تروي الحلقة 25 من برنامج رجال حول الرسول على "العربية"، والذي يبث يوميا في رمضان الساعة 5:20 بتوقيت غرينتش، قصة حياة الصحابي عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه، والذي لعب دورا بارزا في تأسيس الاقتصاد الاسلامي وإطلاق أسواق تنهي احتكار اليهود للتجارة. الأسواقُ العامرةُ في المدينةِالمنورة، يُعود الفضلُ في بداياتها إلى بواكير المرحلةِ الأولى من الهجرة النبوية. فبعد وصولِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بدأ بإعادة تنظيمِ شؤونِها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وكان من المهامِّ العاجلة التي أمر بها عليه الصلاة والسلام، إنشاءُ سوق للمسلمين في المدينة. إذ كان اليهودُ قبل الهجرة يحتكرون التجارةَ فيها، ويسيطرون على معظمِ الموارد. وقد أرادَ الرسولُ صلى الله عليه وسلم إنهاءَ هذا الاحتكارِ والهيمنة، وتشجيعَ أثرياءِ المسلمين على مزاولة النشاط الاقتصادي. من أبرز المسلمين الذين كانَ لهم فضلٌ في إنشاء سوقٍ في المدينةالمنورة الصحابيُ الجليل عبدُ الرَّحمنِ بنُ عوف. ومَلَكَاته التجارية، لم تظهر في المدينة فحسب، بل كان له نشاطٌ تجاري كبير في مكةَ قبلَ الهجرة. كان عبدُ الرَّحمنِ بن عوف من أوائل الذين آمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم. وساهمت إمكاناتُه الماليةُ في مساندةِ الدعوةِ وفقراءِ المسلمين. من أهل الشورى ولد عبدُ الرحمن بن عوف، بعد عام الفيل بعشر سنين. وكان مرموقاً في قومه، يأتونه ويألفونه، وتاجراً ذا خُلُقٍ رفيع. وكما كان ابنُ عوف مرموقاً في الجاهلية، ظلت له مكانتُه في الإسلام. وأصبح من أهل الشورى. ساهم بثروته في مساندةِ الضعفاء، وأعتق كثيرا من الأرِقَّاء المستضعفين. وقَبْلَ هِجرتِه إلى الحبشة، ردَّ الأموالَ التي كان يتاجِرُ بها إلى أصحابها. بعد عودته من الحبشة، هاجر إلى المدينةالمنورة، وترك ثروتَه كلَّها في مكة. وفي المدينة، آخى النبيُّ صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعدِ بنِ الربيع الخزرجي. وقصتُه مشهورة في ذلك. فقد أراد سعدٌ أن يُؤثِرَه بنصفِ ماله، إلا أنه قابل هذا الكرم بعفةِ شديدة، وبدأ يعمل في التجارة. وكَوَّن خلال فترة قصيرة ثروةً واسعة. أنفق عبد الرحمن بن عوف كثيرا من أمواله في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في تجهيزِ الجيوش والمقاتلين، والإنفاق على فقراء المسلمين. شهد عبد الرحمن بن عوف معركةَ بدر. وفي يوم أُحد، كان من النفرِ القلائل الذين ثَبَتُوا مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وأُصيب يومذاك. نشر الإسلام وفي تأكيد لمكانتِه القيادية، أرسله الرسول صلى الله عليه وسلم على رأس بعثة إلى دومة الجندل. فسار إليهم ومكثَ ثلاثة أيام، انتهت بإسلام زعيمِهم الأَصبغ بنِ ثعلبةَ الكلبي، وأسلم معه كثيرٌ من قومه. في عهد أبي بكر وعمرَ رضي الله عنهما، شارك عبدُ الرحمن بن عوف في الفتوحات وله مقاماتٌ في الأمصار، ومن بينها مَقامُه في الأردن. وهو يقع قرب العاصمة عمان. وهذا الأثَرُ لعبدِ الرحمن بنِ عوف في الأردن، ليس ضريحا، وإنما تِذكاراً يُشير ربما إلى إقامته في هذه المنطقة، أو مرورِه منها، وهو في بلادِ الشام. عندما اغتيل عمر بن الخطاب، كان ابنُ عَوْف أحدَ الستة الذين اختارهم عمر، وهو على فراش الموت لخلافته، وارتضاه الصحابة حَكَماً بينهم لاختيار خليفةٍ لعمر. لما حضرته الوفاة أوصى بألفِ فرس وبخمسين ألف دينار في سبيل الله. وأوصى لكل رجلِ بَقِيَ من أهل بدر بأربعمائة دينار، وكانوا مائة. وترك لورثتِه تركةً كبيرة. توفي سنةَ إحدى وثلاثين أو اثنتين وثلاثين للهجرة، وهو ابنُ خمسٍ وسبعين سنة. وصلى عليه عثمانُ رضي الله عنهما، ودُفن في البقيع بالمدينةالمنورة.