لما نتحدث عن بهيجة شفاري، فنحن بصدد مسيرة متميزة لامرأة في القضاء المغربي، تقلبت في العديد من المناصب والمسؤوليات، وأكدت فعلا أنه لم يكن عبثا أن تقارب بلادنا النوع في مجال حساس ظل ولسنين طويلة حكرا على الرجال، وقادها عطاؤها بمحاكم الجديدة أن تظفر بقلادة أول قاضية للتحقيق لدى محاكم الاستئناف ببلادنا، ولم يكن صدفة أن تترأس غرفة الجنايات باستئنافية الجديدة، ونجحت في أن تبطل مقولة " أحكام النساء رحيمة"، بل كانت أحكامها في العديد من القضايا بالأقصى، في المسار نفسه للمرحوم نورالدين فايزي، توخت منها تحقيق الردعين الخاص والعام، للحفاظ على قيم المجتمع وتوازنه، بل هي رئيسة غرفة الجنايات التي سجل لها تاريخ القضاء المغربي، تكييف جريمة اعتداء بيدوفيل الجديدة إلى جريمة الاتجار بالبشر وعاقبته بعشرين سنة . أطلقت بهيجة شفاري التي تواصل حاليا مشوارها مستشارة بمحكمة الاستئناف بالدارالبيضاء، صرختها الأولى بالجديدة وفي ذلك توضح " في 1961 ولدت في درب غلف حي عريق بعاصمة دكالة، من والدين يتحدران أصلا من منطقة بني هلال فرع أصيل من القبائل العربية العاربة، كان والدي رحمة الله عليه جنديا يحب الانضباط، أنا اليوم زوجة محام وأم لمحامية متمرنة وباحثة في سلك الدكتوراه ولمهندس دولة في الهندسة المدنية ". تتذكر بهيجة شفاري مشوارها الدراسي بكل فخر وحنين وعنه تقول " وطأت قدماي أول مرة التعليم لما سجلني والدي بالمدرسة الابتدائية للا أمينة بدرب الحجار، وبعد نيلي شهادة الدروس الابتدائية التحقت بإعدادية لالة مريم ومنها إلى ثانوية ابن خلدون، ذلك المشتل الذي أنبت أطرا وكفاءات عالية تولت مناصب مهمة ببلادنا، وتابعت بها دراستي في شعبة الآداب العصرية حتى نيلي شهادة الباكالوريا ". لم تواجه الطالبة بهيجة آنذاك محنة التردد واختيار المسار الجامعي، وتوضح في هذا الصدد" لما أحرزت الباكالوريا عقدت العزم على متابعة دراستي الجامعية بكلية الحقوق بالدارالبيضاء، أولا لتحقيق قناعة شخصية، فقد كنت دائما أقدم نفسي قاضية بين زميلاتي الصغيرات في الدراسة وأحلم أن أكون كذلك، وأيضا اقتداء بشقيقي المصطفى شفاري المحامي بالجديدة ". بداية لبست بهيجة بذلة المحاماة بعد قضائها سنتين، متمرنة بمكتب شقيقها، وما أن حصلت على شهادة الأهلية وأدت القسم حتى انعطف مسارها المهني إلى حيث تفصل في ذلك " وأنا أستعد لفتح مكتبي، تقدمت لاجتياز مباراة ولوج المعهد العالي للقضاء، وحالفني النجاح بامتياز وتحقق الحلم الذي لازمني في طفولتي، فكنت ضمن الفوج 19 المتخرج سنة 1992 ". عن مسارها قاضية فهي تتذكره بكل تفاصيله " عينت أول مرة نائبة لوكيل الملك بالجديدة، وفي 1993 ترأست غرفة نزاعات الشغل، في حمأة غليان نقابي وإضرابات طرد عمال معمل النسيج " سكيم " أحد أبرز المعامل ببلادنا، ونجحت بعون من الله في نزع فتيل هذا النزاع الاجتماعي بأحكام صانت حقوق العمال واستقرارهم الاجتماعي، بعد ذلك تقلبت في عدة مناصب، منها مستشارة بغرفة الجنحي التلبسي والجنحي سيرباستئنافية الجديدة، ثم مستشارة بالغرفة الجنحية التلبسية والعادية والجنحي سير استئنافي، والتي أسندت لي رئاستها من طرف مصطفى أيت الحلوي الرئيس الأول آنذاك، ولما كانت محكمة الاستئناف بحاجة إلى غرفة ثالثة للتحقيق، أسندت لي رئاستها بإصدار مرسوم وزاري قضى لأول مرة في تاريخ القضاء ببلادنا، بأن أكون أول أمرأة تترأس قضاء التحقيق". فندت القاضية شفاري وهي تترأس غرفة الجنايات الابتدائية بالجديدة، ذلك الاعتقاد الراسخ بأن أحكام القاضيات في أغلبها شفقة ورحمة، بل إن سكان دكالة اعتبروها امتدادا لنورالدين فايزي في مواصلة ردع الخارجين عن القانون وهي تفسر ذلك "وضع القانون لصون قيم المجتمع وسكينته والتصدي لكل أشكال الجريمة الماسة بسلامة الأفراد وما يملكون، ومن هذا التوجه كنت أحرص في معاقبة الضالعين في جرائم متعددة، على أن تكون الأحكام رادعة، وأيضا يكون لها رجع صدى قوي، يمكن من تراجع منحنى الفعل الجرمي بكل ربوع دكالة، وفي هذا الصدد أصدرت أحكاما بمدد حبسية طويلة، وأحتفظ بذلك الحكم القوي قبل سنة، لما عاقبت بيدوفيل الجديدة بعشرين سنة سجنا نافذا، إعمالا لفصول متابعة تتعلق بالاتجار بالبشر ولأول مرة في قضية كان فيها الضحايا أطفالا قاصرين، فضلا عن عدة أحكام في قضايا سرقات موصوفة واعتداءات جنسية، بلغت ثماني سنوات سجنا لمغتصب في أرذل العمر، وأعتقد أن سكينة المجتمع أبدا لا تتحقق إلا بأحكام تراعى فيها أولا وأخيرا حقوق الضحايا، قبل القول بظروف التخفيف في حق الجناة".