إن من الفلاسفة الغربيين ومفكريهم يضعون الدين في مرتبة متدنية من حيث الأهمية ويرون أن الدين لا علاقة له بالحياة ، وهو خارج إطار التعامل بين البشر ، هو فقط موجود في دور العبادة ، أما الحياة العملية فلها أحكام أخري خارجة عن السيطرة وتحكم الدين . ومنهم من رفض الأديان جملة ورفضوا كل ما هو مترتب عليها من مغيبات ومعجزات . من أراد أن يبني صرح دولته وبلاده كانت الأخلاق لزاما لبنائها ، لان الوازع المادي لا يكفي لبناء الأمم من حيث تأثيره المبني علي العلم لان تأثيره إداري بحت ، كما أن تأثير القانون الحكومي لا يجاوز الظاهر بدليل أن تعميم التعليم في الأمم الراقية لا يغني عن وضع قوانين زاجرة . ولذلك فان التأكيد علي الوازع الديني لأنه اقوي من غيره من حيث التأثير بكونه مؤيد بالعقوبات الشاملة للظاهر والباطن . إذ لا توجد أخلاق علمية ولن توجد أخلاق علمية ، فالعلم مساعد للأخلاق بالواسطة كما أن الدين والأخلاق شيئان متلازمان . وعليه يجب أن يجمع بين الدين والأخلاق معا ، أي أن تبني الأخلاق علي أساس الدين ، أي هو الدين وأخلاقه معا لا الأخلاق وحدها . وذلك لان المعافى في دينه معافى في أخلاقه وزائف الدين زائف في أخلاقه . ومن البيان السابق يكون الدين ضرورة اجتماعية وحقيقة من الحقائق ، وقد سبق وقلنا في مقال سابق أن النزعة الأخلاقية والدينية عند الإنسان ملازمان له لا ينفك عنهما . والعقلية السقيمة عند بعض مفكري الغرب والذين رفضوا الدين ووجوده وتأثيره في جميع جوانب الحياة ، إنما كان بتأثير التناقض الذي حدث بين الدين والعلم ، أي من عدم ائتلاف دينهم مع العقل والعلم ، فبحثوا عن مستند آخر ، فقالوا انه يستند إلي مبادئ الخير والفضيلة والصلاح ، ثم احتاجوا إلي تفريق هذه المبادئ من مقتضيات العقل لتكون تلك الأمور من مزايا الدين إزاء مزايا العقل الذي يقف من الدين موقف المعارض . ولزم من ذلك ادعاء وجود التنافر بين العقل وبين تلك الأمور الحميدة كما أنه موجود بين العقل والدين ، فهذه ضربتهم علي العقل بعد ضربتهم علي الدين بقوله منافاته للعقل . أي أن ذلك حط من قيمة العقل بادعائهم التنافر بين الدين والعقل .إذ أن العقل السليم والفطرة السليمة تقضيان بوجود الدين وأهميته للحياة . وكان الخطأ من بعض مفكرينا أن يقلدوا الغرب في ذلك ورفضهم للدين بادعاء منافاته للعقل ، كما أن المنطلق العقائدي مختلف بيننا وبينهم . كما وقع المفكرين العرب في التخبط ومجانبة الصواب اللذان وقع فيهما الفلاسفة في الغرب من قبل ، من إنكار للخالق والدين والبعث تحت شعارات وفلسفات شتي ، حتى أن منهم من طالب أن تكون البلاد العربية نسخة عن الغرب ليكون التطور والتقدم . والإنسان الذي لا دين له أو ضعيف الاعتقاد بالدين سهل السقوط والانقياد ، لا حامي له من الانحراف والوقوع في الخطأ وان كان مهلكا ، كما أن الحياة بصعوبتها وهمومها والصدمات التي يتلقاها الإنسان في حياته ، لا يمكن تحملها والنهوض بعد السقوط إلا بوجود الدين والإيمان به وبالخالق الذي انزل الدين . وجملة القول أن الدين الذي يشاطره العقل في كونه اشرف مميزات الإنسان – حتى أن كثيرا بعضا من الفلاسفة الغربيين عرفوا الإنسان بأنه حيوان له دين – وعلي رأسه الإيمان بوجود خالقه والإذعان لسلطته عليه فوق كل السلطات وخضوعه له وحده دون غيره فوق كل شئ آخر . ووجود الله سبحانه وتعالي هو أساس كل موجود في العالم ولهذا فان من الضروري أن يكون العلم بالله وبوجوب وجوده في رأس جميع العلوم والمعرف البشرية . واثبات واجب الوجود ( وجود الله ) هو إثبات من يجب وجوده إذ ليس في الموجودات من يثبت وجوده عن طريق وجوبه إلا الله ، لان كل ما سواه موجود لا ضرورة لوجوده ولا استحالة لعدمه ويسمي ( الممكن ) . والله هو الواجب فلا موجود أحق منه تعالي بأن يكون موجودا فهو أحق بالوجود من مثبتيه ونفاته ، ومن كل ما يثبته المثبتون . إذ يمكن كل شئ أن لا يكون موجودا أو يشك في وجوده لأنه ممكن يقبل الوجود والعدم ، إذ ليس وجود غير واجب الوجود إذا كان موجودا ضروريا ولا عدمه إذا كان معدوما ،ولا يمكن أن يكون الله موجودا لو فرض عدمه كان هذا فرض من يجب وجوده وهو تناقض محال . أما انه لابد من في الموجودات من وجود واجب الوجود فنحكم به موقنين من دون أن نراه مستدلين علي وجوده من الموجودات الممكنة الوجود التي نراها ونشاهدها والتي لا يتسنى لها أن توجد لولا وجود واجب الوجود .