضوع متابعة قضائية . كما ينتهي دورها فور فتح تحقيق قضائي في الواقعة المراد البحث فيها[7]. إن تحقيق جمع الأغلبية المطلقة، يعتبر صعبا في ضل وجود حكومة مدعمة من قبل الأغلبية, و المعارضة بطبيعتها الأقل عددا يصعب عليها تحقيق هذا الشرط, كما انه إذا كان من المعقول عدم التقصي في قضايا موجودة في إطار متابعة قضائية, احتراما لاستقلالية القضاء, فانه يثار تساؤل حول دواعي إيقاف البحث و التقصي إذا تحولت القضية إلى القضاء. كل هذه العوامل الدستورية ساهمت في جعل النائب المغربي يلجأ إلى الأسئلة كحل ممكن و سهل من اجل مراقبة العمل الحكومي, و هجرانه للآليات الدستورية الأخرى. ب - المحدد السياسي إن لتواجد اغلب النواب ضمن تركيبة برلمانية ذات أغلبية سياسية للحكومة و أقلية في المعارضة, يلجا النائب إلى الأسئلة كأداة أساسية لفرض وجوده داخل البرلمان. وتكون أسئلة البرلمانيين ذات بعد وطني اكبر بكثير من الأسئلة ذات البعد المحلي من جهة, و من جهة أخرى فان الأسئلة ذات البعد الوطني شفوية في حين ذات البعد المحلي كتابية. يستنتج من دلك أن هده الآلية كانت ورائها عدم إحراج الحكومة و تغليب التضامن الحكومي يؤكد دلك أن الأسئلة الشفوية بمثابة معرفة رأي الحكومة في عدة قضايا وطنية و رجحان كفة الأسئلة الكتابية ذات الصفة المحلية بطبيعتها لدى هدا الفرق على حساب الأسئلة الشفوية المحلية. كما يلاحظ أيضا اهتمام الفرق بقضايا اجتماعية و البنيات التحتية, و عدم الاهتمام بالمشاكل الخارجية و لا يتم النفاذ إلى جوهر السياسة الخارجية و العلاقات الدولية للمغرب. ج - المحدد السوسيوسياسي : إن الاستعانة بعلم الاجتماع السياسي في مقاربة تناول أعضاء الفريق للأسئلة الشفوية بشكل كبير, يتضح أن هدا التهافت لا يرجع إلى أسباب سياسية دستورية محضة, بل له أيضا أسباب أخرى سوسيوسياسية عميقة, راجعة إلى تصور شبكة النخب البرلمانية بشكل خام لدور النائب البرلماني المختزل في كونه مجرد مبلغ لتظلمات السكان, يرفع مطالبهم للحكومة في جلسات الأسئلة الشفوية ذات الطبيعة الاشهارية ( بإدراجها في جلسة علنية و عمومية وإذاعتها عن طريق الإذاعة و التلفزة والصحافة), أكثر من تحمسه للعمل التشريعي داخل اللجان أو مناقشة ميزانية أو مخطط اقتصادي[8]. فالجلسات العمومية أصبحت نوع من "مسرح" السلطة تجمع الكثير من الإشارات السياسية, مابين الحملة الانتخابية غير المباشرة و رسائل للوزراء و غيرها من الموز البعيدة عن العمل البرلماني. ثانيا - آثار التهافت على الأسئلة الشفوية يؤدي التهافت على الأسئلة الشفوية إلى تراكمها و تأخر الإجابة عنها مما يؤدي الى استفحال الغياب عن جلسات الأسئلة الشفوية و فقدانها لفاعليتها. أ- تراكم الأسئلة الشفوية و تأخر الإجابة عنها ينص الدستور على وجوب الحومة أن تدلي بجواب أسئلة[9] الحكومة خلال اجل 20 يوما الموالية لإحالة السؤال عليه[10]ا.و يلاحظ بناء أغلب الأسئلة تمت الإجابة عنه خارج الآجال في. وللإشارة فان إمكانية تحويل سؤال كتابي إلى شفوي كما يسمح النظام الداخلي لمجلس النواب فان هده الآلية لم تستعمل قط بشكل كبير. و بخصوص الأسئلة الشفوية , فان تراكمها و تأخر الإجابة عنها, و عدم وجود أي إجراء أو جزاء لخرق أحكام الفصل 56 من الدستور, يؤدي إلى تقادمها, أو زوال سبب طرحها, رغم أن الأسئلة التي تتقدم بها الفرق كلها أنية, أي أنها ذات ظرفية آنية و ملحة فقد تم التأخر في الإجابة عنها, و تكون هده الأسئلة غب الغالب تتعلق بقرارات حكومية تمس هده الفئة أو تلك من المواطنين أو قد تمسهم جميعا, مما يدفع النواب , تحت ضغط ناخبيهم و حرصهم على مستقبلهم الانتخابي يساءلون الحكومة بواسطة سؤال آني, و غالبا ما تنتظر هده الأخيرة "هدوء الأوضاع و تمرير قراراتها" قبل أن تأتي لتقديم إيضاحات للنواب الدين يكون عليهم, تبعا للتوازن السياسي القائم في تحالف الفريق مع الأغلبية تزكية عمل الحكومة. كما يمكن أن يكون اللجوء إلى الأسئلة الآنية راجع إلى البحث عن أدنى مدة للإجابة على الأسئلة, مادامت الأسئلة العادية أصبحت الإجابة عنه تكاد تكون كلها خارج الآجال بشكل طبيعي. ب - استفحال ظاهرة الغياب عن الجلسات العمومية للأسئلة الشفوية إن استفحال ظاهرة الغياب عن جلسات الأسئلة الشفوية تعتبر ظاهرة أساسية لدى البرلمان المغربي, حيث تؤكد دلك ملاحظ المقاعد الفارغة في الجلسات سواء عن طريق المتابعة التلفزية أو المباشرة داخل البرلمان, و يلاحظ حضورهم الضعيف في أشغال الجلسات العمومية من ناحية, و من ناحية أخرى ملاحظة انسحاب الأعضاء بمجرد قراءة السؤال الشفوي و رد الوزير المعني. وتعود أسباب هده الظاهرة إلى عدة عوامل أهمها غياب نقاش جاد و حقيقي, مما يجعل النواب الدين ليست لديهم أسئلة مدرجة للإجابة عنها, إضافة يوم الأربعاء لعطلتهم الأسبوعية. وحتى النواب المدرجة أسئلتهم يلاحظ تغييبهم عن الجلسات أو الانسحاب ودلك لغياب النقاش. -------------------------------------------------------------------------------- محمد المعتصم : تأملات في برلمان 1977-1983 للأسئلة كأداة لراقبه الحكومة, سلسلة المعرفة اللسانية, التجربة البرلمانية في المغرب, دار توبقال للنشر, الطبعة الأولى 1985 ص 31.[1] المادة 76*دستور 1996[2] المادة 75 دستور 1996[3] [4] Amlon (A) : « le parlementarisme rationalisé au Maroc » mémoire de DES Rabat ; Mai 1968 P 42. و يتعلق الأمر بتشكيل لجنة تقصي بخصوص تسرب نتائج بكالوريا ماي 1979.[5] محمد المعتصم: " الحصيلة الأولية للتجربة البرلمانية الثالثة: أكتوبر 1977-أكتوبر 1982 " رسالة لنيل دبلوم الدراسات المعمقة كلية الحقوق الدارالبيضاء يونيو 1983 ص 110.[6] المادة 42 من الدستور 1996.[7] المعتصم (محمد): الحصيلة الأولية........ مرجع سابق ص ص 71, 72 و 77[8] للإشارة فان الأسئلة الكتابية و عددها 32 سؤال كلها و بدون استثناء تم الإجابة عنها خارج اجل 20 يوما.[9] الفصل 56 من الدستور[10]