الصين تخصص 6,54 مليار دولار لدعم مشاريع الحفاظ على المياه    النسخة ال46 لبطولة إفريقيا للجيدو – فئة الكبار – (اليوم الأول).. المغرب يحرز 5 ميداليات منها ذهبيتان    الهلال السعودي يبلغ نصف نهائي نخبة آسيا    توقعات أحوال الطقس ليوم السبت    فعاليات ترصد انتشار "البوفا" والمخدرات المذابة في مدن سوس (فيديو)    ولاية أمن الدار البيضاء توضح بشأن مقطع فيديو    وثائق سرية تكشف تورط البوليساريو في حرب سوريا بتنسيق إيراني جزائري    الجهات تبصِم "سيام 2025" .. منتجات مجالية تعكس تنوّع الفلاحة المغربية    تصفية حسابات للسيطرة على "موانئ المخدرات" بالناظور    من فرانكفورت إلى عكاشة .. نهاية مفاجئة لمحمد بودريقة    دول الساحل تعلن دعمها الكامل للمغرب وتثمن مبادرة "الرباط – الأطلسي" الاستراتيجية    المفتش العام للقوات المسلحة الملكية يقوم بزيارة عمل إلى إثيوبيا    مجلس جهة طنجة يشارك في المعرض الدولي للفلاحة لتسليط الضوء على تحديات الماء والتنمية    أخنوش يمثل جلالة الملك في جنازة البابا فرانسوا    جريمة مكتملة الأركان قرب واد مرتيل أبطالها منتخبون    مؤتمر "بيجيدي".. غياب شخصيات وازنة وسط حضور "طيف بنكيران"    مرسوم حكومي جديد يُحوّل "منطقة التصدير الحرة طنجة تيك" إلى "منطقة التسريع الصناعي" ويوسّع نطاقها الجغرافي    أخنوش يصل إلى روما لتمثيل جلالة الملك في مراسم جنازة البابا فرانسوا    هيئة: وقفات بعدد من المدن المغربية تضامنا مع غزة وتنديدا بالإبادة الجماعية    طنجة تحتضن النسخة الحادية عشرة من الدوري الدولي "مولاي الحسن" بمشاركة أندية مغربية وإسبانية    الشيبي يسهم في تأهل بيراميدز    المفتش العام للقوات المسلحة الملكية يقوم بزيارة عمل إلى إثيوبيا    أخنوش يصل إلى روما لتمثيل جلالة الملك في مراسم جنازة البابا فرانسوا    بسبب التحكيم.. توتر جديد بين ريال مدريد ورابطة الليغا قبل نهائي كأس الملك    نشرة إنذارية: زخات رعدية مصحوبة بتساقط للبرد وبهبات رياح مرتقبة الجمعة بعدد من مناطق المملكة    قطار التعاون ينطلق بسرعة فائقة بين الرباط وباريس: ماكرون يحتفي بثمرة الشراكة مع المغرب    الأخضر ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    العالم والخبير في علم المناعة منصف السلاوي يقدم بالرباط سيرته الذاتية "الأفق المفتوح.. مسار حياة"    بودريقة يمثل أمام قاضي التحقيق .. وهذه لائحة التهم    عناصر بجبهة البوليساريو يسلمون أنفسهم طواعية للجيش المغربي    تقرير يكشف عن نقص في دعم متضرري زلزال الحوز: 16% لم يحصلوا على المساعدة    إسكوبار الصحراء.. الناصري يلتمس من المحكمة مواجهته بالفنانة لطيفة رأفت    متدخلون: الفن والإبداع آخر حصن أمام انهيار الإنسانية في زمن الذكاء الاصطناعي والحروب    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    افتتاح مركز لتدريب القوات الخاصة بجماعة القصر الصغير بتعاون مغربي أمريكي    إحصاء الخدمة العسكرية ينطلق وأبناء الجالية مدعوون للتسجيل    مذكرة السبت والأحد 26/27 أبريل    ضابط شرطة يطلق رصاصا تحذيريا لإيقاف مروج مخدرات حرض كلابا شرسة ضد عناصر الأمن بجرادة    مهرجان "كوميديا بلانكا" يعود في نسخته الثانية بالدار البيضاء    أرباح اتصالات المغرب تتراجع 5.9% خلال الربع الأول من 2025    "أمنستي" تدين تصاعد القمع بالجزائر    على حمار أعْرَج يزُفّون ثقافتنا في هودج !    المجلس الوطني لحقوق الإنسان يناقش "الحق في المدينة" وتحولات العمران    السايح مدرب منتخب "الفوتسال" للسيدات: "هدفنا هو التتويج بلقب "الكان" وأكدنا بأننا جاهزين لجميع السيناريوهات"    الإعلان عن صفقة ب 11.3 مليار لتأهيل مطار الناظور- العروي    كاتبة الدولة الدريوش تؤكد من أبيدجان إلتزام المملكة المغربية الراسخ بدعم التعاون الإفريقي في مجال الصيد البحري    الملك يقيم مأدبة عشاء على شرف المدعوين والمشاركين في الدورة ال 17 للملتقى الدولي للفلاحة بالمغرب    "الإيسيسكو" تقدم الدبلوماسية الحضارية كمفهوم جديد في معرض الكتاب    أكاديمية المملكة المغربية تسلّم شارات أربعة أعضاء جدد دوليّين    الرباط …توقيع ديوان مدن الأحلام للشاعر بوشعيب خلدون بالمعرض الدولي النشر والكتاب    كردية أشجع من دول عربية 3من3    دراسة: النوم المبكر يعزز القدرات العقلية والإدراكية للمراهقين    إصابة الحوامل بفقر الدم قد ترفع خطر إصابة الأجنة بأمراض القلب    الحل في الفاكهة الصفراء.. دراسة توصي بالموز لمواجهة ارتفاع الضغط    المغرب يعزز منظومته الصحية للحفاظ على معدلات تغطية تلقيحية عالية    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    المجلس العلمي للناظور يواصل دورات تأطير حجاج الإقليم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إحتلال العراق وآفة المخدرات

عندما كانت طالبان في السلطة في العقد الأخير من القرن الماضي ، تمكنت من تحقيق قفزة نوعية على صعيد مكافحة آفة المخدرات في أفغانستان . في حينه نجحت طالبان في ثني مواطني بلدها عن زراعة نبتة الأفيون وأقنعتهم بالاستعاضة عنها بنباتات زراعية غذائية أخرى ، من خلال المزاوجة بين الترغيب والترهيب وممارسة سياسة العصا والجزرة التي أثبتت فعاليتها ونجاعتها .
في نفس الوقت الذي كانت طالبان تقدم فيه الحبوب والأسمدة للمزارعين على شكل منح وهبات وتساعدهم في ترويج وبيع منتجاتهم الزراعية ، لم تتردد في إنزال أشد العقوبات بحق من كان يتمرد منهم على إرادتها ويصر على زراعة الأفيون ، سعياً وراء الربح الوفير على حساب قوت وصحة المواطنين الفقراء وتحويل البلاد إلى بؤرة احتضان لهذه الآفة الكريهة ومركز تصدير لها إلى أنحاء العالم . لكن مع وقوع أفغانستان تحت الاحتلال الغربي بقيادة الولايات المتحدة على خلفية زلزال 11 أيلول 2001 وبذريعة استضافتها لمنظمة القاعدة وزعيمها أسامة بن لادن ، عادت زراعة الأفيون لتزدهر فيها من جديد بشكل خطير عبرت عنه حالة الفزع والأرق التي انتابت العالم وبالأخص منظمة الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي . وبعدما كانت واشنطن تحمل على طالبان بذريعة إيوائها للإرهاب والمتاجرة بالمخدرات ، تحولت هي إلى مشجع لزراعة نبتة الأفيون أو متغاض عن زراعتها في هذا البلد ، لأغراض تخدم بقاء الاحتلال فيه أطول مدة ممكنة . وبالرغم من مرور حوالي تسعة أعوام على إقصاء طالبان عن السلطة وخضوع أفغانستان لسلطة حكومة عميلة للولايات المتحدة ، ما يزال المسؤولون الدوليون وبالأخص في الاتحاد الأوروبي يناقشون مشكلة تزايد الإنتاج الأفغاني من المخدرات وسبل المساهمة في مكافحة هذه الآفة اللعينة ، بعدما تحولت بلدانهم إلى مستورد سري رئيسي لمشتقاته ، إذ أن 90 في المئة من هذه المشتقات وعلى وجه الخصوص الأفيون يتسرب إليها عبر البوابات الأفغانية . وفيما يختص بتفشي آفة المخدرات بين جيل الشبان في أفغانستان نفسها ، فحدث ولا حرج ، وقد يكون لنا وقفة مع ذلك في وقت لاحق !
المخدرات جاءت إلى العراق مع الغزو والإحتلال
عند الحديث عن آفة المخدرات في العراق لا يمكننا في حال من الأحوال مقارنة ذلك بما هو حاصل في أفغانستان ، إلا فيما تعلق بالشق الخاص بتشجيع سلطتي الاحتلال في البلدين على الاتجار بهذه الآفة وتعاطيها أو التغاضي عن كليهما سعياً وراء إفساد نفوس وعقول المواطنين فيهما للسيطرة عليهم وإطالة أمد الاحتلال ما أمكن . فقد ظل التعاطي مع المخدرات في العراق يقترن بالموت شنقاً في ظل جميع الحكومات التي تعاقبت على السلطة فيه ، منذ تأسيس الدول العراقية الحديثة في آب 1921 حتى سقوطه في قبضة الاحتلال في 9 نيسان 2003 . فمع تعيين بول بريمر حاكماً مدنياً ، فتحت سلطة الاحتلال أبواب العراق على مصراعيها لإدخال المخدرات بكل أنواعها وحولت بلاد الرافدين إلى بؤرة لتفشي جميع صنوف وأنواع الفاحشة بما فيها تعاطي المخدرات والمتاجرة بها ، إلى درجة أن مدينة كربلاء التي تُعتبر أقدس مدن العراق لم تسلم منها . وصدق تخوف العراقيين إذ تحولت هذه الظاهرة المدسوسة عليهم إلى أمر عادي ومألوف . وقد ساعد في ذلك أن مجريات الأمور في بلادهم بقيت على ما هي عليه من الفوضى والفلتان الأمني وغياب القانون !!
وكما قال لي باحث عراقي فإنه عدا الصور والأفلام التي اعتادت تلفزة عراق ما قبل الاحتلال على بثها عن المخدرات والمتاجرة بها وتعاطيها لغرض التثقيف والنهي عنها ، فإن العراقيين صبية وشيباً وشباناً لم يروا الأفيون أو الحشيشة أو أي نوع من أنواع المواد المخدرة ولم يلمسوها لمس اليد بسبب أن التعامل مع تلك المواد نقلاً أو إخفاءً أو تعاطياً كانت تقود أصحابها إلى حبل المشنقة ، بل وإن قانون العقوبات العراقي قد قدم توصيفاً خطيراً لجريمة تعاطي المخدرات بقوله "أنها تتسبب في زرع الأوبئة في صفوف المجتمع وتخريبه". وقد شهد العراق بالفعل عدداً من حالات الإعدام شنقاً في العهود العراقية السابقة بما في ذلك العهد الماضي ، تنفيذاً لنصوص القانون وحفاظاً على أمن وسلامة المجتمع العراقي .
لكن مع غزو العراق وسقوط بغداد في 9 نيسان 2003 كل شيء تغير إلى الأسوأ ، باعتراف العديد من المسؤولين العراقيين بمن فيهم رؤساء الحكومات . فبعد أيام قليلة من سقوط بغداد ، انتشرت في المقاهي الشعبية والساحات العامة ظاهرة بيع وشراء المخدرات تحت سمع وبصر قوات الاحتلال. وكما في أي بلد يقع تحت الاحتلال الغاصب ، كان أبطال هذه التجارة من الصبية والشبان المراهقين الذين يعرضون بضاعتهم في الهواء الطلق وأمام المارة دون حسيب أو رقيب . أما روادها فجلهم من أفراد عصابات النهب والسلب الذين أدمنوا تناول الحبوب المخدرة ومشتقات المخدرات المتنوعة الأخرى . ومع الوقت تضاعف عدد هؤلاء المدمنين إلى درجة أنه لم يعد بإمكان قوات الأمن حصر أعدادهم أو الحد من أنشطتهم الهدامة.

العراقيون القدامى عرفوا المخدرات واستخدموها في أغراض الطب والعلاج
السومريون استعملوها للحد من إغراق الأطفال في البكاء أثناء الليل

أحد أساتذة التاريخ البارزين في جامعة بغداد أوضح أن الدراسات التاريخية بينت أن السومريين الذين كان لهم فضل إنشاء الحضارة العراقية الأولى في مدينة الناصرية جنوب العراق عرفوا المخدرات قبل 3500 سنة ، وتعاطوا معها لغرض الحد من إغراق الأطفال في البكاء لا للأغراض المعروفة اليوم . وتؤكد الدراسات التاريخية أيضاً أن قوات الاحتلال الأجنبية هي التي تسببت في نقل المخدرات إلى البلدان العربية ، حيث تمكن كيميائي يوناني من إدخال الكوكائين إلى مصر التي تسرب منها إلى البلدان العربية المجاورة ، ثم ظهر الهيروين في فلسطين عن طريق قوات الاحتلال البريطانية . واليوم تقوم قوات الاحتلال الأميركية بتدمير المجتمع العراقي من خلال إدخال المخدرات إلى العراق عبر البوابات الحدودية التي تحكم السيطرة عليها بالتعاون مع القوات الأمنية العراقية التي وظفتها لتنفيذ مآربها الخبيثة وخدمة أهدافها الهدامة في الوطن العربي.
النظام العراقي السابق الذي اختطفته سلطة الإحتلال الأنكلو – أميركية مع اختطاف العراق قبل أكثر من سبعة أعوام ، لطالما فاخر أمام العالم أجمع بلاد الرافدين كانت من أكثر البلدان العربية والإسلامية حصانة ومناعة ضد آفة المخدرات . فالعراق وفق إحصائيات ما قبل الغزو والاحتلال كان يؤكد على الدوام خلوه ونظافته من تعاطي المخدرات والاتجار بها ، باستثناء بعض الاختراقات المحدودة التي كان يتعرض لها في أوقات متباعدة عبر بواباته الحدودية وبالأخص البوابتين الإيرانية والتركية والتي عادة ما كان يحاصرها ويقضي عليها . وقد شهدت على ذلك سجلات مستشفى ابن رشد للطب النفسي ، وهو المستشفى الوحيد في العراق المتخصص بمعالجة الإدمان . لكن الموضوعية والمنطق يفترضان الإقرار بأن العراق بدأ مع مطلع عقد تسعينات القرن الماضي يعاني من مخاطر ظاهرة تفشي المخدرات التي أطلت برأسها من الشمال والجنوب لتعصف بمنطقتي الحظر الجوي اللتين أقامتهما الولايات المتحدة وبريطانيا على خلفية العدوان الثلاثيني الذي قادتاه ضد العراق بدعم من حلفائهما بذريعة احتلال الكويت . ويتحمل الأميركيون والبريطانيون مسؤولية تفشي هذه الظاهرة في المنطقتين لأن النظام فقد مع ذلك العدوان سيطرته عليهما ، لكن المناطق العراقية الأخرى التي ظلت تخضع لسلطة النظام حافظت على حصانتها ومناعتها. ومما لا شك فيه أن ظاهرة تفشي المخدرات كانت واحدة من بين الظواهر الغريبة على المجتمع العراقي التي اجتاحت ، ولو بشكل محدود، منطقتي الحظر الجوي في الشمال والجنوب بسبب الحصار الاقتصادي الظالم الذي فُرض على العراق لأكثر من 12 عاماً.
أما الآن وبعد مرور أكثر من سبعة أعوام على الاحتلال البغيض ، فإنه يمكن القول أن تقارير الدوائر الأمنية والطبية العراقية الخاضعة لسلطة هذا الاحتلال تؤكد أن عدد المدمنين على المخدرات والمروجين لها في بلاد الرافدين قد فاق كل تصور . ففي العام الأول للاحتلال وحده سجلت التقارير ما يزيد عن سبعة آلاف مدمن وأكثر من ألف تاجر تولوا ترويج هذه السلعة القاتلة والفتاكة بين المحافظات العراقية بعلم ومعرفة سلطة الاحتلال وموظفيها الكبار في الدوائر الأمنية المحلية . لكن وعلى ما بدا فإن هذه الدوائر تعمدت عدم نشر تقارير رسمية بعد ذلك حتى لا تثير الفزع بين المواطنين العراقيين بسبب الزيادة الكبيرة التي طرأت على عدد المدمنين والمروجين للمخدرات والتي بلغت حد قرع ناقوس الخطر . ودلل على ذلك قرار السلطات الصحية الذي قضى بفرز طبيب نفسي مختص إلى كل مستشفى ومستوصف لمتابعة الحالات النفسية الناجمة عن الإدمان على المخدرات وتعاطي حبوب الكيف والمتعة . لكن وبحسب تقرير لمكتب الأمم المتحدة الخاص بمكافحة الجريمة والمخدرات فقد ارتفع عدد المدمنين في عام 2006 إلى 28 ألفاً . وكان ذات التقرير قد أكد ان العراق أصبح الممر الرئيس لتجارة المخدرات عبر العالم . ويشار في هذا الصدد أن تجار المخدرات في العراق كانوا قد عمدوا إلى بيع هذه السموم بأسعار زهيدة لزيادة الإقبال عليها، حيث أفادت التقارير " أن الوجبة الأولي من المخدرات وزعت في بغداد مجاناً كنوع من الدعاية والترويج لها في حين استقرت الأسعار الحإلية على 750 دينار، ثمن شريط الحبوب المهدئة الذي يحتوي على 12 حبة تكفي الواحدة منها لإيهام متعاطيها بالراحة والخدر المؤقتين" . ويرتفع السعر مع زيادة الجرعة واختلاف نوعها فثمن جرعة متوسطة تؤخذ عن طريق الحقن من الكوكايين او الهيروين يصل إلى 30 ألف دينار في حين يكون ثمن الجرعة الأكبر من ذات المواد 67 ألف دينار ، أما مادة الحشيشة فيتم احتساب ثمنها بالغرام او تباع كلفافات بعد خلطها بالتبغ او توضع مع مادة المعسل المستخدمة في الاركيلة والتي تدخن في مقاهي خاصة او في البيوت.

إقليم الهلال الذهبي...يصدر والمدن العراقية تستقبل وتستهلك

بغض النظر عن الضرر الفتاك الذي يقع على مستهلكيها بشكل خاص والمجتمع بشكل عام ، فإن المخدرات مثلها مثل أي سلعة تجارية أخرى لها مصادر إنتاج وتصنيع وأماكن وأسواق تصدر إليها لغرض الاستهلاك . ويجمع المحللون على أن العراق أول ما بدأ يتعرف إلى المخدرات بشكل ملفت للنظر وخطير كان مع وقوعه تحت وطأة الاحتلال البغيض وأن مصادرها هي إيران وباكستان وأفغانستان وتركيا ، التي تشكل ما يسمى "إقليم الهلال الذهبي" في عُرف تجار المخدرات العالميين . أما استهلاكها في العراق فيتركز في عدد من المدن الرئيسية مثل العمارة والبصرة في الجنوب ، والموصل في الشمال إلى جانب العاصمة بغداد . وبينما أظهرت دراسات عالمية وقفت وراءها منظمة الأمم المتحدة والمفوضية الأوروبية في بروكسيل أن "إقليم الهلال الذهبي" ينتج وحده ما نسبته 60 في المئة من مجمل ما ينتجه العالم من الأفيون والهيروين ، فإن الدراسات والتقارير التي ظهرت في العاصمة العراقية لم تستطع حتى الآن تقدير حجم ما يستهلكه العراقيون من هاتين المادتين ومشتقات المخدرات الأخرى!!
وحسب ما ورد في تقرير أعده باحث عراقي لصحيفة سعودية في العام الأول للاحتلال ، فإن الغريب في أمر المخدرات مع العراق "أن كربلاء هي ثاني أكثر مدينة عراقية تستهلك مشتقاتها من أفيون وهيروين وحشيش وحبوب مخدرة بعد العاصمة بغداد" . وكربلاء كما هو معروف هي المدينة المقدسة بالنسبة للطائفة الشيعية وهي مقر مرجعيتها الروحية . وحسب ذات التقرير فإن الشرطة العراقية قد ضبطت في ذلك العام أعداداً كبيرة من المدمنين على المخدرات والمروجين لها وهم يعرضون بضاعتهم قرب الأضرحة المقدسة ، وتم إلقاء القبض على مئات الشبان المتلبسين بتعاطيها إدماناً وترويجاً . وترجع أجهزة الأمن في المدينة المقدسة تفشي المخدرات فيها إلى كثرة المسلمين الشيعة الذين يفدون إليها من إيران وباكستان وأفغانستان والهند لزيارة الأضرحة المقدسة والمشاركة في المناسبات الدينية . وهذه البلدان باستثناء الهند تنتمي ل "إقليم الهلال الذهبي" الذي سبق أن مررت على ذكره. وفي العاصمة بغداد ، تعتبر منطقة "البتاويين" المشهورة باحتضانها للمراقص والمشارب وعلب الليل وأوكار الدعارة ومأوي عصابات السلب والنهب تعتبر السوق الأهم للمدمنين والمروجين.

الإحتلال هو السبب والمتسبب ...ومصدر المصائب والبلاء !!

منذ ولادة الدولة العراقية الحديثة في أعقاب الحرب العالمية الأولى ، لم يصادف أن اضطُر أي من الأنظمة التي تعاقبت على السلطة فيها إلى إنشاء مديرية خاصة أو جهاز متخصص بمكافحة المخدرات ، إلى أن تحققت مشيئة المحافظين الجدد وتم غزو العراق واحتلاله للسيطرة على بتروله وحماية أمن كيان العدو الصهيوني من خلال موقعه الإستراتيجي الهام . وحدها وزارة الداخلية العراقية المعينة من قبل الاحتلال هي التي اضطرت تحت ضغط الظاهرة "الغازية" أن تنشئ مديرية خاصة بمكافحة المخدرات ، كان لها فضل الاعتراف بظاهرة تفشي المخدرات في العراق والتنبيه من عواقبها الوخيمة!!
أما عن كيفية دخول المخدرات إلى البلاد وبهذا الشكل الخطير، فمن المعروف أن حدود العراق مع دول الجوار هي شبه سائبة حتى اللحظة الراهنة ، الأمر الذي سهل مهمة التجار العالميين والمحليين وكل من يريد سوءاً بهذا البلد الذي عُرف بدفاعه عن الأمة العربية وقضاياها والذي كان يؤرق كيان العدو الصهيوني على الدوام . وفي هذا المجال أرجع مسؤولون في قوات الحدود العراقية دخول المخدرات إلى العراق بهذه الكيفية المتنامية إلى "أن حدود العراق مع دول الجوار تبلع حوالي 3600 كلم الأمر مما يصعب معه ضبط هذه المسافات الشاسعة من الحدود البرية المعقدة" ، هذا ولا يغيب عن البال أن بعض دول الجوار قد سهلت عن سابق عمد وترصد عمليات تهريب المخدرات إلى العراق لأسباب سياسية ، إلى جانب أن قوات الاحتلال غير معنية أصلاً بمنع دخول المخدرات إلى العراق مثلما هي غير معنية بتهريب متاحفه وآثاره وأي شيء آخر منه إلى الخارج . ونستدل على ذلك بفضائح تهريب القطع الأثرية والمخطوطات التاريخية التي وصلت أصداؤها آخر المعمورة منذ الأسابيع الأولى للاحتلال . وحتى اليوم نسمع عن عثور الإنتربول العالمي على قطعة أثرية أو مخطوطة تاريخية عراقية في هذا البلد أو ذاك.
إختصاصيو الأمراض النفسية والعلاج من الإدمان عزوا ظاهرة تفشي المخدرات في العراق لأسباب عديدة من بينها وجود الاحتلال والبطالة والتفكك الأسري وتسرب الشبان من المدارس والجامعات والإحباط والانفلات الأمني والاجتماعي . وهي أسباب عادة ما تتوفر في بلد مثل العراق تعرض لاثني عشر عاماً من الحصار الاقتصادي والعسكري والسياسي والنفسي وخاض حروباً شرسة تُوجت باحتلال دمر جميع مقومات الحياة فيه . لكن تبقى الإرادة والكرامة والمواطنة عناوين ملازمة لغالبية العراقيين ، الأمر الذي يُبقي الأمل موجودا ً بقرب أزوف ذلك اليوم الذي سينتصر فيه العراقيون على جميع الظواهر السلبية التي طرأت على حياتهم ، بما في ذلك المخدرات والإحتلال.


حزيران 2010


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.