حكت نعيمة المراكشية فقالت: في أحد أيام ديسمبر... توصلنا بورقة صغيرة تدعونا فيها المعلمة اختيار توقيت يناسبنا ! و أسرع زوجي في الاتصال بالمديرة للاستطلاع اذا كان الأمر يتعلق باخلال بنظام المدرسة من طرف ابننا... و تبين فيما بعد أن الأمر يتعلق فقط بمناقشة نتائجه لم نكن نعلم بضرورة لقاء المدرسين بعد التوصل بالنتائج و تحت اصرار ابننا عمد زوجي الى اختيار توقيت يناسبه و امضاء الورقة كان ابني سعيدا بهذا الامضاء...و فى اليوم الموالي عاد الينا بورقة أخرى تؤكد الموعد و قام بتثبيتها بباب الثلاجة حتى لا ننسى. فى مساء يوم الخميس... نسي الزوج الموعد... و تذمر الابن...ولم أعلق! و اكتفى الزوج بالقول: أنها ليست نهاية العالم! وسوف أطلب موعدا آخر! أخبرابني المدرسة برغبة والده في موعد اخر...و عاد الى البيت يحمل ورقة بموعد جديد... و تم تثبيتها على باب الثلاجة! و فى مساء يوم الثلاتاء...نسي الزوج الموعد ...و عاد في المساء ليبرر ذلك بزحمة المواصلات! أخبرت زوجي بأنني سأتكلف بأمر مناقشة النتائج ... و أتصلت في اليوم الموالي بالأستاذة للاعتذار...و جاء ردها متفهما لما وقع و أنها على استعداد لمقابلتي بعد الساعة الرابعة... ترددت في طلب الطاكسى فهو مكلف و فكرت أن أوفر الدولارات التسع... و قررت أن أسير على قدمي... فالمسافة بين البيت و المدرسة ليست كبيرة و يمكن قطعها سيرا على الأقدام ثم تذكرت أنني لا أحب المشي في الثلج.. .وعندما تذكرت موعدي مع المدرسة اعتزمت المغامرة...كنت مدفوعة برغبة اتباث انضباط العرب لللمواعيد. لبست المعطف الطويل وحذاء الثلج و قفازيين غليظيين ووضعت قبعة صوفية فوق رأسي و وشاحا أسود حول عنقي و كان لا يظهر مني إلا وجهي كانت السيارت تمر وأحيانا يتطلع الى بعض السائقين ...كأنهم أدركوا أنني غريبة عن البلد ... فقد كنت وحيدة في الطريق! بدأت الثلوج تتساقط و بدأت الريح تهب و بدأت خطواتي تصغر... وأنا غير متعودة على المشي في الثلوج كما أنني لا أستطيع العودة للبيت لأنني لا أزال أتحمس لفكرة لقاء المدرسة... استمرت الثلوج في التساقط و كنت أحاول ازاحتها من فوق وجهي توقفت عن المسير و التفتت ورائي ... كان المنظر كله عبارة عن لوحة بيضاء...الا من بعض البيوت المدفونة في الثلج... تذكرتُ في تلك اللحظة مراكش وبيوت مراكش و نخيل مراكش و شمس مراكش.. سرت طويلا و رأيت آثار خطواتي عميقة على الثلوج ثم تابعت المسير... تعثرت و سقطت على ركبتي ...و رغم الألم الذي سرى فيهما ضحكت من منظري. كانت المسافة التي تفصلني عن مدرسة ابني ليست بالطويلة ، الا أنه كان عليَّ أن أقطعها وقدمايَ تغوصان في الثلوج... نتف الثلج ملئت وشاحي ووجهي و أضحت خطواتي ثقيلة لمحت المنتزه المحادي للمدرسة وراودتني فكرة تقصيرالطريق ...وقررت أن أجتازه لكي أصل المدرسة بسرعة بدأت أولى خطواتي ... و بدأت رجلاي تغوصان في الثلج... كان الثلج الى يساري و الثلج الى يميني و قررت الاستمرار تجمدت قدماي من البرد ورأيت أنفاسي تتحول بخارا و أخذت أسرع في الخطى ولكن رجلاي غاصتا في الثلج الى ركبتاي أردت أن أخلصهما فغاصتا أكثر حتى أحاط الثلج بجسمي لم يكن بامكانى طلب الاستغاثة لأنني كنت وحيدة في هذا البحر من الُثلج و راودني شعور بالخوف......وأنا أرى حبات الثلج البيضاء تهوي علي من كل صوب وتحاصرني .. أنه الخوف من الغرق في ا لثلج... وكنت أحاول ألا أغمض عيني لما سمعته عن الذين يتغلب عليهم النوم بسبب البرد فيموتون... بدأت أدعو الله أن يخرجني من هذا الموقف و فى نفس الوقت ألوم نفسي فلطالما أكد علي زوجي الاستماع لتوقعات الطقس قبل الخروج. لقد كان المكان خطيرا و كنت أحاول جاهدة أن أصل الى موقف السيارات كنت أرتجف من البرد ولعنت الثلج وخفق قلبي ودمعت عيناي .. فأنا لا أريد أن يقولوا في اذاعة CTV : عربية قتلها الثلج! هناك موتات أفضل! فكرت أن أعود من حيث أتيت ولكن الثلج أغلق علي كل السبل لم أعد أستطيع التقدم و لا العودة الى الوراء... تملكنى غضب كبيرفقد أرهقني المشي في الثلج الذي بدأت أغوص فيه الى خصري و شعرت بقوة داخلية تدفعني دفعا للخروج من الموقف تخلصت من الوشاح ومن القبعة و لجأت الى استعمال حقيبتي كجرافة تزيح الثلج من طريقي وكنت أمشي على أربع أحيانا وأزحف على بطني أحيانا أخرى وكنت أبدو كحيوان يزحف في الثلج... وأخيرا ترائى لي موقف السيارات فشعرت بالفرحة والسعادة... وفرحت أكثرعندما لمحت سيارة زوجي كان بالباب ينتظرني...كنت ألهت و كان التعب و الإعياء قد نال مني ... سألته ما الذي جاء بك؟؟ تطلع الي و قال : أعلنوا في الأخبار أن هناك عاصفة ثلجية فقررت أن ألحق بك..ما هذه الحالة وأين كنت كل هذا الوقت؟؟ تحاشيت النظر اليه و لم يفهم السبب حتى لايراني أحد في تلك الحالة .. طلبت منه أن نذهب غادرنا المكان و تركنا ورائنا جرافة تكنس الثلوج المتراكمة فى موقف السيارات! [email protected]