تعتبر ظاهرة زواج القاصرات من الظواهر الاجتماعية الخطيرة التي تؤثر على المجتمع بالسلب، وللأسف الشديد مازالت مستمرة رغم التقدم التكنولوجي والاجتماعي والثقافي ولم يقتصر انتشاره على المغرب فقط بل منتشر فى جميع الدول العربية. و يعرف زواج الأطفال أو زواج القاصرات، بأنه زواج رسمي أو غير رسمي، للأطفال دون سن البلوغ ( 18 عاما)، وقد أثبتت عدة دراسات وتقارير، أن الغالبية العظمى من المتضررين من هذا النوع من الزواج هن الفتيات، وأن معظمهن يعشن وفقا للعديد من الدراسات، ظروفا اقتصادية واجتماعية متدنية. ولا يعد المغرب استثنئاءا، في مايعرف بظاهرة زواج الأطفال أوالقاصرات، إذ تنتشر الظاهرة في العديد من المدن والقرى المغربية، خاصة في أوساط الطبقات الفقيرة، التي يرى كثير من أسرها، أن تزويج ابنتهن القاصر، لرجل ثري ويكبرها كثيرا في العمر، بمثابة وصفة لتحسين وضع العائلة الاقتصادي، مغفلين بذلك ما قد تتعرض له الفتاة من مأساة بعد تزويجها. "زواج القاصرات جريمة بكل المقاييس" يرى المجتمع المغربي أن زواج القاصرات تعتبر "جريمة بكل المقاييس"، وقد حددها في ظاهرة يجتمع فيها كل ما تفرق أي أنها و قبل كل شيء تعتبر ظاهرة إنسانية وحقوقية واجتماعية وحتى سياسية. وينظر خبراء الشارع المغربي إلى جواز القاصرات هو نتاج للعديد من الأسباب أسهمت في تفشي هذه الظاهرة، يبقى أهمها الاجتماعية والاقتصادية، فمن الناحية الاجتماعية نظرة المجتمع للأنثى غير المتزوجة، وشبح العنوسة الذي يرهب به بناته، يجعل الأسر تتسابق إلى تزويج بناتها لأول العرسان الذين يطرقون أبوابها. كما أن العوامل الاقتصادية تسهم بقسط أكبر في تنامي حالات تزويج القاصرات "العامل الأهم هو الحالة الاقتصادية، هناك أسر كثيرة تعيش تحت خط الفقر في المغرب، الزواج يخفف حجم الأسرة على الأقل والأعباء الاقتصادية عليها، وأحيانا يشكل رافدا اقتصاديا جديدا للأسرة بمصاهرة أسر في وضع اقتصادي أفضل". ويرتبط الزواج المبكر وفقا لتصورات المجتمع المغربي بشكل كبير بتزايد حالات الطلاق في المغرب بشكل مطرد، التي تظهر الإحصاءات زيادتها 70 في المئة خلال السنوات الخمس الأخيرة. مأساة من واقع مُر كانت الفتاة المغربية مريم في سن السادسة عشرة عندما أجبرتها أسرتها على الاقتران برجل يكبرها بعشرين عاما في زيجة لم تدم سوى ثلاثة أشهر وأسفرت عن رضيع في شهوره الأولى. وحالة مريم هي واحدة من بين 16 بالمئة من الزيجات التي تندرج تحت مسمى زواج القاصرات في المغرب وهي نسبة أكبر بكثير من مثيلاتها في تونس والجزائر التي يقول نشطاء إنها تقل فيهما عن ثلاثة بالمئة. وتبرز حالة مريم مدى الصعوبة التي تواجهها السلطات لمنع زواج القاصرات في ظل التفاف العائلات على الضوابط القانونية لمجاراة العادات الاجتماعية في المناطق الريفية والتغلب على الفقر. وقالت مريم التي تعيش في بلدة خارج العاصمة الرباط "كنت اعتبر الزواج حفلة بهيجة يجتمع فيها الأهل والأحباب، وأن ألبس أجمل الحلل وأبدو في غاية الجمال، لم أكن أدري أن للزواج كل هذه التبعات والمشاكل بعد انقضاء الحفل وانصراف الجميع إلى حال سبيله". وقالت أمها فاطمة التي تزوجت هي نفسها في سن الرابعة عشرة إنها لم تر غضاضة في زواج ابنتها في هذا السن لأن الزواج المبكر في مصلحة الفتاة. وأضافت أن الزوج وعد بالاعتناء بابنتها لحين بلوغها السن القانونية على أن يتم حينها تحرير عقد زواج رسمي لكنه تخلى عن زوجته وطفله "لأتفه الأسباب"، لأن مريم رفضت العيش في ذات البيت مع والدته وأسرته التي عاملتها كخادمة. إحصائيات زواج القاصرات تثير الغضب أكد وزير العدل عبد اللطيف وهبي، خلال مداخلته قبل في منتدى نظمه مجلس المستشارين في فترة سابقة، أن زواج القاصرات بات يشكل 7 في المائة من حالات الزواج في المغرب. وبينما كانت الظاهرة مقتصرة على بعض القرى النائية، استغرب الوزير ارتفاع هذا النوع من الزواج في مدن كبرى مثل الدارالبيضاء. وتساءل قائلا: "تعلمون أن أكبر عدد من حالات زواج الفتيات تحت سن 18، تم تسجيله في الدارالبيضاء؟ أنا شخصيا لا أفهم هذا الوضع". من جهتها، تدافع الجمعيات والهيئات النسائية والحقوقية في المغرب، من أجل احترام القوانين التي اعتمدتها المملكة في مجال الطفولة، وتعديل بعض المواد في قانون الأسرة التي تمنح الاستثناء لتزويج الفتيات القاصرات. وترفض رئيسة جمعية التحدي للمساواة والمواطنة بشرى عبدو، "تزويج الأطفال جملة وتفصيلا"، مطالبة ب"الإسراع بإلغاء المواد 20 و21 و22 من مدونة الأسرة". وأشارت عبدو إلى أن "الاحتفاظ بالمادتين 21 و22 من مدونة الأسرة، من أجل إبقاء الباب مواربا لعلاج بعض الحالات الإنسانية الخاصة، هو مجانب للصواب". ودعت الناشطة الحقوقية الحكومة إلى "تحمل كامل مسؤوليتها في حماية الطفلات والأطفال كما تلزمها بذلك المادة 32 من الدستور المغربي، والمادة 54 من مدونة الأسرة نفسها". كما شددت على أن "الأطفال لهم علينا حق التربية والتعليم والترفيه، وكل الحقوق المنصوص عليها في اتفاقية حقوق الطفل والاتفاقيات والمواثيق الدولية ولا شيء غير ذلك". تحذيرات حقوقية وسياسية لازال الجدل في الشارع المغربي متواصلا حول ملف تزويج القاصرات ممن تقل أعمارهن عن 18 عاما، بالتزامن مع سعي البرلمان لإقرار مشروع قانون جديد يربط تزويج هذه الفئة من الفتيات بشروط مشددة. ويحذر ناشطون حقوقيون من تنامي تزويج القاصرات في المغرب، خصوصا أن رئاسة النيابة العامة دقت من جهتها ناقوس الخطر، عندما كشفت دراسة أنجزتها مؤخرا عن أرقام صادمة بشأن طلبات زواج القاصرات. ووفق الدراسة، فقد سجلت بمحاكم المملكة في سنة 2020، 19 ألفا و926 طلبا للسماح بزواج قاصرات. وينفي محمد الطيب بوشيبة، المنسق الوطني للجمعية المغربية التي تعنى بحقوق الطفل "ماتقيش ولدي" بأن يستطيع أي قانون تغيير واقع الظاهرة ما لم يترافق بتغيير الذهنيات. وفي حديث صحفي، شدد بوشيبة على أن ظاهرة تزويج القاصرات ليست خاصة بالمغرب، بل تنتشر في كثير من المجتمعات التي تسودها العقلية الأبوية والأنانية، والتي تعتبر المرأة بضاعة "يجب أن تكون مطيعة، خدومة، وتستجيب لرغبات الرجل". بوشيبة وصف "تزويج القاصرات" ب"البيدوفيليا المستترة" مؤكدا على أن الباحثين على الارتباط بقاصرات هم في حقيقة الأمر يحاولون فقط إيجاد غطاء شرعي وقانوني "عن طريق الحلال" لممارسة "البيدوفيليا" على حد وصفه. وخلال عرضه للمخاطر التي تنجر عن تزويج القاصرات، كشف بوشيبة الذي تحدث للكثير ممن تزوجن في سن مبكرة، أن أغلبهن يصبحن منهكات في سنة الشباب نظرا للمسؤوليات التي ترتبط بزواجهن المبكر، سواء على المستوى الجسدي أو الذهني. يقول مستنكرا: " كيف لطلفة أن تعرف حدود قدرتها الجسدية، كيف لها أن تعرف أسس العلاقة الجنسية، وما إذا كانت مستعدة لذلك؟" ثم يتابع "مخاطر هذا الزواج تظهر بعد سنوات، حيث أن المرأة التي ترتبط مبكرا، تصبح محرومة من الحنان، وقد تورث هذا النقص لبناتها وأبنائها". ويرى بوشيبة أن المرأة التي تعرضت للزواج المبكر، أضحت هي الأخرى تساهم فيه، دون قصد، وذلك ناتج عن الموروث الثقافي الذي يرى في إجبار الطفلة على الزواج "أمرا طبيعيا". يستنكر الرجل مثلا أن تزين البنات كعرائس خلال المناسبات الوطنية والدينية، ويرى في ذلك تحضيرا لا شعوريا لها للزواج، ويقول: "هذه ممارسات تساهم فيها المرأة، دون إدراك، وتعيد بذلك إنتاج هذا الواقع المرير، دون توقف". مقترح تشريعي جديد وتدارست لجنة العدل والتشريع في مجلس النواب خلال فترة سابقة، مقترح قانون يقضي بتغيير وتتميم المادة 20 من القانون الخاص بالأسرة، بحيث يسمح هذا التعديل بتزويج الفتيات القاصرات دون سن 18 عاما. وكان هذا المقترح حبيس أدراج لجنة العدل والتشريع في مجلس النواب منذ أكثر من 9 سنوات، بعد خلافات قوية برزت أثناء مناقشته حينها بين الأغلبية الحكومية التي ترأسها حزب العدالة والتنمية. وينص مقترح التعديل الذي شمل المادة 20، على أن لقاضي الأسرة المكلف بالزواج، أن يأذن بزواج الفتى من الفتاة دون سن الأهلية المحدد في 18 سنة، على ألا يقل سن المأذون عن 16 سنة، بمقرر معلل يبين فيه المصلحة والأسباب المبررة لذلك، بعد الاستماع لأبوي القاصر أو نائبه الشرعي، مع الاستعانة وجوبا بخبرة طبية وبحث اجتماعي. وفي جميع الأحوال، يلزم هذا التعديل القانوني، القاضي بضرورة مراعاة تقارب السن بين الطرفين المعنيين بالزواج، كما نص على أن مقرر الاستجابة لطلب الإذن بزواج القاصر غير قابل لأي طعن. غياب التوعية ويعزو مختصون في حقوق المرأة والطفل هذه الظاهرة بالأساس إلى غياب التوعية تجاه العائلات في القرى النائية، التي توارثت "هذا التقليد"و كذلك عدم تكييف القوانين مع مقتضيات حماية الطفولة، التي يفرضها التشريع المغربي، الذي، ولو أنه وضع حدا عمريا للزواج إلا أنه سمح بإستثناءات. وإن كان الفصل 19 من مدونة الأسرة المغربية المتبناة منذ 2004، يحظر زواج الفتيات اللائي تقل أعمارهن عن 18 سنة، إلا أن مادتين في الفصل نفسه تتيحان للقاضي فرصة القيام باستثناءات وعدم الالتزام بهذه القاعدة. واعتبرت المادة 19 من مدونة الأسرة المغربية، أن أهلية الزواج تكتمل بإتمام الفتى والفتاة المتمتعين بقوامها العقلية 18 سنة، إلا أن المادة 20 فتحت نافذة الاستثناء "عبر مجموعة من الضوابط والشروط حتى لا يتم الشطط في حق الطفولة" وفق ما جاء في ورقة حول زواج القاصر، أعدتها وزارة العدل والحريات بالمغرب. وجاء في المادة 20 من ذات المدونة : "لقاضي الأسرة المكلف بالزواج أن يأذن بزواج الفتى والفتاة، دون سن الأهلية، المنصوص عليه في المادة 19 أعلاه، بمقرر معلل يبين فيه المصلحة والأسباب المبررة لذلك، بعد الاستماع لأبوي القاصر، أو نائبه الشرعي، والاستعانة بخبرة طبية أو إجراء بحث اجتماعي". وجاءت المادة 21 لتنظم هذا الاستثناء وتجعله بيد الولي الشرعي للقاصر، وهو ما فتح، وفق مختصين، الباب واسعا أمام ما أضحى يعرف في المغرب ب"زواج الكونترا".