منع من النشر في الصحف المحلية في البحرين بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الأنسان تقرير رصد بعض الإنتهاكات ضد المرأة في البحرين كثفت السلطات البحرينية من برنامجها في التسويق السياسي مستغلة المرأة من عدة جوانب واستخدامها كماكنة ترويج دون أن يتحقق قبال ذلك تطور حقيقي لوضع المرأة على مستوى الحقوق المدنية والسياسية والإقتصادية والاجتماعية والثقافية. ففي الوقت الذي تروج السلطات لمشاركة المرأة في الحياة السياسية وإبرازها كمؤشر للتقدم والإصلاح، فان ذلك في الواقع العملي يقتصر على توظيف عدد محدود جدا من النساء في وظائف عليا بناء على انتقاء سياسي وطائفي، وليس بتطوير النظام الوظيفي بحيث يوفر لعشرات الآلاف من النساء المؤهلات فرص الحصول على الوظائف العامة وفرص التطور الوظيفي دون تمييز على اساس الجنس او الانتماء العرقي او الطائفي. اما فيما يتعلق بالمشاركة في العملية الديمقراطية فإن السلطة تبالغ في تسويق برامج التدريب والدعم لعشرات من النساء ليخضن انتخابات المجالس البلدية والنيابية، في حين لا تتمتع تلك المجالس بسلطات حقيقية، ولا يعتبر دخول النساء او الرجال في تلك المجالس فرصا حقيقية لاتخاذ القرار الذي تسيطر عليه الفئة الحاكمة من خارج تلك المجالس.
ومن ناحية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية تعاني المرأة البحرينية من تدني في المستوى المعيشي، خصوصاً ذوي التعليم المتدني، أو المهن ذات المردود الإقتصادي المحدود، أو اولئك اللاتي لم يحظن بحماية مجتمعية ممنهجة ومصونة كالمطلقات والآرامل والمهجورات واليتامي، بحيث اضطر العديد منهن لإمتهان بيع أجسادهن عبر مهن الرذيلة التي تتم تحت نظر السلطات، كما لجأ عدد آخر منهن للعمل كخادمات في البيوت، وفتح الباب لأبناءهن وبناتهن للضياع. وقد شجعهن على هذه المسلكية انتشار تجارة الرقيق الأبيض الذي يتضح من خلال المتابعة تهاون السلطات الرسمية في القضاء عليه بشكل مدروس وجذري.
وفي الوقت الذي تعالت فيه الأصوات (والأصوات المضادة) لإستصدار قانون يحمي الأسرة والنساء الضعيفات (المطلقات والآرامل واليتامي) من حيف بعض افراد المجتمع ومن قضاة المحاكم الشرعية التي تغص بالفساد الإداري والمالي وسوء الادارة وضعف الكفاءة، تواصل السلطة بقيادة الديوان الملكي في استغلالها للملف لتحقيق أجندة سياسية، وورقة ضغط وابتزاز ضد القوى الدينية في البلاد، دون مراعاة تأثير التأخير والتلاعب بهذه الورقة على حياة المئات، بل الآلاف من النساء البحرينيات وأبناءهن وبناتهن. كما تقوم الفئة الحاكمة بتعيين القضاة في المحاكم الشرعية على اساس الولاء السياسي وليس على اساس الكفاءة والنزاهة.
وتلعب بعض مؤسسات المجتمع دوراً مهماً في الدفاع عن المرأة، ولكن قيود القوانين وممارسات التضييق من قبل السلطات يحد من تأثير هذه المؤسسات. ومما يزيد في غياب او ضعف مؤسسات المجتمع المدني المسقلة بروز مؤسسات حكومية بلباس مؤسساتي وغطاء رسمي ، وعلى رأسها المجلس الأعلى للمرأة، الذي يعتبر اداة دعائية سياسية للفئة الحاكمة ولزوجات كبار المسؤولين.
وتطالب لجنة العريضة النسائية السلطات البحرينية بالتوقف عن تسييس قضايا المرأة والتلاعب بحقوقها لتحقيق أجندة سياسية للنخبة الحاكمة، وعلى ضرورة تبني مواقف حقيقية وجادة في التعاطي مع حقوق المرأة كإنسانة ومواطنة لها كامل الحقوق وعليها كامل الواجبات، وما يستدعي ذلك من تذليل الصعوبات والعقبات المانعة من صيانة تلك الحقوق وفي مقدمتها الفراغ التشريعي المنقوص.
القضاء والقضاة والمحاكم
فحتى نهاية العام 2008م هناك حوالي 900 قضية طلاق عالقة في المحاكم الشرعية في حين كانت كانت حوالي 600 في العام 2001م (أي بزيادة ناهزت 50%) وبمعدل زيادة سنوية تقدر ب50 قضية. ويأتي هذا التدهور في أداء المحاكم بشكل أساسي ليس بسبب الفراغ التشريعي خاص بالأسرة فحسب، ولكن بسبب تدني مستوى أداء وكفاءة القضاة والأجهزة التنفيذية التابعة للمحاكم. فلا توجد معايير واضحة أو معروفة لإختيار القضاة- من النزاهة والعلم والتمكن والإستقلالية- غير ولائهم السياسي ونسبهم القبلي ودرجة خضوعهم لإرادة الديوان الملكي الذي يعنى بتعيينهم واختيارهم . ويخلو الجهاز القضائي من أداة رقابية تمنع تجاوز القضاة، كما تتسم المحاكم بالفساد الأخلاقي والإداري وخضوعها للإدارة والتوجيه من خارج حدود وزارة العدل، والتدخل المباشر في الأحكام وتنفيذها بما يحقق مكاسب شخصية. وقد عانت المرأة البحرينية بشكل كبير بسبب الفساد في الأجهزة القضائية والتلاعب في التشريعات الموجودة الأمر الذي كان سبباً رئيساًَ في تكوين لجنة العريضة النسائية، وقد تم توثيق العديد من الإنتهاكات والتجاوزات لتلك الأجهزة في كتاب الجلاد والضحية في المحاكم الشرعية، الذي صدر عن اللجنة. كما نتج عن العديد من الانشطة التي قامت بها اللجنة تنحية بعض القضاة الذين كانوا محل شبهة في بعض القضايا المشار لها في تلك الوثيقة. ولا زال الجهاز القضائي خالياً من معايير النزاهة والإستقلال بسبب فقدانه لأليات الرقابة ومعايير الأختيار والإستمرار في الجهاز القضائي، ناهيك عن خلو برامج جادة لتدريب وترقي القضاة في السلك نفسه بحسب المعايير الدولية المعروفة.
المرأة والوضع الإجتماعي: الرقيق الأبيض
برغم النداءات المختلفة وتحت عنوان تشجيع السياحة وفسح مجال للإستثمار، تغض السلطات الطرف عن الإنتهاكات الصارخة بحق المرأة من خلال السماح لإنتعاش مافيا سوق الرذيلة مستغلة الوضع الإقتصادي والحاجة المادية للمرأة. فيوجد في البحرين أكثر من 117 فندق و40 مبنى سياحي (حسب إحصاءات 2006) وشقق مفروشة تؤجر باليوم وبالساعة، حيث تعمل هذه الأماكن على توفير حلقات وصل وخلق أجواء الرذيلة المقننة من خلال صالات الرقص بوجود الفتيات "الفنانات" الراقصات بملابس عارية.وتشير التقارير الى أن 90% من أولئك "الفنانات" لم يمارسن الفن يوماً، بل تم استقدامهن للبلاد كنادلات، ولكنهن تم استدراجهن أو أغرين، من خلال خطة مسبقة ومحكمة، للعمل في الدعارة عبر عناوين "الرقص والفن" .
تجدر الإشارة الى أن بعض التقارير الدولية و الحديث الشعبي أدى الى مبادرات لغلق بعض تلك الصالات ومباغتات أمنية قامت بها سلطة الآداب لبعض الفنادق التي اشتهرت بشكل فاضح بتبنيها مهنة العهر وتوفير الرقيق الأبيض. وقد شملت تلك التحركات تقديم حوالي 190 متهماً ومتهمة للقضاء بتهم ممارسة وتسهيل وإدارة الدعارة، وإغلاق 3 فنادق و9 بنايات شقق مفروشة . وقد نتج عن ذلك احتجاجات برزت على صفحات الجرائد من قبل ملاك تلك الفنادق والقائمين عليها، أستطاعت أن تقبر ذلك التوجه وتعيقه. ويبدو أن مافيا الرقيق الأبيض على صلة وتواصل مع جهات متنفذة في أركان السلطة الأمر الذي يدلل عليه غلق هذا الباب في الإعلام، وتم فتح تلك الفنادق التي ثبت مخالفتها، ولا زالت تعمل في نفس المجال. الجانب الاخر في سوق الرقيق الأبيض هو الشقق المفروشة التي تتجاوز مبانيها أكثر من 60 مبنى يتم تأجيرها باليوم وبالساعة دون أدني رقابة أو حتى تصريح مسبق. وتقيم في هذه الشقق أغلب المقيمات بشكل غير قانوني (العاملات الهاربات من كفلائهن، أو من دخلن من خلال تأشيرات خاصة ببعض المناسبات مثل الفورميلا ون وغيرها ولم يغادرن البلاد بعد انتهاء تأشيرتهن بعد تلك الفعالية) في البلاد حيث يستقبلن طالبي "المتعة الجنسية" من خلال سماسرة يتواجدون في الفنادق وصالات الرقص المشار لها سابقاً. كما إن تلك الشقق مرتعاً وملجأ لللاتي قدمن للبحرين من خلال ما يعرف بال"فري فيزا" حيث يتم استقدامهن من قبل متنفذين في السلطة دون أن يكون هناك التزام بتوفير مهنة محددة أو مكان إقامة مع كفيلهن مقابل مبلغ شهري للكفيل يصل ل300 أو 400 دينار.
ويعمل في تلك الشقق بحرينيات بالغات تم استغلال حاجتهن المادية ووضعهن الإقتصادي خصوصاً المطلقات والآرامل والمسئولات عن أبناءهن القصر للعمل كعاهرات، حيث يشمل ذلك بحرينيات قاصرات تم استغلالهن أو استدراجهن لإمتهان المهنة - المدرة للاموال –كمومسات في هذه الشقق. تجدر الإشارة الى دراسة قامت بها جمعية البحرين لشباب حقوق الإنسان رصدت مواقع إلكترونية مختلفة تجاوز عددها 50 موقعاً تؤسس لتواصل مع عاهرات من جنسيات مختلفة تقطن البحرين، تجاوز عدد طالبي الدعارة ومن يعرضها في لحظة من اللحظات الى أكثر من 13,500 شخصاً في البحرين وحدها.
الجانب التشريعي والحماية القانونية
برغم تشدق السلطات بالسماح للمرأة في المشاركة السياسية، وهو حق أصيل للمرأة البحرينية كانسانة ومواطنة، لا يحق سلبه إبتداءاً، وبرغم من استعمال اسم "المرأة" لاستحصال المزيد من الإطراء على المستوى الدولي والإقليمي من خلال الإعلان عن وجود وزيرة في السلطة التنفيذية، وسفيرة في السلك الدبلوماسي، وقاضية في الجهاز القضائي. وبرغم الدعاية ونشاط الخارجية البحرينية للترويج بالتوقيع على اتفاقية مناهضة كل أشكال التمييز ضد المرأة "السيداو"، إلا إن الوضع الحقوقي للمرأة من ناحية تشريعية، ناهيك عن الممارسة، يلاقي تدنياً ملحوظاً برغم الدعوات والإنشطة المجتمعية النسوية وغيرها المطالبة بتحسين الوضع التشريعي للمرأة.
من القوانين التي تتطلع المرأة البحرينية لصدورها أو تعديلها بما يتناسب وحقوقها الإنسانية الاتي: 1. قانون الأسرة أو الأحوال الشخصية (تم اقرار الشق السني وترك الشق الشيعي فهو قانون غير دستوري لانه يستبعد نصف المواطنين من الحقوق ويساعد على إذكاء الحس الطائفي) يمثل هذا القانون ضرورة قصوى بعد ان ثبت للجميع القصور والتقصير والفساد الموجودين في المحاكم الشرعية والتلاعب الذي يمارسه قضاة العديد منهم من غير ذوي الكفاءة والنزاهة، لدرجة قيام بعضهم باستغلال القضايا الشرعية لتحقيق رغبات شخصية. لقد كثرت الدعوات لاصدار هذا القانون ومع القناعة الموجودة له، إلا إن السلطات الحاكمة استغلت تحفظات بعض القوى الدينية على بعض بنوده أو آلية إصداره أو ضمانات تعديله في المستقبل، لتستخدم الموضوع كسلاح مساومة لتحقيق مكتسبات سياسية للسلطة على حساب المتضررات من غيابه. تجدر الإشارة أن اصدار القانون مرت بفترات مد وجزر تحكمت فيه السلطات كلما رأت في ذلك وسيلة ضغط على القوى الدينية الموجودة في البلاد، كان آخرها شهر فبراير 2009م حين صدر قرار رسمي بإعادة سحب مسودة القانون بسبب ضغوط قوى مجتمعية ودينية وجاء نتيجة مداولات ومساومات لتحقيق مكتسبات سياسية على حساب حقوق المرأة. وكان للديوان الملكي الدور الرئيس في التلاعب بهذا الحق من خلال تواصله مع تلك القوى وتحكمه في عرض وتداول الموضوع اعلامياً ومؤسساتياً كلما دعت متطلبات الحاجة السياسية له.
2. تعديل قانون الجنسية (لم يتم اصدار مسودة)
ويحرم قانون الجنسية الحالي للعام 1963م أبناء البحرينية المتزوجة من أجنبي من حق الجنسية البحرينية حتى في حالة كون الزوج عديم الجنسية. وكان لهذا القانون آثار وخيمة على الأم البحرينية وعلى الأبناء- حتى القصر- الذين يعتبرهم القانون أجانب ويلزمهم بوجوب الكفيل القانوني واستحصال إجازة الإقامة وغيرها من الإلتزامات، كما يحرمهم من الحقوق الأخرى للمواطنين كحق السكن، وخدمة الصحة المجانية، وحق الحصول على التعليم المجاني والبعثات. وتزداد المعاناة سوءاً عندما تفترق الزوجة البحرينية عن زوجها في حال الترمل أو الطلاق أو الهجران، حيث تلزم الأم بتوفير الغطاء القانوني لحصول الإقامة القانونية وبقاء أولادها معها في البحرين على أعتبار أنهم غير بحرينيين. وفي الوقت الذي صدر قرار من رأس الدولة بمنح أبناء البحرينية المتزوجة من غيرالبحريني الجنسية البحرينية، إلا إن ذلك لا ينفي أهمية أن يتم تبني ذلك عبر القانون وليس من خلال المكرمات والتدخلات التي تهدف لتحقيق مكتسبات هنا أو هناك. وعليه فلابد من تغيير قانون الجنسية ليزيل هذا الإنتقاص من حق المرأة ويعزز مقامها ويحقق المساواة لها كمواطنة كأخيها الرجل.
3. قانون الحماية من العنف الاسري (لا يوجد قانون بهذا العنوان أو شبيهه):
حيث كثرت الحالات في القضاء والمحاكم من حالات الإعتداء على أفراد الأسرة من أحد أركانها- الأب، أو الأم أو الأولاد. ولسبب أو آخر، فإن هناك فراغاً قانونياً يحمي العائلة من تجبر أو غطرسة أو سوء تعامل الأب مع أفراد أسرته، ناهيك عن التحرشات الجنسية أو الإخلاقية على أحد أفراد الأسرة. وتسبب تلك الإعتداءات، دون وجود رادع أو عقاب، من رب الأسرة، لتخلف في عقله أو تجبراً، او انحرافاً في سلوكه، تفككاً للترابط الأسري ويعرض الأبناء، والأم في جوانب أخرى، للضغوط والأمراض النفسية والجسدية، إضافة لأنواع الإنحراف المجتمعية االمختلفة. 4. قانون الضمان والرعاية الإجتماية لذوي الإحتياجات الخاصة
نتيجة لتفكك الأسرة، بسبب الترمل أو الطلاق أو الهجران، فلا يوجد عناصر حماية مجتمعية تمنع من تصدع ذلك التفكك وترديه بحيث يصل لأوصال المجتمع الأخرى عبر الإنحرافات الأخلاقية والمهنية، وعبر الملسكيات المجتمعية الناتجة من عدم وجود الرعاية الابوية أو المرتبطة بالأم. ففي المجتمع المحلي، يقع الأعتماد بشكل كبير على الأب كممول إقتصادي وراعي للأسرة، وفي حال غيابه، لسبب أو أخر، يتأثر التمويل الإقتصادي للأسرة، كما يفتقد الأولاد والبنات دور الأب كمربي متفرغ لرعايتهم. وفي هذه الحالة، تضطر الأم للخروج من المنزل وامتهان عمل يأخذ جل وقتها من عائلتها، أو أن تتعرض للإستدراج والإنحراف وامتهان مهن لا أخلاقية – كالدعارة- للحصول على المال الوفير وبشكل سريع، لتلبية مطلبات عائلتها المادية.
من جانب آخر، وخصوصاً في حالات الطلاق، فإن المطلقة ترجع لبيت والدها، إذا وجد، وتترك بيت الزوجية الذي يظللها وأبناءها. وفي الحالات التي لا تجد المطلقة من مكان يؤويها وملاذاً لها ولأولادها، فإنه تسكن في الشارع، كما حدث للمواطنة صفية أحمد التي ظلت تعاني لخمسة أعوام بعد طلاقها وهي تبحث عن ملجأ وسكن، الى ان اضطرت للإعتصام مع ابنتها أمام وزارة الاسكان طلباً لشقة تؤويها. الخيار الآخر ان تسكن في غرفة أو ملحق كما حدث للسيدة "أم علي" المطلقة التي ظلت لأكثر من 8 سنوات في ملحق مع مع أبناءها الستة . من جانب آخر، فإن هناك فراغ تشريعي يتكفل بالنساء من ذوي الإحتياجات الخاصة، فبالإضافة لحرمانهن من حقهن في الزواج، بسبب العادات والقيود المجتمعية، فأن ذوي الإحتياجات الخاصة لا يلقين عناية من الدولة، من قبيل توفير العلاج الخاص والمناسب، وتسهيل الحصول على وظائف تتناسب وقدراتهن، مما يجعلهن يعشن العزلة.
ما لم تتعاطى السلطات بشكل جاد في مواجهة الرقيق الأبيض، فان معاناة المرأة في ازدياد، وهذا ما تعكسه حقيقة الأرقام المذهلة. ففي المحاولات الإبتدائية التي لم تتواصل بسبب تدخل المتنفذين والمستفيدين من وراء تجارة الرقيق الأبيض والدعارة، تم مواجهة التجار والمتهمين في جرائم بعضها مزدوجة (عهر وإقامة غير مشروعة واستغلال قاصرين) بأحكام خفيفة تتراوح بين حبس لمدة 6 أشهر وسنة. هذه الاحكام لا تعبر عن جدية، بل تواطء بين أولئك المجرمين بحق المرأة وبعض الشخصيات المتنفذة في السلطات.
المؤسسات النسوية
وفي الوقت الذي برزت عدة مؤسسات مجتمعية تعنى بالمرأة والطفل، إلا إنه وبسبب الحصار المقنن، صار دورها مقتصر على التعاطي الثقافي والإجتماعي والإعلامي دون القدرة على الدفع من أجل تحقيق مكتسبات للمرأة. فتلك الجمعيات ممنوعة- بحسب قانون الجمعيات لعام 1989م- من التعاطي مع قضايا الشأن العام فيما يعرفه المشرع البحريني بالسياسة بحسب المادة 18 من ذلك القانون المدان دولياً. الأمر الأخر المسبب لعجز تلك المؤسسات هو خلوها من الدعم المالي واللوجستي، مباشرة من خلال المؤسسة الرسمية أو من خلال برامج الدعم الدولي المعروفة. بل إن أي تعاطي من تلك المؤسسات المجتمعية مع أي مؤسسة دولية بقصد الحصول على الدعم أو ترسيخ العلاقات أو تبادل الخبرات أو التمثيل، دون إذن وزارة الشئون الأجتماعية، يعد مخالفة صريحة للقانون تعرض تلك المؤسسات للعقاب والحل. كما تفتقد تلك المؤسسات لوسائل التطوير الإداري والفني والتشريعي الممكن فقط من خلال برامج التدريب والورش، وهو أمر طبيعي بسبب عدم توافر الدعم المادي، المباشر وغير المباشر.
وتجدر الإشارة الى مؤسستين مهمتين في هذا الإطار:
الإتحاد النسائي- وهو مظلة لبعض الجمعيات النسوية في البحرين، والتي يحسب بعضها على جمعيات سياسية معروفة، ولا يمكن بحسب القانون أن تنضم أي امرأة بحرينية – مهما كان نشاطها وقدراتها- لهذا الإتحاد إلا عن طريق الإنضمام لتلك الجمعيات. وعليه فقد تم تضييق الخناق على هذه المؤسسة النخبوية لأن تمثل من جهة أكبر شريحة نسوية أو أن تلعب من جهة أخرى دور حقيقي ومؤثر لحماية وصيانة حقوق المرأة أو الدفاع عنها. وقد عملت السلطات البحرينية على تضييق مساحة التحرك لهذا الإتحاد بغض النظر عن جهود أفراده الممثلين لمؤسسات محدودة في المجتمع النسوي البحريني. وما لم يتم فتح هذا الإتحاد ليضم النساء بغض النظر عن انتماءها وايديولوجيتها، وتمويله بشكل كاف ليلعب دور أكثر فاعلية على مستوى الدعم المجتمعي والثقافي والرعاية للمرأة المنتهكة حقوقها، فإنه سيبقى جهازاً غير فعال أو قادر على تحقيق انجازات أو دفع ضرر يقع على المرأة، بل إنه سيضيف للمؤسسة الرسمية لون تحتاجه لتبييض سمعتها في الخارج.
أما المؤسسة الأخرى فهي المجلس الأعلى للمرأة- وهو من المؤسسات التي تستخدم كأداة تتحدث باسم المرأة، لتكون واجهة للترويج وماكنة تتلاعب باسم المرأة ومصلحتها من أجل تلميع صورة النظام على حساب المصلحة العليا للمرأة. وبحسب تكوين المجلس الأعلى للمرأة الذي نشأ في 22 أغسطس 2001 بموجب الأمر الأميري رقم (44) لسنة 2001، المعدل بموجب الأمر الأميري رقم (55) لسنة 2001 والأمر الأميري رقم 2 لسنة 2002 والأمر الملكي رقم (36) لسنة 2004 ، فهو مؤسسة رسمية وليست مجتمعية كما يراد لها أن تبدو. يتبع المجلس ملك البلاد وله شخصيته الاعتبارية ويعتبر المجلس- بحسب ما جاء في الأمر الأميري- المرجع لدى جميع الجهات الرسمية فيما يتعلق بشئون المرأة، ويختص في إبداء الرأي والبت في الأمور المرتبطة بمركز المرأة بصفة مباشرة أو غير مباشرة . تترأس المجلس الشيخة سبيكة إبراهيم الخليفة -حرم الملك- ويكون لها القرار في اختيار نائبتها. يتكون من عدد لا يقل عن 16 عضو من الشخصيات النسائية وتكون مدة عضويتهن ثلاث سنوات قابلة للتجديد، ويصدر أمر ملكي بتعيين أعضاء المجلس .
يتضح من تركيبة المجلس عبر دوراته المتكررة، وتكرار معظم الوجوه فيه، إنه يعتمد على سيطرة نساء الأسرة الحاكمة، وبعض النساء القبليات بالاضافة الى نساء الأسر الموالية في مقابل الحصول على المناصب والمصالح الذاتية. ويدار المجلس فعلياً من خلال لولوة العوضي - الأمين العام للمجلس بمرتبة وزير. ولضمان ولاءها، تم إصدار مرسوم يعفيها من إلتزام قانون المحاماة الذي يحظر على ممارسيها من تقمص موقع رسمي أثناء إدارتهم لمكاتب المحاماة الخاصة بهم. أما عن نائبة الرئيس فهي مريم حسن الخليفة – الرئيس السابق لجامعة البحرين- التي ساهمت بصورة مباشرة في طأفنة الجامعة وتكريس مبدأ التحزب والولاءات على حساب الأعراف المؤسسية في التعيينات والترقيات. من أعضاء المجلس أيضا، وصال الخليفة- زوجة خالد أحمد الخليفة -وزير الخارجية، وحصة الخليفة- زوجة عبدالله حمد الخليفة- ابن الملك ومحافظ المحافظة الجنوبية. وقد عملت بعض النساء ذوات النفوذ في المجلس على تحقيق مكاسب شخصية لها ولبقية أفراد عائلتها.
وبالرغم من مرور ثمان سنوات على تأسيس المجلس الأعلى للمرأة الذي أعلن أنه سوف يكون المدافع عن حقوق المرأة في البحرين، إلا ان الواقع يشير الى دور المجلس في التلاعب بثروات البلاد باسم المرأة من خلال الأنشطة والبرامج الترويجية له داخل البحرين وخارجها، ومن خلال التعيينات الديكورية في أجهزة المجلس والتي ثبت أنها مبنية على العلاقات الخاصة لبعض المسئولين والمسئولات في المجلس وعلى أسس الولاء القبلي والنفعي. كما لعب المجلس دوراً أساسي، برغم ادعاءه الدفاع عن حقوق المرأة، في مهمات الديوان الملكي في استخدام التشريعات الخاصة بالمرأة، خصوصاً قانوني الأسرة والجنسية، كورقة سياسية ضاغطة للحصول على مكتسبات سياسية.
تجدر الإشارة الى الدور المنوط للمجلس والذي تم ذكره في تقرير الدكتور صلاح البندر - المستشار السابق لحكومة البحرين- والذي ركز على التلاعب بأصوات الناخبين، بحيث نتج عنه وصول لطيفة القعود - مرشحة المجلس- بالتزكية ممثلة عن جزيرة حوار، وهي جزيرة غير آهلة بالسكان، ولا تمثل البحرينيات حيث أنها جاءت إثر توافقات لعب فيها الديوان الملكي والمجلس والأعلى للمرأة الدور البارز. ولعب المجلس دور آخر في تقرير البندر من خلال تكريس روح التآمر والطائفية ضد نساء البحرين، من خلال تحجيم مؤسسات المجتمع واحتواء بعضها واختراق الأخرى منها. وقد استعمل المجلس البعد المادي والإعلامي والسلطات المستمدة من الديوان لتحقيق ذلك.
المطالبات:
تعبر لجنة العريضة النسائية عن قلقهما للتدهور المقنن لحقوق المرأة على مر السنوات العشر الماضية، واكثر ما يسيئهما هو ان تكون المرأة ووضعها غير الحقيقي والواقعي جزء من الماكنة الإعلامية والتضليل عن حقيقة الوضع الحقوقي في البحرين. لقد عانت المرأة من خلال التضييق المجتمعي والتشريعي عبر السنين، وبدلاً من يتم تسخير جزء من موارد الدولة لتحسين وضعها الحقوقي والإقتصادي والإجتماعي، يتم التلاعب بحقوقها ومؤسساتها لتحقيق مكتسبات سياسية. وبالرغم من تنصيب بعض النسوة في مواقع قرار سياسي، إلا إن ذلك لم يكن تقديراً للمرأة البحرينية وقدراتها، بل ليكون جزءاً من الدعاية والماكنة الإعلامية، ويكفي أن يكون اختيار تلك النسوة مستند على الولاءات القبلية والطائفية ولشخصيات عرفت بولائها القديم للديوان الملكي. وعليه، فإن لجنة العريضة النسائية تطالب بما يلي: 1) التعامل مع المرأة في البحرين كإنسانة ومواطنة كاملة الحقوق والتوقف عن استعمالها كجزء من الماكنة الإعلامية وإلغاء المؤسسات العاملة في هذا الإتجاه وفي مقدمتها المجلس الاعلى للمرأة. 2) استصدار التشريعات اللازمة لصيانة حقوق المرأة ومن ضمنها: قانون للأحوال الشخصية لا يتعارض مع حرية الممارسة العقيدة الدينية ولكن يضمن حقوق المرأة وفقا للمعايير الدولية ويطبق على جميع المواطنين بما فيهم أفراد الأسرة الحاكمة ، وتعديل قانون الجنسية ليضمن حصول ابناء البحرينية على الجنسية، وايجاد قانون الحماية من العنف الأسري، وقانون الضمان الأجتماعي للمتضررات ولذوي الإحتياجات الخاصة، وقوانين ردع التمييز ضد المرأة واستغلال القصر وذوي الأوضاع الخاصة. 3) ايقاف التمييز ضد المرأة، سواء في العمل أو في المؤسسات الرسمية والتشريعية والمجتميعة. ويتطلب ذلك ايجاد آلية لتطبيق مواد اتفاقية السيداو وايقاف الترقي والتمايز على اسس طائفية وقبلية وولائية. 4) فسح المجال للمؤسسات النسوية المستقلة بمارسة نشاطها وتوفير الدعم المالي واللوجستي لها وإزالة جميع العراقيل المعيقة لدور فاعل ومستقل لتلك المؤسسات.