أحسنت الحكومة الفلسطينية في غزة صنعاً وهي تقرر منع الإزعاج الليلي، وقصر الأفراح والليالي الملاح حتى الساعة الثانية عشر ليلاً، هذا القرار لا يقل أهمية عن قرار وقف إطلاق النار في غزة في المناسبات، وبدون مناسبات. وللتوضيح؛ فقد صارت غزة أقرب على سويسرا، فلا تسمع فيها طلقات رصاص إطلاقاً، ولا ترى في غزة سلاحاً يلعلع، ويغني ويرقص في الشوارع، ولا ترى في غزة أولئك الذين كان السلاح يتدلى على مؤخراتهم كأنه علبة سجائر، لقد ولى زمن السلاح الاستعراضي أمام فتيات المدارس، ولعل من أغرب الأمور في غزة التي تحمل السلاح، وتعد نفسها للمقاومة، ومقاتلة الجيش الإسرائيلي الذي قهر جيوش، من أغرب الأمور أن المتجول في شوارع غزة لا يرى فيها أي مظهر من مظاهر التسلح، أو السلاح، ولا ترى في غزة بندقية، أو مسدس، أو قنبلة يدوية، ولا ترى لغماً، أمر عجيب أن تكون أرض المقاومة بلا مظاهر مقاومة!. ألم أقل: إن قطاع غزة قد صار سويسرا الشرق الأوسط، ولكنه برميل بارود لو فكرت الدولة العبرية في اقتحامه؟ وربما عدم رؤية البعض للسلاح الاستعراضي في الشوارع والطرقات دفعهم للقول: إن غزة قد نسيت المقاومة، وتخلت عنها، وصار مثلها مثل سلطة رام الله. كان قراراً حكيماً أن تغلق غزة أبواب بيتها، وتهجع للهدوء عند الثانية عشر ليلاً، وعلى كل صاحب فرح يريد الزيادة، والتوسع في الرقص حتى الصباح، ليفعل ذلك داخل بيته، وعند زوجته وأولاده وخاصته، ولا داعي لأن يفرض صوته الأجش، وألحانه الباهتة على كل المنطقة دون مراعاة مريض، أو انزعاج عجوز، أو مأتم عند الجيران، أو التقدير لحالة طلاب الثانوية العامة الذين كانوا يتقدمون للامتحانات تحت ضجيج ما يسمى أغاني ليلة الفرح التي تبثها مكبرات الصوت، فكم من طالب ثانوية عامة اضطر لترك بيته، والذهاب إلى بيت أحد الأقارب بعيداً عن حارة الفرح، كي يراجع دروسه قبل الامتحان. نحترم هذا القرار الذي تتشوق له المجتمع، ونطالب بصرامة التطبيق، ودون مهاودة، ونطالب بقرار مكمل له، قرار يمنع استخدام مكبرات الصوت في الأسواق، وفي المناسبات، وفي الشوارع، وفي الأعراس، مكبرات الصوت التي صارت تأخذ مكان البنادق الطائشة، حتى صارت مزعجة للنفوس، وتثير الحزن في القلوب.