غالبا ما تتردد بين الناس عبارات وأحكام حول ضعف القدرة الشرائية في المغرب ووجود نسبة كبيرة من السكان تحت عتبة الفقر، لكن المتردد على الأسواق قبيل وبعد حلول شهر رمضان الأبرك يكاد يحكم بخلاف ما يتداول بين الناس وفي الصحافة الوطنية، فبالإضافة للأسواق المعهودة تم استحداث أسواق عشوائية موسمية ،كما تم الترامي على عدد من الشوارع والطرقات وتحويلها لى أسواق لعرض الفواكه الطازجة والجافة إضافة للخضر وأصناف الخبز والحليب ومشتقاته ....
إلا أن ارتفاع درجات الحرارة دفع بالناس بالمدن الكبرى للتسوق من الأسواق الممتازة بدل الأسواق العادية أو العشوائية التي يتم استحداثها خلال هذا الشهر الفضيل، فإذا كانت الحركة لا تذب في الأسواق العادية إلا بعد منتصف النهار فإن الأسواق الممتازة تفتح أبوابها منذ الصباح حتى ساعات متأخرة من الليل ويشتد الإقبال عليها وسط النهار إذ أصبح العديد من المتسوقين يفضلونها لكونها فضاءات منظمة وقاعات مكيفة وتجنب الزبناء من الطبقات الوسطى الصدامات وسماع الشجار والمخاصمات التي أصبحت تميز الأسواق المغربية قبيل الإفطار إضافة إلى أن الأثمان فيها خاضعة للعرض والطلب ،وغير معلنة للزبون. الزائر لهذه الأسواق يفاجأ بإقبال المغاربة على التسوق والتبضع بشكل يبدو غريبا ومخالفا لما يتداول عن ضعف القدرة الشرائية إذ يكثر الإقبال ويتزايد على منتوجات معينة وقد سهلت لهم الرأسمالية كل السبل ، فهنا صيحات عن تخفيضات مغرية وهناك تسهيل للقروض وتمت إقامة لمعارض تجارية ، ففي مدينة آسفي مثلا التي لم يكن فيها أي سوق ممتاز قبل أقل من عقد من الزمن أصبحت فيها الآن أسواق كثيرة : فما أن افتتح أول سوق ممتاز بالمدينة أسيما في أكتوبر 2004 وصادف افتتاحه مطلع شهر رمضان حتى حج السكان من كل حدب وصوب لرؤية هذا الفضاء الجديد ولا زالت ساكنة المدينة تتذكر واقعة الافتتاح وكيف استحال على العديد ولوج باحة هذا المولود الجديد ، ولم يتمكن رواده الأوائل من دخوله إلا بتدخل لقوات الأمن التي سهرت على تنظيم الدخول إضافة إلى الرجة الفكرية والثقافية التي أحدثها الافتتاح الذي غدا موضوع الحديث اليومي والحكايات التي رواها زوار الفضاء الأوائل عن التنظيم والشساعة والأثمان والنظافة حتى صوره الكثيرون في صورة الحوت الضخم الذي سيبتلع ويقضى على مفهوم الدكان التقليدي وقد خرج البعض يعلن احتجاجه ومساندته للتاجر الصغير (مول الحانوت) الذي صوِّر مهددا في رزقه ..وسيتكرر الموقف نفسه عند افتتاح مركز مرجان و عند افتتاح مركز (la bel vie) ... اليوم عندما يزور المرء هذه الأسواق الممتازة وغيرها يرى نساء ورجالا يحملون كميات كبيرة من التوابل والحليب ومشتقاته والفواكه والخضر ، ومنهم من يحمل أطقما للأواني من المقالي والكؤوس والطناجر .. وكأن هذه الأسر لم يكن لديها شيء من الآواني قبل رمضان ، الإقبال المتزايد على التبضع والسباق الماراطوني المحموم على الشراء وكأن الدنيا على شفير حرب نووية ، أو على شفير عاصفة ثلجية ستضرب المدينة وقد تستمر لشهور ،والناس يخافون من انتهاء المؤن. والغريب هو إقبال الناس على أصناف مألوفة وغير مألوفة ،تجعل المشاهد يتساءل لماذا يقبل عدد من الناس على شراء تلك الكميات الهائلة من المياه المعدنية والمشروبات الغازية وكأن لديهم دكاكين بقالة يريدون تصريف تلك البضائع من خلالها .وما أن ينتهي هذا التسابق المحموم في العشر الأوائل نحو المواد الغذائية والأواني حتى يتبعه تسابق آخر في العشر الأواخر نحو الملابس والإعداد لعيد الفطر ، لينطلق ماراطون آخر نحو الكتب المدرسية والدخول المدرسي ، ليبدأ المغاربة الاستعداد لعيد الأضحى وقضية الكبش ....ورغم كثرة التشكي فلا أحد من المغاربة يتخلف عن هذه المناسبات مما يطرح عدة أسئلة كيف يتمكن المغاربة من مجاراة كل هذه المناسبات المتلاحقة ؟؟ هذه الحملة الشرسة على التبضع تقدم صورة مغايرة عن المغرب ، الذي يوجد عدد كبير من سكانه تحت عتبة الفقر ، ويعجز عدد من سكانه في تأمين لقمة العيش لأسرته ، مما يستلزم معه القيام بدراسات علمية حول الاستهلاك بالمغرب ، والاستهلاك في رمضان خاصة ,