نشرت مجلة فورين بوليسي الأميركية تقريراً تحليلياً مطولاً تناولت من خلاله آخر مستجدات الأوضاع، وأبرزت حقيقة أن لبنان، الحليف السابق للولايات المتحدة في إطار جدول أعمال الحرية الخاص بالرئيس السابق جورج بوش، يتم إهماله الآن تحت مسمى "التواصل" مع سوريا، وأن النتائج المترتبة على ذلك قد تكون كارثية. وفي مستهل حديثها، علّقت المجلة الأميركية على تراجع رئيس الوزراء اللبناني الحالي، سعد الحريري، مؤخراً عن ادعائه بأن مسؤولين سوريين رفيعي المستوى قد أمروا بقتل والده، حيث قالت إن الحريري لم يغير رأيه بالطبع، بل جاء هذا التراجع العلني ليعكس اعترافاً من جانبه بعجزه الشخصي. وأوردت المجلة في هذا الجانب عن الحريري، قوله: "خلال فترة من الوقت، اتهمنا سوريا بالوقوف خلف عملية الاغتيال. وقد كان هذا اتهاماً سياسياً، وقد انتهى هذا الاتهام السياسي الآن". ثم مضت المجلة بعدها لتبرز حالة عدم الاستقرار التي يعيشها لبنان منذ العام 1975. وتابعت بقولها إن لبنان، أو القوى الديمقراطية على الأقل في البلاد، محتجزة الآن كرهائن. وليس هناك من أحد، بما في ذلك الولاياتالمتحدة، قادم لنجدتها. وعن الوضع الراهن في البلاد، قالت المجلة إن الوضع معقد بشكل لا يُصدق، كما هو الحال دائماً هناك. ودللت المجلة على ذلك بنتائج التحقيق في اغتيال الحريري، التي يرتقب الإعلان عنها عما قريب من جانب محكمة الأممالمتحدة، لاسيما في ظل ما يتردد عن احتمالية توجيه الاتهام إلى حزب الله وتحميله مسؤولية الاغتيال. ورأت "فورين بوليسي" أن التطور الذي جعل الحريري يتراجع بهذا الشكل هو تقارب المملكة العربية السعودية مع سوريا، حيث لم تكن الأمور بينهما على ما يرام منذ اغتيال الحريري. ولفتت المجلة في السياق ذاته إلى أن السعوديين يريدوا أن يُشرِكوا سوريا في الجهود الرامية إلى تشكيل حومة جديدة في بغداد وإجهاض طموحات إيران الساعية إلى لتثبيت نظام متوافق تهيمن عليه الشيعة. ولهذا السبب، قام الملك عبد الله بزيارة رفيعة المستوى إلى دمشق نهاية شهر آب/ أغسطس الماضي. وأوضحت الصحيفة هنا أن الحريري يعتمد في الوقت ذاته منذ مدة طويلة على السعوديين للحصول على الدعم. وأنه ( الحريري ) قد سافر الآن على مضض إلى دمشق لمقابلة الرئيس السوري بشار الأسد. ثم مضت المجلة بعدها لتبرز حالة التراجع التي بدأت تهيمن على السياسة التي كان يتبعها بوش في لبنان، في الوقت الذي بدأت تتضاءل فيه حماسة البيت الأبيض تجاه جدول أعمال الحرية في أعقاب الحرب التي نشبت عام 2006 بين حزب الله وإسرائيل، وهي الحرب التي زادت من تضاؤل نفوذ الإدارة الأميركية في المنطقة. وأردفت المجلة بالقول إن إدارة الرئيس باراك أوباما منحت كامل دعمها لحكومة لبنان المنتخبة ديمقراطياً، بل وأنهت أيضاً عزلة سوريا. ونقلت الصحيفة هنا عن دافيد سكينكر، المسؤول السابق في البنتاغون إبان حقبة الرئيس جورج بوش ويعمل حالياً في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، قوله :"لقد فشل أوباما في الضغط على سوريا لاحترام سيادة لبنان، ولم يفعل شيئاً يُذكر لوقف تدهور حكومة الحريري، وسمح لسوريا بالابتعاد عن التزاماتها تجاه البلاد". في حين قال مسؤول من وزارة الخارجية الأميركية على دراية بما يحدث في المنطقة إن إدارة الرئيس باراك أوباما اتبعت السياسة التي كان ينتهجها بوش بشكل وثيق للغاية في لبنان، وأضاف " لقد استخدمنا حوارنا مع سوريا لإقناعهم بما يقلقنا في جميع أنحاء المنطقة، بما في ذلك لبنان، والحكومة اللبنانية على دراية بذلك" وختمت المجلة بتأكيدها على أن كياناً ضعيفاً مثل لبنان يحتاج إلى اهتمام ورهافة من جانب الجهات الخارجية. وقالت إن واشنطن وباريس دفعا في لحظة نادرة من الوفاق عام 2005 من أجل تأسيس محكمة الحريري. وبعد أن بدأت تنحسر موجة الاتهامات إلى سوريا، أوضحت المجلة أن الأمل يكمن الآن في توجيه ضربة لسمعة حزب الله مع بدء الجولة الأولى من لائحة الاتهام. ورأت المجلة أن ذلك قد يحدث، وإن كان من الوارد أن تمنح لوائح الاتهام هذه إلى لبنان وسيلة لإنشاء هيمنة على الحكومة اللبنانية. وفي تلك الحالة، ستتسبب المحكمة في إضعاف السيادة التي كان يُهدف إلى تحصينها. وقالت المجلة إن الناظر إلى حالة لبنان، يكتشف أنه من الصعب بالنسبة للقوى الخارجية أن تُحًِّصن الدول الضعيفة وأنه من السهل إلحاق الضرر بها.