غالبا ما يتم التركيز على الجانب القانوني في إصلاح الأسرة، وينظر إلى الاختلالات الاجتماعية التي واكبت مدونة 2004 أنها مشاكل تشريعية محضة، فيتم اغفال دور الاقتصاد والتعليم والسياسة. كما أن النظام السياسي يعزل النقاش العمومي حول المدونة عن حالة التنمية ومستوى التعلم وحجم وفعالية مؤسسات التضامن والرعاية ومنسوب الديمقراطية، كما يعزل مدونة الأسرة عن باقي المدونات التشريعية الأخرى. لهذا الذين يودون التقدم بالمجتمع إلى الأمام يرون أن القانون والتعليم والاقتصاد كلها مداخل يمكن أن تساهم في تنمية المجتمع، بينما الذين يودون الحفاظ على الشكل الحالي للمجتمع أو الرجوع به إلى الوراء يعزلون الإصلاح القانوني عن التعليم والاقتصاد، أو هم بطريقة غير واعية يرون أن التنمية أمراً مختلفاً عما نظرت له العلوم الاجتماعية، يعزلون الاحتكام لقوانين الدين عن الاقتصاد وتقدم المجتمع، وأن التشريعات الإسلامية هي من يمكن أن تساهم في تقدم المجتمع وأن شروط النهضة العربية مرتبطة بسؤال "لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم". في حين أن القانون والتعليم والاقتصاد كلها مداخل متكاملة لتطور المجتمعات، وأن تقدم المجتمعات يكون في تحقيق مزيد من الحريات العامة والشخصية، وأن التنمية بتعبير أمارتيا سين حرية. يتم تفسير كثرة حالات الطلاق التي وقعت بعد مدونة 2004 في الزيادة التي عرفتها حرية المرأة، ولحل مشكلة الطلاق يجب الحجر على المرأة من جديد ومنعها من حقها في طلب الطلاق والولاية. لكن إذا ما رجعنا إلى الحالة الأولى ومنعنا المرأة من الحق في الطلاق فإنه بذلك لم نتمكن من معالجة وضعية المرأة، بل نكون قد كرسنا مزيداً من الخضوع ومارسنا مزيداً من القمع على المرأة، وقمنا بالتستر على حالات العنف الزوجي والظلم الذي يمارسه المجتمع. من خلال نظرة المجتمعات الحديثة فإن الطلاق هو حرية للمرأة، وهو خروج من استبداد الزوج ومن ذكورية المجتمع، به نساهم في تحرير المرأة وخلق حالة التنمية والاستقلال وعدم التبعية، وأنهم كلما كثرة نسب الطلاق إلا وكان المجتمع أكثر تحرراً. إلا أن ارتفاع حالات الطلاق يضعنا في نقاش جديد يتعلق بظهور أنماط جديدة من الأسر لم تكن موجودة، وهي أسر بأم وأبناء دون وجود الأب. لكن هذا النمط الجديد من الأسر يتم اتهامه من طرف المحافظين أنه لا يضمن استقرار الأسرة ولا يوفر الجانب العاطفي والتوازن النفسي للأبناء. إذن التفكير في الطلاق بأنه مشكلة وليس حرية سيرجعنا إلى وضعية المرأة التقليدية ويحفظ لنا نمط الأسرة الأبوية ويمنعنا في التفكير في مداخل أخرى لإصلاح المشاكل المترتبة على الطلاق، فنختزل كل النقاش في مقولة " كم حاجة قضيناها بتركها". لا تستطيع الأم التي لا تعمل توفير القوت اليومي للأطفال، كما لا يستطيع الأب العاطل عن العمل توفير مصاريف النفقة بعد الطلاق لهذا يفضل السجن. إن انخفاض المستوى المعيشي للأسرة المغربية عموماً، وانخفاض مستوى الدخل الفردي وغياب فرص الشغل وضعف التنمية، أو أن فرص الشغل المتوفرة للمرأة فرص هشة، حيث تعمل المرأة في الغالب في قطاع الزراعة لكن دون عقد أو ضمان اجتماعي، كل هذا ساهم في هشاشة الأسرة المغربية وأفقدها تماسكها. أيضاً يتم اختصار حل زواج القاصرات في البعد القانوني لوحده في اغفال للبعد الاقتصادي والتعليمي. إذا كان الزواج المبكر يحرم الفتاة من فرصة التعلم وتحقيق الذات وخلق التنمية. فإن زواج القاصرات في المغرب حسب رئاسة النيابة العامة؛ 86 في المئة منه يتم بعد الانقطاع عن الدراسة، وأغلب الفتيات انقطعن في مرحلة الابتدائي، وأكثر من 13 في المئة منهن لم يلتحقن بالمدرسة. فالذي يسمح بانتشار زواج القاصرات هو فشل المدرسة في ادماج الإناث وفي محاربة الهدر المدرسي، وأن فشل التعليم هو ما يجعل الفتاة تبحث عن بديل إما الزواج المبكر أو العمل في المنازل والحقول. بالإضافة لضعف المستوى المعيشي لدى أسر البوادي مما يجعلهم يبحثون عن موارد أخرى فيقومون بتشغيل أبنائهم في سن مبكرة. لا يتم دائماً حل مشاكل المجتمع بالتشريعات القانونية، وإن كان المطلوب تجديد القوانين من أجل الدفع في اتجاه مزيد من الحرية، فإن الاقتصاد والتعليم والسياسية يجب أن تواكب تقدم تلك القوانين وإلا كانت مجرد حبراً على ورق. لقد اتخذ النقاش العمومي حول إصلاح مدونة الأسرة نقاشاً نصوصياً بين مرجعتين، مرجعية حداثية تنهل من نصوص القوانين والمواثيق الدولية، ومرجية محافظة تنهل من النصوص الدينية، في حين تم إغفال المؤشرات الاجتماعية ودور الاقتصاد وتأثير التحديث والقيم الكونية على القيم المحلية وحجم التغير الاجتماعي. لهذا ينطلق البحث السوسيولوجي من الواقع المتمثل في المؤشرات والمتغيرات السياقية ليقدم قراءة موضوعية في إمكانية تحقيق مزيد من الحريات الشخصية وإمكانية تجاوز الروابط التقليدية لصالح روابط حديثة، وذلك في البحث إلى حجم التغير الذي فرضه التحديث الاقتصادي والتنمية، وما يمكن أن يسمح به من مساواة وفردانية، فيتم تكييف القوانين مع المتغيرات الجديدة الاقتصادية والاجتماعية دون احداث أي اختلالات جانبية، ثم مراعاة الشكل النسقي لتداخل المجالات وتأثيرها على بعضها البعض، كما يسمح البحث السوسيولوجي بفهم الظواهر الاجتماعية والباثولوجيا من أجل معالجتها معالجة صحيحة. في موضوع الإرث مثلاً فإنه يجب البحث في حجم استقلالية الأسرة النووية عن الأسرة الممتدة، وهل لازالت قيم التضامن والتكافل موجودة، أم أن الجد والأعمام يحضرون فقط عند تقسيم الإرث. ثم البحث في شكل الزواج هل يقوم على الحب والعقلانية والمصلحة الفردية أم يقوم على مصلحة الأسرة الممتدة والاعتبارات التقليدية من الشرف والمكانة، فشكل الزواج يحدد شكل الأسرة النووية وإن كانت الأسرة الممتدة لها استراتيجيات مختلفة، حيث قد تسمح بالزواج العصري أحياناً لكنها لا تتسامح في فقدان بعض من رأسمالها الرمزي. كما يسمح البحث في استقلالية المرأة اقتصادياً وحجم التعليم ووجودها في المراكز العليا بفهم حقوقها القانونية وفهم تداعيات الطلاق، وإمكانيات تدبير المشاكل والاستقلال بالأطفال وبناء أسرة جديدة وحجم المسؤولية المنوطة بها. يلاحظ مثلاً أنه العقد الأخير أصبحت الطالبات يتفوقن على الطلبة في التعليم، وازدياد حجم الإناث داخل الفصول على حساب الذكور، وخرجت المرأة للعمل وساهمت في الإنفاق على أسرتها، كما ساهم نسبياً الانتقال من الأسرة الممتدة إلى الأسرة النووية في تحقيق مزيد من الفردانية بالبحث والاستقلال الذاتي والبحث عن الحميمية وتأكيد الحياة الخاصة للأفراد. الذي لا يعني القطيعة النهائية، بل في الغالب تستمر العلاقة مع الأسرة الممتدة من خلال التواصل في الأفراح والأحزان وتبادل التهاني وطلب المشاورة في الأمور الصعبة، لكن دون وجود علاقات مادية. كل هذا يؤدي إلى استنتاج أن دور المرأة قد تغير وهو في تغير مستمر، ويوضح تقلص المجتمع الذكوري لمجتمع الإنصاف والمساواة، لهذا يجب تكييف القوانين لمسايرة التغيرات الاجتماعية.