قبل منتصف الليل بقليل، في الرابع عشر من نيسان 1912، وبعد أربعة أيام من رحلتها المنكوبة ارتطمت الباخرة العملاقة التيتانك بجبل جليدي، وبعد حدوث الإرتطام بساعتين وأربعين دقيقة غرقت وغرق معها 1517 من أصل 2223 من ركابهاً. التيتانك كان على متنها عرب، بعضهم غرق والبعض نجا ليخبر عما حدث، بالرغم من تعتيم وسائل الإعلام عن هوية أولئك الغرقى. منذ حوالي العشر سنين وقع في يدي كتاب باللغة العربية استعرته من إحدى المكتبات العامة، لم أعد أذكر عنوانه أو إسم مؤلفه، إنما قرأت فيه معلومات مثيرة عن عرب قضوا مع التيتانك في غرقها المروّع. ولقد ذهبت أكثر من مرة إلى نفس المكتبة، آخرها يوم أمس، بحثاً عن ذلك الكتاب لتوثيق المعلومات لكنني لم أعثر عليه، ولم يتمكن العاملون في المكتبة من مساعدتي لكثرة الكتب ولعدم معرفة العنوان. سأعتمد على ذاكرتي لنقل ما أنا متأكد من قراءته في ذلك الكتاب. وأرجو ممن لديه أية معلومات تتعلق بالموضوع أن يبادر إلى نشرها إنصافاً لأولئك الناطقين بالضاد الذين لاقوا مصيرهم بثبات أعصاب وجرأة كما ستقرؤون. كان من بين مسافري الدرجة الثالثة عرب من لبنان. أحد هؤلاء المسافرين كان ابناً لرجل أعمى ومقطوع اللسان؛ إذ كان الأمير بشير الشهابي قد أمر بقطع لسان والده وسَمْل عينيه إما للتآمر على الأمير أو لمؤازرة غريم له. وبحسب القصة كان الأمير بشير قد حذره وتوعّده، موضحاً له ما ستكون عاقبة تورّطه إن هو استمر في نشاطاته تلك، وقد نفذ الأمير وعيده فيما بعد. هذا الشاب (الذي كان على متن التيتانك) كان وسيماً، جريئاً، رخيم الصوت، ويجيد العزف على العود؛ وقد كان عودُه معه آنذاك. وما أن بدأت التيتانك بالغرق حتى صاح (إما الشاب نفسه أو شاب آخر) برفاقه من الرجال قائلاً لهم ما معناه (شدّوا الهمة يا شباب! عيب نموت بدون دبكة وأغاني!) وراح بكل جرأة يعزف على العود ويغني منتشياً ورفاقه من حوله يصفقون ويرقصون ويهزجون. هذا ما أخبر به من رآهم رأي العين في اللحظة الأخيرة قبل إنزاله من الباخرة الغارقة ووضعه في قارب نجاة. وقد ذكر الكاتب عبارة قوية بهذا الخصوص، أستميحكم عذراً لذكرها، هي (دعسوا رقبة الموت) رحمهم الله، وها نحن نتذكرهم بعد قرابة القرن من غوصتهم الأبدية والبطولية في قاع المحيط. والسلام عليكم