بقلم : د . كلوفيس مقصود ( عن جريدة الشروق المصرية ) غدا يستقبل الرئيس باراك أوباما رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو. تجىء هذه المقابلة وسط أوضاع إسرائيلية تتميز بتوترات داخلية بين نتنياهو وليبرمان الذى احتج على لقاء سرى تم بين وزير التجارة والصناعة الإسرائيلى بنيامين بن أليعازر ووزير خارجية تركيا أحمد داوود أوغلو. كما أن هناك توترا ما بين الرئيس الأمريكى ونتنياهو ينطوى على عتاب شديد أكثر مما ينطوى على غضب. فى هذا الجو من المتوقع أن يئول هذا إلى نوع من الاستقامة فى العلاقات بين الرئيس أوباما ونتنياهو، دون أن يعنى ذلك بقاء نوع من التشكيك المتبادل فى نوايا الواحد تجاه الآخر. ويبدو أن الاجتماع الذى حصل فى بروكسل بين الوزيرين التركى والإسرائيلى بطلب من الإدارة الأمريكية. لماذا كان هذا الطلب؟ الولاياتالمتحدة تحاول ألا تتفاقم العلاقات بين تركيا وإسرائيل لأن هذا من شأنه أن يعطل بعض مقومات الاستراتيجية الأمريكية فى منطقة الشرق الأوسط، الأمر الذى يعطى انطباعا سائدا بأن على إسرائيل تلبية بعض المطالب التركية التى تنطوى على اعتذار وتعويض واتخاذ مواقف جدية لتخفيف الحصار عن غزة الأمر الذى لم يُبت لغاية الآن. الأهم فى اللقاء بين أوباما ونتنياهو هو أن الرئيس أوباما يريد إزالة الاحتقان وتطبيع العلاقات التركية الإسرائيلية ولضمان ألا تتعثر العلاقات المصرية مع إسرائيل وألا تتعرض معاهدة السلام إلى أى اهتزاز أو تشكيك أو ما قد يتجاوز التشكيك. من هذا المنظور يتبين أن أى اختراق فى موضوع «المسيرة السلمية» واستئناف «المفاوضات» بين السلطة الوطنية وإسرائيل لن يتحقق لأن الإدارة الأمريكية لاتزال عاجزة عن انتزاع اعتراف من إسرائيل بأنها سلطة احتلال فى الأراضى الفلسطينية، وتعتبر العمليات الاستيطانية المتواصلة دليلا واضحا على أن إسرائيل تعمل جاهدة على إيجاد وقائع تؤكد ملكيتها للأراضى، وأنها تعلن أن الاستيطان سوف يستأنف بعد انقضاء العشرة أشهر. فى هذا الصدد إذا لم يتمكن الرئيس أوباما من حسم موضوع المستوطنات يطالب بتفكيكها وليس بتجميدها، فإن أى استئناف «للمفاوضات»، سوف يصبح عبئا كبيرا على السلطة بحيث تبدأ بخسارة شرعيتها فى تمثيل الشعب الفلسطينى، وبدون هذا الوضوح سوف تظل المسيرة السلمية اجترارا للتآكل الاستيطانى ولتهويد القدسالشرقية بدون أى رادع حقيقى مما يجعل خريطة الطريق طريقا بدون خريطة. إزاء هذه الأوضاع القائمة فى الحالة الفلسطينية وإزاء أيضا ما يواجهه الرئيس أوباما من أولويات داخلية متعددة مثل البطالة وسياسات الهجرة واستمرار الأزمات المالية وما يمكن أن تئول إليه الحالة الداخلية فى العراق، إضافة إلى التعثر الحاصل لحلف شمال الأطلسى فى أفغانستان، أعتقد أن كل هذه تجعل اتجاه الرئيس أوباما فى تسريع «حل الدولتين» فى المستقبل المنظور أمرا صعبا خاصة أنه لا يتوافر حاليا أية مساءلة ناهيك عن معاقبة إسرائيل، بمعنى آخر ليس هناك واقع عربى جاد على ردع التمادى الإسرائيلى فى خرق القرارات الدولية المنبثقة عن الأممالمتحدة من جهة والاستجابة لمطالب العديد من دول مجتمع العالم الامتثال بقيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة كاملة على أرضها وأجوائها ومياهها الإقليمية خاصة فى غزة. إزاء هذا الوضع وحيث إنه لا يوجد وضع عربى قادر على الردع كما لا يوجد استعداد آنٍ لقطع العلاقات الدبلوماسية القائمة بين الدولة المركزية الكبرى مصر وإسرائيل كما أنه ليس هناك استعداد لإعادة تطبيق قرارات المقاطعة الاقتصادية لإسرائيل فإن الرئيس أوباما يستطيع أن يقوم بتعديلات بسيطة حتى يتمكن من تسويق استمرار ما يسمى ب«المفاوضات» المباشرة وغير المباشرة، فإذا لم تكن هناك تكلفة عربية جدية فلا يمكن لنا أن نتوقع من الرئيس أوباما أكثر من تخفيف الاستشراس الإسرائيلى وليس سياسة اقتلاع الشراسة والعدوانية الإسرائيلية من فلسطينالمحتلة. أما إذا فوجئنا بقرارات عربية جادة تنطوى على قطع العلاقات مع إسرائيل عندئذ سوف يفشل اللوبى الإسرائيلى داخل الكونجرس الأمريكى بأنه مرشح للعجز فى تعطيل التزام الولاياتالمتحدة إنجاز صيغة «حل الدولتين» وأن ليس كل انتقاد لإسرائيل من قبل أى من الإدارة الأمريكية هو «ضغط» على إسرائيل أو تفكيك المستوطنات وعدم تهويد القدسالشرقية ليس «تهديدا وجوديا» لإسرائيل وأن هذه المحاولات التى يقوم بها الإعلام الإسرائيلى والصهيونى عالميا وداخليا فى الولاياتالمتحدة التى تحاول شل القناعة والإرادة الدولية هى بمثابة ابتزاز أصبح مفضوحا، ومحاولات الإعلام الإسرائيلى حذف كامل للوجدان العالمى الذى يعتبر أن ما تقوم به إسرائيل فى الأراضى الفلسطينيةالمحتلة غير أخلاقى وبالتالى يدان كما هو الحال الآن وصار لزاما أن يعاقب.