تسلم الأستاذ محمد الشامي، الجائزة التقديرية للثقافة الأمازيغية، دورة 2008، عن مجهوداته التي أسداها للمسألة الأمازيغية في مختلف أنشطته. وبهذه المناسبة، فإن طاقم جريدة "السند" يهنئ الأستاذ على هذه الجائزة، ويعيد نشر بورتريه أنجزه الأستاذ بن يونس المرزوقي. من قال أن الشاميين ليسوا بأمازيغ، فإنه قد جانب الصواب، ذلك أنه لا يعرف أن أحدهم قد فتح عينيه في إيشوماي بالناظور سنة 1945، من والدين لم يحدثاه طيلة حياتهما إلا بالأمازيغية، فاستقرت في لسانه كلغة، وفي وجدانه كثقافة، وفي عقله كسياسة ... وفي حياته كقضية ظل يحمل همومها لوقت طويل ... ولا يزال. محمد الشامي، الأستاذ الباحث، ظل وفيا لصفته، فلا يُدَرس إلا ما يُمكن أن يساهم في تطور الأمازيغية: اللغة، اللسنيات، الصواتية، التركيب، الصوتيات الآلية... ولا يَبْحث إلا فيما يُمكن أن يُرجع للأمازيغ مكانتهم: التاريخ، الثقافة، السوسيولوجيا ... محمد الشامي، ساهم في صنع ظروف جعلت منه رائدا في مجالات عديدة. أولها رسالته الجامعية التي أقامت الأكاديميين والباحثين ولم تُقعدهم إلى الآن: الريف. وبما أنها أول رسالة من هذا النوع فقد أنجزها في ظروف صعبة، وجعلته محط أنظار الجميع مذهولين أمام ما يقوم به وبإصرار وعناد قل نظيره، فتحولت هذه الرسالة إلى منارة لا زال إشعاعها باديا بين الرسائل والأطروحات اللاحقة. وقد أهلته هذه الرسالة للالتحاق بجامعة محمد الأول بوجدة في بداية الثمانينات. فكان له قصب سبق آخر. كنت من بين الأوائل الذين تعرفوا عليه، فقد كان الهم النقابي يسكننا. لذلك لم يفته أن يكون عضوا في أول مكتب محلي للنقابة الوطنية للتعليم العالي، وأول مندوب لمؤتمرها الوطني الثاني؛ كما أنه سهل على الجميع من زواره معرفة باب شقته حيث كان يكتب اسمه بعلامات كانت تبدو لنا غريبة، لكننا سندرك بعد عشرين سنه أنها الحرف الأمازيغي الرسمي. وعندما كان يُحدثنا عن تيفيناغ، كان الكل يتعجب من إصراره على إحياء ماض بعيد لا أثر له على الحاضر، بينما كان هو يعتبر ذلك بمثابة الأساس لبناء المستقبل. وبعد كل هذا، يقولون أن قافلة تيفيناغ لم تنطلق إلا مع سنة 2000 !! العقد الأول الجامعي لقد أمضى الأستاذ محمد الشامي العقد الأول من التأطير الجامعي في شق طريق صعب. فمن ناحية كان عليه مجادلة زملائه الأساتذة لإقناعهم بتبني القضية الأمازيغية، ومن ناحية ثانية كان يغرس في نفوس طلبته روح البحث في ذخائر التاريخ الأمازيغي، ومن ناحية ثالثة كان يكتب لجرائد ومجلات لا تري في الثقافي إلا ما هو عروبي ... كان دائم الحركة، يبحث في كل مجال: الشعر، الموسيقى، العادات، الثقافة الشفوية، القبائل، التاريخ السياسي ... وكان لا يمل من أجل إقناع الغير. ناقشته في منتصف الثمانينات، وحاولت طرح أسئلة مُحرجة، بل أنني اعتبرت في لحظة ما أنني جعلته عاجزا عن الجواب. قلت له أن كل اللغات تتضمن كلمة "شكرا" أو ما يقابلها: "Merci"، "Thank you"، "Gracias"، ...فماذا عن الأمازيغية؟ لم يُجبني بكلمة واحدة، وإنما غادر الجلسة إلى منزله ليعود بجواب قد لا نجد له مثيلا في اللغة العربية: نسخة كاملة من أطروحة جامعية تحت عنوان: "Les formes de politesse en berbère". وضعها أمامي، وبدون تعليق. العقد الثاني بالجمعية ثم الكنفدرالية مع مرور الوقت، بدأ يتبين أن الأستاذ محمد الشامي يُحس بأن الجامعة تخنق أنفاسه إذ لا تسمح له بتواصل أفضل مع المجتمع، بل أنها ستجعل كل مجهوداته حبيسة مدرجات كلية الآداب بوجدة، ولن يصل صداها إلى الناظور، فما بالك بالرباط؟ وهكذا، فتح صفحة جديدة، من خلال تأسيس أول جمعية ثقافية تهتم بالأمازيغية. ولا زلت أتذكره بأناقته المعهودة، بتاريخ 19 يونيو 1991، وهو يُلقي كلمة الافتتاح في الجمع التأسيسي. يقول: "إننا نعتبر الثقافة الأمازيغية عنصر إثراء للساحة الإبداعية المغربية بما تحتوي عليه من كنوز جديرة بالتدوين والتحليل والتأمل، وإخفاؤها ليس هو إفقار للثقافة الوطنية فحسب، بل هو إفقار للثروة الثقافية العالمية. ومن هنا فإن غيرتنا عليها إلزامية، والوقوف بجانبها موقف مبدئي إنساني، حتى لا نساهم في جريمة طمس الثقافات وإبادة الحضارات التي كانت بالأمس مشروعة..." . وهكذا، جعل الأستاذ محمد الشامي الغيرة على الثقافة الأمازيغية إلزامية بنفس المنطق الذي نعبر عنه نحن الحقوقيين عن الإلزامية كأحد خصائص القاعدة القانونية. وهكذا، كان ميلاد جمعية إلماس الثقافية التي ترأسها وجعلها مجالا للنضال لتأسيس حركة جمعية مشابهة على الصعيد الوطني. طموح كبير، إمكانيات قليلة. لكن التفاني في العمل لا بد أن يُعطي نتائجه. فلم تكد تمضي مدة شهرين حتى كانت الجمعية توقع على ميثاق حول اللغة والثقافة الأمازيغيتين بالمغرب. كان ذلك في أكادير بتاريخ 05 غشت 1991، إلى جانب خمس جمعيات أخرى. شخصيا ما إن اطلعت على مضمون ميثاق أكادير، حتى بدأت أحضر نفسي كأستاذ للقانون الدستوري لإلقاء عرض له صلة بالموضوع. كنت متأكدا أنه لا حدود لإخلاصه لقضيته، وأنه سيُخرجها حتما من المجال الثقافي المحض إلى مجال أوسع. لذلك لم أتعجب عندما وصلتني دعوته للإلقاء محاضرة بالناضور في موضوع "اللغة والثقافة في التجارب الدستورية المعاصرة". ومن خلال نجاح التظاهرة، تيقنت أن الأمر لن يتوقف عند هذا الحد. لقد أدمج الأستاذ محمد الشامي في القانون الأساسي لجمعية إلماس جُملة تسمح له بالاتحاد مع جمعيات أخرى مماثلة وتكوين فدرالية أو كنفدرالية وطنية لتحقيق نفس الأهداف. لذلك لم يعد يهمه أن تتأسس جمعيات عديدة، ولكنه كان يريد لها أن تكون قوية وموحدة، فكانت كنفدرالية الجمعيات الأمازيغية بالشمال. ولذلك لم يكن غريبا أن يعمل لاحقا في إطار المجلس الوطني للتنسيق بين الجمعيات الثقافية الأمازيغية، ثم لجنة البيان الأمازيغي ... صدق من قال أن الأحلام الكبرى تصنع الرجال العظام. ولست أدري لحد الآن من أين كان يستمد الأستاذ محمد الشامي الوقت اللازم للاهتمام بكل الأمور التي لها علاقة بالقضية الأمازيغية دفعة واحدة: التدريس، التأطير، البحث، تسيير الجمعية، تنظيم أنشطتها، تنسيق عمل الكنفدرالية، المشاركة في الندوات المحلية والوطنية والدولية، العمل إلى جانب الجمعيات الأخرى، مراسلة مختلف وسائل الإعلام ... وصولا إلى المطالبة بدسترة اللغة الأمازيغية في وقت لم يكن فيه أي أحد يتجرأ على طرح موضوع الإصلاحات الدستورية أصلا، والمطالبة بتدريس هذه اللغة في وقت لم تكن فيه فكرة إصلاح التعليم مطروحة للنقاش ... وهكذا تعددت اهتماماته، لكنها كانت تصب في اتجاه واحد: خدمة الأمازيغية. من القضية الأمازيغية إلى المسألة الأمازيغية لا يمكن أن نستمر في رسم مسار الأستاذ محمد الشامي، دون أن نناقش بعض أفكاره. لقد كان غير متفق على ما كان يتم الترويج له حول القضية الأمازيغية. فقد كان يعتبر ذلك من قبيل عدم الاستيعاب. إن الأمازيغية بالنسبة له أكبر بكثير من أن نطلق عليها وصف "القضية". إن الأستاذ محمد الشامي يُؤمن بقضايا عديدة: قضية المهدي بنبركة، قضية حقوق الإنسان، قضية الإصلاح الجامعي، ... لكن الأمازيغية أكبر حجما من كل القضايا الأخرى، لذلك فهي "مسألة". وهكذا، تحول الأستاذ محمد الشامي في تفكيره من الثقافي إلى السياسي. إن أكبر خدمة يُمكن تقديمها للأمازيغية قد تمت من خلال المساهمة بفعالية في أعمال المجلس الإداري للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، وأول مقال علمي في الخط الأمازيغي، والمشاركة في تحرير كتاب التلميذ للسنة الأولى من التعليم الابتدائي وكل ما يرتبط بالمستويات اللاحقة ....... ويُمكن القول أن قافلة تيفيناغ نفسها قد انطلقت بالنسبة له منذ ما يفوق ربع قرن من خلال شقته بوجدة آنذاك. إن المسألة الأمازيغية يجب أن تنتقل إلى مرحلة نوعية أخرى أمام كل هذه التراكمات الكمية. لقد أصبح للأمازيغية مدافعين عن ثقافتها: جمعيات، جرائد، مجلات، أشرطة، مسرحيات، ... ولا بد والحالة هذه من مرحلة جديدة. وقد يتعجب البعض من كون الأستاذ محمد الشامي امتلك الجرأة اللازمة لنقل مجال مناقشة القضية التي يعيش من أجلها إلى المجال السياسي، لكن ذلك ليس بغريب عنه، هو الذي لا يقف أمام الحواجز. الأمازيغية: أي مستقبل؟ حينما أدخل الأستاذ محمد الشامي المسألة الأمازيغية إلى المجال السياسي، كان يعبر عن ذلك المثقف/السياسي، الواعي بقضايا مجتمعه، يلتقط الإشارات بذكاء ثاقب. لم يفته أبدا أن مستقبل الإدارة الترابية للبلاد هو الأساس الصلب الذي ستنبني عليه التنمية الحقيقية، وأن الديمقراطية الحقة تكون جهوية لتدعيم الديمقراطية الوطنية وتوطيدها. لذلك، هذه المرة، لم أتعجب أبدا حينما وصلتني دعوة للمشاركة في ندوة دولية بالناظور عُقدت في غشت 2007 حول "الحكم الذاتي بالريف". وتيقنت مرة أخرى أن إخلاصه لرسالته الجامعية جعله يُؤمن بما كتبه آنذاك، وأن يحمله معه دون ملل أو كلل كل هذا الزمن. وحينما تعثرون في المكتبات مستقبلا على كتاب يحمل عنوان "اللغة الأمازيغية المعيارية" فلا تبحثوا عن الكاتب، فلن يكون إلا الأستاذ محمد الشامي. بن يونس المرزوقي كلية الحقوق – وجدة