كان مستودع الأموات بالمركز الاستشفائي الإقليمي بالجديدة، استقبل، أواخر شهر غشت الماضي، جثة رجل، لقي حتفه في ظروف غامضة، بعد أن عثر عليها مواطنون في الساعات الأولى من صباح الاثنين، ملقاة على جنبات طريق ثانوية وغير معبدة، على بعد بعض بضعة كيلومترات من الطريق الوطنية رقم 1، بتراب دائرة أزمور.. وكانت الجثة مضرجة في بركة من الدماء، وبمحاذاتها سكين من الحجم المتوسط، تحمل أثار الدم. وفور إشعارها، انتقلت عناصر من الفرقة الترابية بمركز الدرك الملكي بأزمور، إلى مسرح النازلة، وباشرت المعاينة والتحريات الميدانية، وأبانت التحريات أن الضحية كان يحمل جرحا غائرا في أعلى فخده الأيسر، بواسطة سلاح أبيض، عثر عليه بجانب الجثة. ما رجح وقتها وبقوة، فرضية القتل بدافع الانتقام، جراء تصفية حسابات قديمة، وعداء كان يكنه له منذ زمن بعيد، بعض مروجي المخدرات بالمنطقة. ودخلت على الخط، الضابطة القضائية لدى المركز القضائي، النابع للقيادة الجهوية للدرك الملكي بالجديدة، والتي عمقت البحث، واستمعت إلى زوجة الهالك، والعشرات من سكان المنطقة، ما أفضى إلى نتائج عكسية. حيث أجمعت الشهادات التي استقاها المحققون أن الهالك المدعو (محمد ب.)، من مواليد 1979، متزوج وله 4 أبناء، ويتحدر من إحدى الدواوير بتراب جماعة اثنين شتوكة، كان توجه صباح يوم النازلة المأساوية، إلى السوق القروي الأسبوعي "اثنين اشتوكة"، على متن دابة (بغل)، وبعد التبضع واقتناء حاجياته الضرورية من لحم وخضر، ولى أدراجه من حيث أتى، غير أن رحلته لم تكتمل بسلامة، بعد أن سقط من فوق البغل، الذي تعثر عند إحدى المنحدرات، بسبب إصابة قديمة في قوائمه الأمامية، ما جعل الراكب يسقط على الأرض، مباشرة على وجهه وبطنه، وينغمس في أعلى فخده الأيسر، السكين الذي كان يتحوز به، ولا يفارقه، حسب شهادات زوجته وسكان الدوار، والذين تعرفوا عليه (السكين).
والمثير أن ثمة ضمن الشهود، الذين استدعتهم الضابطة القضائية للالتحاق بمقر المركز القضائي للدرك الملكي بالجديدة، شاهدا يدعى (مصطفى ح)، تغيب عن الحضور في الموعد المحدد، وحتى بعد مروره بحوالي أسبوعين، وعندما حضر، استفسره المحققون عن عدم امتثاله للاستدعاء الموجه إليه، فما كان منه إلا أن أطلعهم بتلقائية عن السر والسبب الحقيقي، والذي يكمن في تخوفه من اعتقاله والزج به في السجن، عقب اقترافه أخيرا سرقة موصوفة بالدوار الذي يقيم فيه. أمام هذه الاعترافات، انبهر المحققون، وربطوا لتوهم الاتصال بالوكيل العام لدى استئنافية الجديدة، الذي أعطى تعليماته النيابية، بتسلم مسطرة قضائية من لدن الفرقة الترابية بأزمور، كانت أنجزتها علاقة بنازلة السرقة الموصوفة، وقيدت الشكاية في حق مجهول، وأمرهم بمتابعة البحث وتعميقه مع الفاعل، ووضع الأخير تحت تدبير الحراسة النظرية.
وفي محضر استماعه القانوني، أقر المشتبه به بالسرقة التي نفذها بالكسر، واستهدف بها، صباح إحدى أيام رمضان الماضي (الجمعة)، "فيلا" بدوار كائن بتراب دائرة أزمور، تعود ملكيتها لرجل أمن متقاعد، يقيم بالتناوب بالدارالبيضاء، والديار الإيطالية. وجاء في اعترافاته التلقائية أنه تسلل إلى داخل المنزل، في غياب صاحبه، بعد أن تسلق السور المحيط بالبناية، وانتبه إلى عدم وجود كلب الحراسة الشرس، حيث التقط مقصا لقطع الورود، استعان به في فتح نافذة خشبية تطل على الخارج، رغم إحاطتها بشباك حديدي متين، على شكل شبكية مكونة من أشكال هندية ضيقة. ونظرا لنحافة ورشاقة بنيته الجسمانية، فقد تمكن من التسلل، عبر ثقب ضيق، إلى داخل "الفيلا"، وعمد إلى فتح باب غرفة النوم، بواسطة مفاتيح عثر عليها في كأس. واستولى من ثمة على مبلغ مالي قيمته 12000 درهم بالعملة المغربية، وآخر بالعملة الأجنبية (الأورو)، ودمليجين ذهبيين، وساعة يدوية، و4 خواتم ذهبية، وحزام نسائي من مهدن الفضة. وخرج من "الفيلا" كما ولج إليها. وعقب تنفيذه السرقة الموصوفة بالكسر، قام اللص بحفر حفرة صغيرة في فضاء بناية مهجورة، بجوار المسكن المستهدف، وخبأ فيها المسروقات، وغطاها بالتراب (...)، في انتظار أن تهدأ الأوضاع، ويتأكد من عدم الشك في شخصه، ومن ثمة، يشرع في الاستفادة من الغنيمة. فور علمه بالسرقة التي استهدفته، أخطر الشرطي المتقاعد المركز الترابي للدرك الملكي بأزمور، وانتقل المحققون إلى الدوار المعني بالتدخل، وباشروا المعاينة والتحريات الميدانية، ولم يستسيغوا كون لص يمكن أن يتسلل عبر ثقب ضيق بالنافذة، ما اعتبروه ضريا من الخيال، والتقطوا صورا لهذا الثقب بواسطة آلة فوتوغرافية رقمية، غير أنها (الصور) لم ترفق بالمسطرة القضائية، التي أحالتها الفرقة الترابية بأزمور، بأمر من الوكيل العام، على المركز القضائي بالجديدة، بعلة عدم الفلاح في تحميضها (!). واسترسالا في الاعترافات، أفاد المشتبه به أنه فور توصله باستدعاء الحضور إلى مقر المركز القضائي بالجديدة، ظن أن المحققين اعتدوا إليه، بصفته الفاعل، ومن ثمة، اعترف لوالده بما اقترفت يداه، وطلب منه الصفح عنه، والتوسط لدى صاحب "الفيلا"، قبل التحاقه بمصلحة الدرك. وفعلا، هذا ما حصل، حيث استرجع الضحية جميع ما سرق منه، باستثناء مبلغ مالي قدره 2500 درهما، كان اللص أنفقها على نفسه، واقتنى بها المخدرات والملابس، من السوق القروي الأسبوعي. ونظرا لطيبوبته، فإن الشرطي المتقاعد حرر تنازلا عن حقه في متابعة المشتبه به جنائيا، أدلى به الأخير عند مثوله أمام الضابطة القضائية. وأعاد اللص الموقوف تمثيل ووقائع السرقة الموصوفة، التي نفذها بالكسر، والتي استهدفت "فيلا" الشرطي المتقاعد. وجاءت مطابقة من الوجهة الواقعية، مع تصريحاته المضمنة في محضر استماعه لدى المركز القضائي. وفور استكمال إجراءات البحث والتحريات، أحالته الضابطة القضائية في حالة اعتقال، على الوكيل العام باستئنافية الجديدة، من أجل الأفعال المنسوبة إليه.