عيب كبير أن تنتقل المعارضة المصرية إلى نيويورك وتكساس للاستقواء بأمريكا، وللترويج لما سيطلق عليه قريباً من قبل المتربصين بمصر فى نيويورك وواشنطن ب«أزمة الحكم فى مصر».. نحن الآن فى وضع داخلى وإقليمى حرج لا بد من التعامل معه بحساسية عالية. أعرف أن لكثير من المصريين ملاحظات على النظام الحاكم فى مصر، ولكن أياً كانت الملاحظات، وأنا هنا لا أتحدث عن مصر وحدها، أياً كانت الملاحظات على النظام فى الداخل، لا يجب تدويل الأمر، ولا يجب أن نخلط بين أمور تكتيكية وضغائن صغيرة، وبين أمور استراتيجية تمس الأمن والاستقرار فى بلد به ثمانين مليون مواطن، لو اهتز أمنهم أثر ذلك على أمن المنطقة برمتها.. مهم أن يعرف من سافروا إلى أمريكا، أن المواطن العادى الذى قابلته فى مصر يرى فى مسألة الاستقواء بأمريكا فى هذه اللحظة أمراً منافيا للذوق العام، أمراً مرفوضاً، وتبرير المواطن العادى لذلك بسيط، إذ قال لى أحد المصريين العاملين فى مقهى الفندق «عيب نعمل كده فى ظرف الرئيس كان فيه مريضاً، لو كان هذا داخل أى بيت فلا يتقاسم الناس التركة والأب مريض، إحنا كده بنفوّل عليه». و«يفوّل عليه» فى اللهجة المصرية هو أن يكون الحديث فأل شؤم. المواطن العادى البسيط يرى فى سلوك التحالف المصرى ومؤتمراته المقامة فى أمريكا سلوكاً غير مقبول من زاوية الذوق الاجتماعى لا زاوية السياسة، وهنا مربط الفرس. أما النقطة الثانية التى سمعتها من المواطنين المصريين العاديين فى القاهرة وفى الصعيد فهى تتعلق بماحدث من المعارضة العراقية واستقوائها بالخارج الذى أدى إلى خراب البصرة والعراق كله، حيث يرى أحد المواطنين «أياً كانت الديمقراطية القادمة فى العراق، فثمن الاحتلال وما تلاه من موت كان ثمناً كبيراً دفعه العراقيون من دمائهم، ونحن لا نريد أن ندفع ذات الثمن. إحنا كده أحسن ميت مرة».. بالضبط، المصريون أفضل الآن مائة مرة من العراقيين، فلا إرهاب ولا تفجيرات ولا قتل فى القاهرة، يمكن السهر والسير فى عاصمة مصر حتى مطلع الفجر وأنت فى أمان تام.. ماقاله المصريون الذين سافروا إلى أمريكا من أجل مؤتمرهم يمكنهم أن يقولوه فى القاهرة، فما يقوله الدكتور سعدالدين إبراهيم على شبكة سى. إن. إن، يقوله وأكثر منه فى مقاله فى «المصرى اليوم» كل سبت، وما قاله الدكتور يحيى الجمل فى نيويورك، يقول أكثر منه فى الصحف والتليفزيونات المصرية، وهو ضيف دائم على الكثير منها، ونفس الشىء ينطبق على الدكتور نافعة، إذن ما الهدف من عقد مؤتمر عن «التغيير فى مصر» فى أمريكا؟ معركة التغيير فى مصر مشتعلة وحلبتها هى مصر وليست نيويورك، المنافسة على الآراء يجب أن تكون فى مصر لا فى أمريكا.. عندما ننتقد مصر بالعربية فى العالم العربى كله، فنحن ننتقد مصر وسط من يفهمون، ونتوقع من الكثير منهم الرد، لأنهم يعرفون الكثير عن الوضع، أما فى نيويورك فتأخذ أنصاف الحقائق على أنها حقائق، وتلون العبارات لمصلحة المستفيد، وفى هذا السياق المستفيدون هم أصدقاء إسرائيل لا أصدقاء العرب. إن تسييس القضايا المحلية خارج السياق يدل على سوء نية أحيانا، فالقصد من الحديث عن مصر خارج مصر يهدف إلى تغيير الملعب والجمهور والحكام، وربما تغيير قواعد اللعبة برمتها.. مهم أن يلعب المصريون الراغبون فى التغيير مباراة التغيير وسط جمهور مصر، ولا داعى لنقل المباراة إلى نيويورك، نعم هناك شكوك حول حكم المباراة كما يحدث فى مباراة الأهلى والزمالك ونأتى بحكم أجنبى ليدير المباراة، ولكن هذا لا يعنى أننا لا نلعب فى مصر، وأمام جمهور مصرى، كما أننا لم نغير قواعد اللعبة من مباراة كرة قدم تلعب بالقدم إلى مبارة كرة سلة أو مباراة تلعب بالقدم وباليد معاً. ليس عيباً أن يكون المصريون منتقدين لأوضاع بلدهم، ولكن النقد الأكثر تأثيراً يجب أن يكون داخل البلد، وهنا أطالب الحكومة بأن تفتح المجال حتى لمعارضيها للحديث والكتابة فى الصحف التى تدعهما فى الداخل، لأن الهدف لأى معارضة وطنية هو مصلحة البلد لا خرابها. معنى المعارضة والحكم هو أن هناك جدلاً وطنياً بين رؤيتين مختلفتين لتعظيم مصلحة البلد العليا، تتنافس فيه الأفكار من أجل مصلحة البلد لا من أجل هدم البيت على من فيه.. الجدل بين المعارضة والحكم فى الدول المتقدمة، هو جدل اختلاف فى الأفكار حول ما هو أفضل بالنسبة للبلد الذى نعيش فيه، أى بلد كان.. الهدف هو الوصول إلى أفضل تصور لما يمكن تسميته بالصالح العام، وفى هذا تستمع الحكومة لآراء المعارضة، وتستمع المعارضة لآراء الحكومة من أجل التوصل إلى صيغة أفضل، أما أن نرفض بعضنا البعض من البداية وقبل أن يبدأ الحوار، فهذا أمر غير مقبول.. عيب!!