أشار عبيدي، دور الجزائر الريادي والسيادي في المنطقة يقلق باريس ويسبب التوتر الاقتصادي، إلى أن قضية الدبلوماسي الجزائري، الذي يتهمه القضاء الفرنسي بالعلاقة في عملية اغتيال علي مسيلي، هي جزء من الأوراق التي تعمل السلطات الفرنسية على إثارتها كلما أثيرت قضية تجريم الاستعمار في الجزائر، وقال “ما يجري الآن هو جزء من معركة دبلوماسية ليست جديدة لكن أطوارها بدأت، لأن الجزائر لا تريد لفرنسا أن تحتكر الهيمنة على الجزائر ودول المغرب العربي، بينما تعمل فرنسا لإجهاض تمرير قانون تجريم الاستعمار، لأن ذلك سيشكل فاتحة لقضية كبرى ستكلف فرنسا كثيرا، ما جعل فرنسا تحاول إثارة مشاكل قضائية ذات أبعاد جنائية دولية”. تعود قضية المحامي الجزائري ذي الجنسية الفرنسية، علي أندري مسيلي، إلى أفريل سنة 87، حيث تعرض للاغتيال رميا بالرصاص في بهو العمارة التي كان يقيم فيها بالعاصمة الفرنسية باريس، التي كان يقيم فيها منفيا منذ سنة .65 وكان مسيلي آنذاك عمره 47 سنة ومقربا من الزعيم التاريخي للأفافاس، حسين آيت أحمد، إضافة إلى الرئيس الأول للجمهورية الجزائرية المستقلة أحمد بن بلة. وقد لعب الثلاثة دورا أساسيا في تأسيس ''جبهة موحدة ضد نظام الشاذلي بن جديد'' في العاصمة البريطانية لندن. ومباشرة بعد إذاعة خبر اغتياله، اتهم آيت أحمد المخابرات الجزائرية بتدبير العملية، في حين اعتبر بن بلة آنذاك العملية ''مدبرة عن بعد من الجزائر العاصمة''. ولم يتوقف الأفافاس وكذا عائلة علي مسيلي عن المطالبة بالحقيقة ومحاكمة المتورطين في الاغتيال طيلة السنوات الماضية، وإلى غاية ديسمبر من السنة الماضية، حيث صدر أمر بالقبض على المتهم بتنفيذ عملية الاغتيال المدعو عبد المالك أملو والمتهم بتدبير العملية الدبلوماسي محمد زيان حساني. وفور توقيف الدبلوماسي الجزائري، عبّر محامي عائلة مسيلي عن ارتياحه وقال لوكالة الأنباء الفرنسية ''إنه خبر جميل، لكن يجب ألا يتكرر ما حدث في السابق في هذا الملف، أي طرد المتهمين من التراب الفرنسي نحو الجزائر قبل محاكمتهم هنا في فرنسا''. وجاء الأمر بالقبض الدولي في حق الدبلوماسي الجزائري، بناء على شهادات جديدة في القضية نشرها الصحفي ميشال نودي في كتاب صدر سنة 93 تحت عنوان ''جريمة دولة: قضية مسيلي''. وقد ذكر هذا الصحفي اسم محمد زيان حساني كمدبّر لعملية الاغتيال. الأفافاس مسرور ومتخوف عبّر حزب جبهة القوى الاشتراكية ، عن سروره بخبر توقيف مسؤول وزارة الخارجية الجزائرية المشتبه في تدبيره عملية اغتيال علي مسيلي في باريس سنة .87 وحيا بيان الأفافاس ''شجاعة ونزاهة القاضي الفرنسي''، لكنه عبّر في نفس الوقت عن تخوفه من ''مناورات السلطات باسم دواعي مصلحة الدولة للحيلولة دون ظهور الحقيقة''. وأضاف البيان ''التجربة تجعلنا نتخوف من ضغوط قد تؤخر أو تعطل الإجراءات السارية''. وقال أيضا ''سيتابع الأفافاس باهتمام تطورات الملف إلى أن ينتصر منطق العدالة على منطق دواعي مصلحة الدولة والصفقات المشبوهة التي تبقى في كل الحالات مبررات غير مقنعة''. ومن جهته، قال القيادي في الأفافاس، أحمد بيطاطش، إن حزبه ''لا يرى أي علاقة بين هذه القضية وتطورات الساحة السياسية في الجزائر أو في فرنسا''، وعليه يتمنى أن ''تبقى القضية في إطارها القضائي المحض''. تصريح السيد حسين أيت أحمد إن اللاعقاب الذي منحته السلطات الفرنسية لقاتل و من ثم لمدبّر عملية اغتيال علي مسيلي، المعارض الجزائري، مناضل حقوق الإنسان و إطار في الأفافاس، هو فعل لا يستطيع أن ُينكر. بعد ترحيل القاتل المزعوم إلى الجزائر عام 1987 تحت تدابير استعجاليه مطلقة، نلاحظ اليوم بأن المدبّر المفترَض قد استفاد من رفع الرقابة القضائية عليه، هذا الذي يسمح له بمغادرة الأراضي الفرنسية و الدخول بكل حرية إلى الجزائر العاصمة. إن الاتفاق الذي اُبرم في عام 1987بين باريس و الجزائر العاصمة قد جُدّد مفعوله؛ أمّا العلاقات العكرة التي من الظاهر، يجب أن تربط، و دائما إلى الأسوأ، النظام الجزائري مع مسؤولي القوة الاستعمارية القديمة، هي دائما قوية و جدّ وطيدة. في حين أين نشهد، أنّ موجة نبذ اللاعقاب تزحف و تتقدّم على الصعيد الدّولي، نجد فرنسا تشارك النظام الجزائري في تأسيس تمييز هائل و فريد في حق الشعب الجزائري. إن السلطات الفرنسية ، دون أن تعترف بذلك باللفظ الصريح، تُظهر بأنها تعتقد أن حياة الجزائريين لا تساوي حياة إنسان. إن موقف السلطات الفرنسية تدعّم فكرة أن النظام الجزائري له الحق في استباحة كل شيء ،في كل مكان و في كل الأحوال. لهذا السبب ، فإن المناسبات الذي اندثرت من أجل إحلال السلم، الديموقراطية و التفتّح السياسي منذ 1988، لا تُعدّ و لا تُحصى. إن دعم الأنظمة الحاكمة الفرنسية المتعاقبة ، هو الذي ضَمن النسيان و اللاعقاب حول الاغتيالات السياسية و الجرائم ضد الإنسانية التي اقتُرفت في حق الشعب الجزائري. هذا الدعم الذي مكّن النظام الجزائري من جعل ا لحرب الأهلية التي كانت بمثابة حرب حقيقية ضد المدنيين، كأنها أول مواجهة ضد الإرهاب الدولي. إن الرهانات التي أدت بالأنظمة الحاكمة في فرنسا إلى الدّوس على استقلالية ا لقضاء في عقر بلادها و مساندة التعسّف ، الظلم و اللاقانون في الضفة الجنوبية للبحر المتوسّط، هي رهانات معروفة : المصالح الاقتصادية مقابل اللاعقاب السياسي، هذا ما يُسمى بالصّفقة المشبوهة. الصّفقة المشبوهة الأخرى و الاتفاقية المشبوهة أو بالأحرى المساومة:هي رفع الرقابة القضائية المسلّطة ضد المدبّر المزعوم لتصفية علي مسيلي مقابل انخراط الجزائر في الاتحاد المتوسّطي ، طبعة ساركوزي. هذا الاتحاد الذي أُسّس على التواطؤ و التفاهم مع الدكتاتوريات ،يؤدّي إلى دفن الشعوب و تقييد الديمقراطية. كل شيء يحدث و كأنّ فكرة إنشاء الاتحاد المتوسّطي التي جاء بها ساركوزي،تزامن حقبة الحرب الباردة في السبعينيات و الثمانينيات التي جمّدت حركة التحرّر ، و أفشت ديناميكية الدكتاتوريات المتسوّلة و أغلقت على شعوب ،مجتمعات و أفراد الجنوب ،هذا الذي عرضهم إلى كل أشكال العنف ، المحن و الاستلاب. اليوم، لا توجد عدالة دون أخلاقيات العدالة.لا توجد علاقات دولية دون احترام القانون. بدلا من التمتع بحقوق الإنسان و "التحضّر"، يجب أولا و قبل كل شيء ضمان تحضّر العمل السياسي و هذا بالتكفل باستقلالية العدالة في الضّفتين. إن الشعوب المغاربية تستحق الأفضل. الشعب الفرنسي يستحق الأفضل كذلك. إنّ جبهة القوى الاشتراكية على قناعة، بأنّ اللاعقاب الأبدي هو سراب. إنّ جبهة القوى الاشتراكية على قناعة بأن لا الشعب الجزائري و لا الشعوب المغاربية الأخرى ستقبل بأية وصاية بقناع محميّة، بنظام أبوي. يأمل الأفافاس بأنّ في المستقبل، سترفض المجموعة الدولية تأييد نظام همجي الذي يتجاهل شعبه و يرفض كلّ تفتح سياسي. يجب أن نذكّر بأن الشعب الجزائري تحصّل على حقّه في الاستقلال و تقرير مصيره، و هو سبب تواجد الدولة الجزائرية، بفضل مساندة المجموعة الدولية. لكن كيف لنا أن نفسّر هذا الانحراف الكارثي لحق تقرير المصير نحو مسار التدمير الذاتي، بالسكوت ، عدم المبالاة و عدم الاكتراث ، التناسي المذهل ، و التواطؤ الجلي للرأي العام الدولي و الهيأت الدولية. حسين أيت أحمد