لقد اختص الله تبارك وتعالى هذه الأمة المحمدية على غيرها من الأمم بخصائص،وفضلها على غيرها من الأمم بأن أرسل إليها الرسل وأنزل لها الكتاب المبين كتاب الله العظيم ، كلام رب العالمين في ليلة مباركة هي خير الليالي،ليلة اختصها الله عز وجل من بين الليالي،ليلة العبادة فيها هي خير من عبادة ألف شهر،وهي ثلاث وثمانون سنة وأربعة أشهر .. ألا وهي ليلة القدر مبيناً لنا إياها في سورتين قال تعالى في سورة القدر :{ إنا أنزلناهُ في ليلةِ القدر *وما أدراكَ ما ليلةُ القدر * ليلةُ القدرِ خيرٌ من ألفِ شهر * تَنَزلُ الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كلِ أمر *سلامٌ هي حتى مطلع الفجر } وقال تعالى فيسورة الدخان :{ إنا أنزلناهُ في ليلةٍ مباركةٍ إنا كنا مُنذٍرين * فيها يُفرَقُ كلُ أمرٍ حكيم } و نحن من خلال تحقيقنا هذا سنحاول رصد ما يميز منطقة دكالة عبدة خلال هذه الليلة بطقوسها الدينية الرحبة الممزوجة بين إرث الماضي و نفحات الحاضر العطر و كذا ما يلوح خلفها من براثين الشياطين و السذج و الجاهلين كتتمة لما تم نشره في العدد السابق من رمضان بين الماضي و الحاضر نفحات ربانية و ليالي أنس و مودة. ليلة ليست ككل الليالي: تشكل ليلة القدر المباركة بالنسبة لكافة المغربة مناسبة مميزة لإحياء العديد من التقاليد والعادات والطقوس المتوارثة أبا عن جد و لا يمكن الانسلاخ عنها مادامت جزءا لا يتجزأ من ماضيهم و تاريخهم الحضاري،حيث تسود في أجواء ذات طابع روحي ذا صبغة متميزة عن باقي شعوب المغرب العربي و العالم العربي و الإسلامي بصفة عامة .فمع اقتراب الليلة المشهودة و بفارق أسبوع تقريبا تبدأ الاستعدادات الخاصة بها من اقتناء لمواد غذائية و زينة و عطر و بخور و فواكه جافة إلى عيرها من الضروريات، و بجهة دكالة عبدة كباقي جهات المملكة المغربية حيث يطغى الطابع البدوي الأصيل يلاحظ هذا الاستعداد من خلال الأسواق الأسبوعية التي تعج بالمتبضعين فتعرف بعض الأنواع التجارية حركية دؤوبة تنتعش معها تجارة موسمية خاصة من بيع البخور والشموع فضلا عن أنواع كثيرة من الحناء والسواك التي تستعمل للزينة في تلك الليلة التي تعد آخر احتفال روحي متميز قبل عيد الفطر.وتقبل الأسر المغربية على شراء ألبسة تقليدية جديدة وأنواع جيدة من البخور تليق بهذه الليلة المقدسة التي تعتبر من خير الليالي عند الله سبحانه وتعالى و التي تعد العبادة فيها خير من ألف شهر.فتلاحظ كافة الشوارع و الأزقة و قد غصت بطوابير الباعة المتجولين الذين يرفع عنهم الحجاب بهذه المناسبة من قبل السلطات المحلية بدعوى " العواشر " . ليلة روحية بامتياز: يحافظ سكان منطقة دكالة عبدة على مجموعة طقوس روحية واجتماعية متنوعة كمرافقة أبنائهم لهم للمساجد و هم مرتدين للزي التقليدي كما هو الحال بالنسبة لبعض الفتيات رفقة أمهاتهن بهدف تشجيعهم على الصلاة والعبادة،ففي هذه الليلة تعرف المساجد اكتظاظا لا نظير له حيث تقام مراسيم صلاة التراويح لتليها صلاة إتمام القرآن و بين الفينة و الأخرى تخصص فقرات للأذكار و الوعظ و الإرشاد، في الأوقات الذي يقدم فيه الناس بصنوف المأكولات من كسكس و شاي و فواكه جافة و فطائر و غيرها لمن يلزمون حصن المسجد و يستمر الوضع على هذا الحال إلى الساعات الأولى من فجر اليوم الموالي و العجيب في الأمر أن الكل ينتظر بروز حكمة هذه الليلة متطلعا إلى السماء تارة و أخرى في غفلة من منامه أو غفوته لعله يحقق ما يدور في ذهنه و باله من آمال و متمنيات قد تجلب له الرزق و الصحة و الخير و لأبنائه . عرائس ليلة القدر : لكن المتميز في هذه الليلة بعيدا عن الطقوس الروحانية و الصوفية داخل المساجد و الزوايا هو الاحتفال الذي يحض به الأطفال الصغار الذين كان أو ل يوم صوم لهم في حياتهم و الذي تقيم فيه الأسر الدكالية و العبدية خاصة في الأحياء الراقية لصغارهم هؤلاء احتفالات فخمة يحضرها الأقارب يكرمون فيها الصغار الذين صاموا لأول مرة أو أكبر عدد من أيام شهر رمضان الكريم كما تقيم أعراسا رمزية ترتدي الفتيات الأزياء التقليدية مثل "القفطان" و"الجلباب"،فيما الأسر العادية المنتمية للوسط الشعبي فطقوسها في هذا الباب لا تختلف عن الأخرى حيث تسعى بكل ما تملك من إدخال الفرحة إلى قلوب الفتيات الصغار من خلال تزيينهن على الطريقة التقليدية ليبدين كعرائس في عمر الزهورحيث يكون ليلتها بطريق مولاي بوشعيب مثلا بآزمور أو قرب السوق المركزي بالجديدة أو بسيدي بوالذهب بآسفي إقبال كبيرعلى النقش بالحناء للفتيات في تلك الليلة المباركة،إضافة إلى رواج تصوير الفتيات في أجواء فلكلورية للاحتفاظ بها للذكرى. وتعتبر عادة الاحتفال بالصوم الأول للأطفال بدكالة و عبدة خاصة يوم السادس و العشرين من رمضان ذا نكهة خاصة و ذاكرة تظل موشومة في أذهانهم،حيث يعدالاحتفالبهذا اليوم من مظاهر العادات التقليدية المغربية التي تتجسد فيها معالم الحضاراتالسابق ذكرها،حيث تشكل محطة أساسية للأسر المغربية داخل هذا شهر والتي تعمل منخلال هذا التقليد على تكريس الانتماء الديني للطفل المغربي المسلم . فبالنسبة للفتاة خلال هذا اليوم التاريخي فإنها تحضى بهالة من الاحترام و التقدير و الدلال من قبل والديها اللذين يسعيان لإرضائها بشتى الوسائل، حيث تبدأ انطلاقا من لحظة الإعلان عن الفطور والتي تكون لحظة غير عادية للطفلة التي تمتزج روحها بلحظات تعبد لله؛ حيث تحرصالأسرة على أن يكون أول ما تتذوقه الفتاة في هذا اليوم سبع تمرات وكوبا منالحليب البارد،فيما أسر أخرى تحرص أن يكون أول الفطور بيضةمسلوقة في سطح البيت على أن تكون عيناها معصوبتين نحو السماء، بعد ذلك تبدأ عملية ما يسمى ب" التنكاف"ترتدي فيها لفتاة أزهى لباس تقليدي و غالبا ما يكون قفطانا من قطعة واحدة أو تكشيطة تتكون من " دفينة و تحتية "و تزين من أعلى رأسها لأخمص قدميها من تاج مرصع بحلي مذهبة و دمالج و أقراط و عقيق و شربيل مرصع هو الآخر و... كأنها عروس على أهبة زفافها،لياتي دور النقاشة التي تكون إما فردا من العائلة أو إحدى صديقات العائلة أو فتاة يتم استقدامها لهذا الغرض بالمقابل و التي تقوم بوضع نقوش مزركشة بالحناء على الأيدي،وتجمع حولهاالأسرة بعد إعدادها لأطباق مغربية تقليدية خاصة تحضر عادة في رمضان وتشمل الشباكيةأو المخرقة والسفوف ليشارك في هذا الاحتفال صديقات للطفلة الصائمة وبعض من نساءالحي.في الوقت الذي تعتلي فيه الفتاة مكانا وسط بهو المنزل.أما فيما يخص الطقوس التي تتخلل الصيام الأول للفتى فهي الأخرى لا تخرج عن العادات المغربية بصفة عامة شأن الفتاة مع خاصيات متميزة كإهدائه هدايا من قبيل ألبسة تقليدية كالجلباب و السلهام و البلغة و السروال الفضاف " قندريسي " تشجيعا له على انتصاره على شهوة البطن،عادات وتقاليد وطقوس احتفالية أعطت للمغاربة أسلوبا متميزا فيالتنشئة الدينية للأطفال من حيث إدماجهم في المنظومة الإسلامية، ودخولهم الدينالإسلامي من بابه الواسع، من باب الصيام الذي هو لله تعالى. شياطين ليلة القدر : و إذا كانت ليلة القدر بكل طقوسها الاحتفالية الروحية المندمجة ما بين الأصيل و المعاصر فتمة فئة من النساء يستغلن هذه الليلة للفحشاء و الرذيلة و الممارسات الشيطانية من خلال إعداد أعمال السحر و الشعوذة و ذلك من خلال ما نلاحظه من إقبال على باعة هذه المواد من عطارين و دكاكين خاصة بدعوى أنه مناسبة لتطويع الأزواج و امتلاك قلوب أزواجهم أو إحضاره إن كان غائبا، و بجهة دكالة عبدة هناك أضرحة قد اشتهرت بهذه الطقوس الشيطانية كللايطو و هو فضاء شبه منعزل عن الحضارة وسط أعشاب و شجيرات طفيلية جعلته فضاء لممارسة كل ما لا يمكن أن يخطر على بال ، فكل من ترغب في القيام بعمل لزوجها أو عشيقها عليها أن تحضر قطعة قماش أبيض من نوع " حياتي " لم يمسسه مقص و عليه مخلفات القمة الحميمية التي تجمع الرجل بالمرأة على سرير النوم ، ثم تقوم بشراء شمعتين لتقدمهم لإحدى سيدات الضريح حيث تقوم هذه الأخيرة بإعداد مستلزمات الطبخة من قماش أبيض و شمع و بعض الأعشاب فقوم بدقهم ثم تمريرهم على حجر الراغبة في العمل السحري مرفوقة بكلمات مبهمة ليتم إيداعهم بعد ذلك في فرن في إحدى زوايا الضريح ، و حسب الاعتقاد أنه باختراق القماش و ما يحتويه تزيد لهفة المعمول له و حرقته للقاء السريع بمحبوبته فيهب إليها مسرعا غير مبال بأي شيء آخر ، و بذلك تكون للا إيطو اليوم ضمن المتخيل الشعبي من الأضرحة التي كلما ذكر اسمها إلا و ذكر معه السحر و المكر و كل الصفات المخلة بالحياء، الشيء الذي يجعل أبناء الدواوير المحادية له من إضرام النار في عدد من إطارات العجلات و ذلك لإبطال مفعول ما يقمن به السيدات الوافدات على هذا المكان اللواتي من المفروض عليهن استثمار هذه الليلة المعظمة في الاستغفار و الذكر و الدعاء و طلب العفو و القيام و الخشوع فإنهن يحولنها في خدمة الشياطين باسالب المكر و الخدعة و التحكم في أقدار الناس.و الغريب في الأمر أن بعض العطارين يساهمن بقدر كبير في هذه العملية بإعداد وصفات جاهزة للبيع من قبيل الذبابة الهندية و لسان الحمار و رأس الضبع و بيض الحرباء و أظافر الهدهد ممايشكل له مدا خيل مادية مرتفعة خلال العشر الأواخر من رمضان تفوق ما يحصله في شهورعدة الشيء الذي يخلق لدى متناولي هذه المواد من اضطرابات صحية مزمنة قد تؤدي بالبعض إلى الوفاة أو الانزواء في البيت لا يقوى على الوقوف أو فعل شيء باعتبار تلك المواد سموم قاتلة، فيما هناك نساء أخريات يعمدن إلى إطلاق روائح البخور الزكية مثل الجاوي والعود القماري. كما تشعل الشموعالملونة خاصة السوداء في غرف منزلها حتى وإن لم تكن متواجدة فيه، اعتقادا منها أنالأرواح تنزلليلةالقدر، والمفروض أن تجدالمكان منارا ومعطرا بالروائح الطيبة التي تطرد الشياطين الذين يصفدون في رمضان،ويطلقون فيليلةالقدرحسب الاعتقاد الشائع،وذلك حتى تمر السنة إلى غاية حلولليلةالقدر. شبه خاتمة : لتبقى لجهة دكالة عبدة ميزة عن باقي جهات المملكة للشعبية و البساطة التي تطبع أهلها فيب الاحتفال بهذه الليلة المباركة و التي تغتنمها في زيارة الأهل و الأحباب و صلة الرحم و السعي للصلح بين المتخاصمين حتى يهل هلال شوال و كل القلوب واحدة فالليلة واحدة و الهدف منها واحد و الاختلاف في ما يتوفر عليه كل بيت من مؤهلات وظروف عيش و خلاصة القول أن كثير من البيوت حينما تقبل العشر الأواخر من رمضان يستوليعليها الاستعداد للعيد باللباس وغير ذلك فيكون البيت في حالة استنفار للاستعداد, والتجمل بالمباح مشروع في العيد لكن هلّا حُركت همم هؤلاء حول تلك المناسبة العظيمةوهيليلةالقدر للاستعدادلها وتحريها وبيان عظم أجر من أدركها, ومن ثم هل أرشدت من تحت يديك وأعلمتهم بأناللباس نعمة من نعم الله تعالى فيجب أن لا يعصى فيه فلا تكون فيه مخالفة لأحكامالشرع"اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني".