فيروز نص جميل في هوى تراب الوطن .. ورائحة الوطن .. ولون الوطن .. وذكرى الوطن .. من خلال لحن الوطن .. *الوطن الجميل .. كما عشقناه دوما .. لبنان *المغترب**** .. **بصوت فيروز*** *مجيد ابراهيم - **محامٍ وكاتب * *عندما تكوّن المكان في الذاكرة الطريّة، وأنا ولدٌ أحاول أن اجد معنى لهذه الطبيعة الجميلة، لهذه السماء الزرقاء البعيدة ولهذا المدى الذي يطلّ برأسه كبحر من خلف التلال والغابات، تناهى إلى مسمعي من مذياع قديم أغنية "يا مرسال المراسيل عالضيعة القريبة" بهذا الصوت الملائكي الذي يشبه ترامي أشعّة الشمس على الزرع النديّ في الصباحات الباكرة، تساءلت حينها عن البيوت التي كانت تتراءى لي في القرى القريبة وعن من يسكنها وعمّا يدور فيها من خلف الأضواء الخافتة في ليلها الهادىء. ذلك كان فيه وجع الإنتظار والشوق إلى لقاء أهل هذه القرى****.* * * ** *وعندما شبّ فيّ الشباب وأدركت معنى الغياب، تكوّن لديّ الوعي من تناقضين****:* *الأوّل هو هذا الحبّ الكبير لبلدي، رافقه صوت ملائكي وعاشق، هو صوت السيّدة فيروز. والثاني هو هذا السفر الذي أصبح عنواناً لمرحلةٍ عاش فيها الشباب انسداد الأفق لعيشهم في بلدهم لأسباب منها قلّة فرص العمل ممّا حال دونهم والبقاء في بلدهم الجميل، وما يستتبع ذلك من أسلوب حياة كالعمل فيه أو العشق على دروبه وكرومه أو بناء البيوت على تلاله وفي سهوله****.* * * ** *فيروز تلك القامة العالية التي تشكّل واحداً من أعمدة الثقافة في بلدي، غنّت هذا الإغتراب حبّاً بلبنان فكان لها****:* *- ****** **"ل وين رايحين، ل وين مسافرين* *- ****** **شو عم نعمل هون * * ...* *- ****** **والأرض ل مين بنتركها* *- ****** **بنتركها للريح، بنتركها للذيب للشحّ اللي ما بيتركها"* * * ** *ذلك الحوار معكم وهذا الموقف السلبي الناجم عن صعوبة العيش في بلدنا لأسباب إقتصاديّة قبل أن تكون أمنيّة، يرد صوت فيروز فيه، هذا الصوت الذي يمثّل ضمير وطنكم، صوت برلمانه الشعبي****:* *"بيظلّ فيها أتنين* *عيون حلوة وإيد* *يعمروا من جديد* *ضيعتي الخضرا ع مدّ العين"* * * ** *ويمتدّ هذا الحوار في دواخلكم وفي أسئلة بلا أجوبة، فينطلق هذا الصوت ليعبّر عنكم وينهي هذا الجدل**** **الصراع****.* *"ردني إلى بلادي مع نسائمٍ غوادي* *مع شعاعةٍ تغاوت عند شاطىءٍ ووادي**** ...****"* * * *وبذلك يحاول هذا الصوت أن يطهّركم من ذنب ترك أهلكم وبلدكم لأنّ هذا الترك على المستوى الجمعي، حتّمته الظروف وهذا الطموح اللامتناهي لتغيير ظروفكم****.* * * ** *وتبقى علاقتكم بهذا الوطن يشدّها الحنين إلى دار وأهل وضيّاع ومدن وسهر، يشدّها حياة بكلّ عناصرها الجميلة، إلى هذه الطبيعة الخلاّبة التي تحكي ماضيكم* ***:* *"**** **يا ربع لي في حماك الغض عِشرة صِبا* *غنيّت في واحتك ألحان حب وصَبا**** ...****"* * * ** *ولكن عندما أصبحت الغربة قدراً ومصيراً لا فكاك منه، وعندما أمعنتم في غربتكم وغيابكم، كان هذا الصوت يدقّ أجراساً ضدّ النسيان بأغنية حكيلي****.* *"**** ....* *خبرني إن كان بعدو بيذكرني ببلدي وع السهرة ناطرني"* * * *يدعوكم هذا الصوت إلى تذكّر أسلوب الحياة الجميل أي عندما كنتم تفرغون من عملكم في النهار وتنتظركم تلك السهرة في الليل، شدّتكم إليها ابتسامة انثى، عيونها عاشقة وفي بالها "حكي"**** ****** **ستقوله في السهرة****.* * * ** *وعندما كان يحدث الفراق لأنّ الغربة ممرّ إجباريّ وقسريّ، يرافقكم هذا الصوت الملائكي****.* *"**** **يا مركب الريح خلّي البحر وانزل ع برّ* *من طول فرقاه دمعي فوق خدّي عبر"* * * *ويتّضح المعنى بهذه الأمنية ومخاطبة المركب الذي يحمل الأفئدة إلى خلف البحار أنّ الأحبّة قرّروا السفر والغياب، فهل أنت يا مركب تقوم بوضع حدٍّ لهذا السفر بنزولك إلى البرّ لأنّ الزمن يمرّ ولا ينتظر حتّى تبقى الصبيّة العاشقة، صبيّة وجميلة وعندما يعود حبيبها، تبقى اللحظة معه هي ذاتها عندما قرّر السفر، وفي وعي الصبيّة أنّ ذلك مستحيل، ليصبح السفر والفراق بالنّسبة إليها معادل لفقدان الحياة بين مرحلتين، البقاء والسفر****.* *"**** **نحن قضينا العمر صد وحنين ونوى* *ولمّا إلتقينا، لقينا العمر ولّى وعبر"* * * *وعندما كان السفر والهجر قدرٌ لا مفرّ منه، صاحبكم هذا الصوت الملائكي بتخليد بلدكم الجميل لبنان وعبّر عن إحساسكم بحبّه وعدم نسيانه وأنّ بُعدَكم هو مؤقّت وإن استمرّ لعشرات السنين وأنّ حبّه بقلبكم لا يمحوه زمن، لا مدن، ولا ناطحات سحاب بأغنية****:* *"بحبّك يا لبنان يا وطني بحبّك* *...* *حبة من ترابك بكنوز الدني * *بحبّك يا لبنان يا وطني"* * * *والأغنية في زمانها ومكانها نشيد وطني من نوع آخر أو نشيد وطني شعبي يعلن الولاء لوطنٍ ظلّ في الذّاكرة جريحاً، وكأنّ قدره أن يكون لزمن طويل أمام الإحتمالات المختلفة من الأحداث الداخليّة إلى الإعتداءات الإسرائليّة تلك الدّولة الغاصبة التي لا تستريح إذا كان لبنان وطناً معافى وفي محيطه العربي، غير أنّ العلاقة مع الوطن مرسومة من الأزل، وهي علاقة جدليّة، فالوطن كتراب وماء وهواء لا يكون وطناً إلاّ إذا آمن به أبناؤه المغتربون كما المقيمون وهكذا فإنّ صوت السيّدة فيروز وبإلتزام واعٍ، ظلّ يصدح كبلابل الأحراش والوديان بهذه العلاقة الأزليّة السرمديّة بين الوطن وأبنائه المغتربين والمقيمين**.* *"**** **من يوم لي تكون يا وطني الموج كنّا سوى* *ليوم ل بيعتق يا وطني الغيم رح نبقى سوى* *...* *شعبك بحبّك ل تبرد الشمس وتوقف الأيّام".* * * *عن مجلة المغترب*