صندوق النقد الدولي يحث الحكومة على ضرورة توسيع قاعدة الضرائب    ترقية نائب وكيل الملك بالناظور الأستاذ اليحاوي إلى منصب وكيل الملك بمحكمة الحسيمة    رمضان 2025 في المغرب .. إمساكية ومواقيت آذان الفجر والمغرب    دماء الشباب تُراق في طنجة: إلى متى يستمر هذا النزيف؟    جامعة كرة القدم تكرم أطر التحكيم    الشيبي يتألق بعد "مباراة الإيقاف"    يهود المغرب يحتفلون بهيلولة ربي إسحاق أبي حصيرة    وزير الخارجية الجزائري يغادر أديس أبابا بخيبة أمل بعد فشل الجزائر في الحصول على مقعد في مجلس السلم والأمن الإفريقي    الرئيس المصري والعاهل الأردني يبحثان تطورات القضية الفلسطينية    صحيفة العرب اللندنية تتحدث عن فضيحة الجزائر وصنيعتها بوليساريو: كيف فشل النظام الجزائري في استعادة عسكريين وانفصاليين قاتلوا في صفوف الأسد    ترامب وبوتين يتفقان على بدء مفاوضات سلام "فورية" بشأن أوكرانيا    البام بتطوان يباشر تسخينات الانتخابات المقبلة بتعزيز التنظيم الداخلي    توقف مؤقت لبضع ساعات لحركة السير بين بدالي سيدي معروف وعين الشق ليلة الخميس إلى الجمعة    بعد مليلية المحتلة.. مرور أول شاحنة بضائع عبر معبر سبتة    إدارة حموشي تفتتح دائرة أمنية جديدة بخريبكة    "لارام" تلغي رحلاتها من وإلى بروكسل بسبب إضراب مرتقب    المغرب يسجل عجزا في الميزانية ب3.9 مليار درهم في بداية العام    الشرطة المغربية تعتقل كويتيا متورط في جرائم مالية واقتصادية    حادثة سير تقود إلى حجز كمية مهمة من الكوكايين والأقراص المهلوسة    الدريوش تستقبل وفدًا برلمانيًا لمناقشة قضايا الصيد البحري بإقليم الناظور…    وهبي للعدالة والتنمية: لو كنت في المعارضة لعرفت أين سأذهب بأخنوش الذي تتهمونه بتضارب المصالح    تداولات البورصة تنتهي ب"الأخضر"    إسبانيا تمنح المغرب قرضًا بقيمة 750 مليون يورو لاقتناء 40 قطارًا    اختفاء مروان المقدم .. النيابة العامة تستمع الى شقيقه    جماعة طنجة تخصص 530 ألف درهم لتعزيز الإشعاع الثقافي والفني    النقابات الصحية تستنكر تهريب الأنظمة الأساسية من النقاش والتوافق والتعيينات بدون مساطر    «سفينة من ورق» لمحمد حمودان تسبح في طنجة    الربيعة: المعتمرون غير مطالبين بالتلقيح.. وعلاقات المغرب والسعودية استثنائية    "التسويف وتعليق الحوار القطاعي" يغضبان نقابات تعليمية بالمغرب    حركة "حماس" ترفض لغة التهديدات    مليلية تسجل حالات إصابة بالحصبة    أزمة القطيع بالمغرب تتصاعد والحكومة في سباق مع الزمن قبل عيد الأضحى    القاهرة تحتضن قرعة بطولتي الناشئين وسيدات الفوتسال المغرب 2025    سعيدة فكري تطلق جديدها "عندي أمل"    حقيقة طلاق بوسي شلبي من محمود عبد العزيز دون علمها    منخفض جوي يقترب من المغرب وتوقعات بعودة الأمطار والثلوج    المعهد الفرنسي بتطوان ينظم "ليلة الأفكار"    إبراهيم دياز يعود بقوة بعد الإصابة    مباحثات عسكرية مغربية أمريكية حول الأمن والتصدي للتهديدات الإقليمية    27 قتيلا حصيلة حوادث السير بالمدن    بعد المغرب.. تفشي الحصبة "بوحمرون" في الولايات المتحدة الأمريكية    الدكتور عميريش مصطفى: التلقيح يعد الوسيلة الوحيدة والأكثر فعالية للوقاية من داء الحصبة    نصف المتوجين بجائزة الكتاب العربي من المغاربة    المفتش العام للقوات المسلحة الملكية ورئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات الأمريكية يشيدان بدينامية التعاون العسكري بين المغرب والولايات المتحدة    سبعة مغاربة وأردني ولبناني وسعودي ومصريان يفوزون بجوائز ابن بطوطة لأدب الرحلة 2024 – 2025    "دوزيم" الأكثر مشاهدة خلال 2024 وسهرة رأس السنة تسجل أعلى نسبة    كوريا الشمالية: "اقتراح ترامب السيطرة على غزة سخيف والعالم يغلي الآن مثل قدر العصيدة يسببه"    بعد الانتصار المثير علي السيتي... أنشيلوتي يعتذر لنجم ريال مدريد البديل الذهبي … !    جامعة الدول العربية ترفض التهجير    الاتحاد الدولي لألعاب القوى يلزم العداءات ب "مسحة الخد" لإثبات أنَّهنَّ إناث    إصابة عامل في مزرعة ألبان بولاية نيفادا الأمريكية بسلالة جديدة لإنفلونزا الطيور    الصحة العالمية: سنضطر إلى اتباع سياسة "شدّ الحزام" بعد قرار ترامب    زيارة رئيس الاتحاد العربي للتايكوندو السيد إدريس الهلالي لمقر نادي كلباء الرياضي الثقافي بالإمارات العربيةالمتحدة    التصوف المغربي.. دلالة الرمز والفعل    الشيخ محمد فوزي الكركري يشارك في مؤتمر أكاديمي بجامعة إنديانا    والأرض صليب الفلسطيني وهو مسيحها..    جامعة شيكاغو تحتضن شيخ الزاوية الكركرية    المجلس العلمي المحلي للجديدة ينظم حفل تكريم لرئيسه السابق العلامة عبدالله شاكر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سبعون يوما من الحرب..
نشر في الجديدة 24 يوم 24 - 12 - 2023

سبعون يوماً تلاشت الأشلاء البشرية هنا وهناك كشظايا الزجاج المكسور بجل شوارع وأحياء غزة الصامدة، أتعرف معنى أشلاء؟ معنى أن تموت غير مكتمل الأطراف؟ ولربنا تدفن بطرف أو اثنين ؟ من يتعرف عليك ؟ من يعرفك إن لم يتمزق ذراعك الذي به اسمك كعلامة منك عليك ؟ لقد وصلنا إلى هذه الدرجة من عدم احترام الموتى، من أن لايحق أن يكون لك قبر ، فقط لأنك فلسطيني، لأنك غزاوي، فهذا طفل عرف من وثمة على ساعده، وهذه رجل مجهولة الهوية، وهذان أختنان جمعت أشلاءهما في كفن واحد .. !
لأول مرة أشاهد بقوة هذه المشاهد المفجعة، صور المخضبون بالدماء ومبتوري الأطراف، صور الأطفال الذين حلقت أرواحهم في السماء، مقاطعهم قبل الحرب، أحلامهم وحركاتهم قبل أن يرتقوا .
وصور الشهداء الذين تم إخراجهم من تحت ركام الأنقاض، و صوت الثكالى واليتامى والشيوخ والصغار وهو يناشد العالم البئيس تارة، ويلقننا دروسا في الصبر والثبات واليقين تارة أخرى .
لقد قرأنا التاريخ،الذي كتب كثير منه لمرتزقة على دماء الفلسطينين، والذي بثنا متيقنين من زيفه، التاريخ الذي صوروه لنا والآن نحن نشهد بأم أعيننا التاريخ الذي سيروى لأطفالنا، للأحفاد من بعدنا، لكن كيف سييروى ؟ كيف سيُحكى ؟ وهل يكون لنا نصيب منه ؟
هل يُصور كمشاهد صبرا وشاتيلا التي جرت فيها دماء المسلمين شلالا يهضر ؟ أم كحرب العراق التي غدا فيها دم المسلمين نهرا ؟ أم بالإبادات الجماعية التي شهدتها بلد المليون شهيد ؟ أي تاريخ وبأي حقائق يا ترى.. ؟
لقد سرقوا منا تاريخا كاملا،و كذبوا علينا بحقوق الإنسان و المرأة والاطفال..
الاطفال نفسهم الذين يُتم المئات منهم بين ليلة وضحاها بغزة، الذين قتل آلافهم بدم صهيوني بارد دون أن يرف للعالم جفن، و الذين أصيب العشرات منهم بإعاقات وعاهات مستديمة .. حتى خيل للإنسان أنه في هول من أهوال الآخرة من عظم ما رأى من مجازر ومذابح و صرخات ودموع ومعاناة جسدية .. لكن ماذا عن المعاناة النفسية ؟
من يضمد جراح هؤلاء اليتامى؟ من يسكت الصوت في أذن الطفل الذي ظل آخر ما سمعه من أخيه سكرات الموت تتدحرج؟ من يعيد لجوليا حضن والديها؟ من يحمل عبئ الأمومة عن الفتاة ذات 15 ربيعا التي بقيت وحيدة مع إخوتها بعد ان ارتقى والديها وجدتها ؟ من ومن من ؟
من يعيد لهؤلاء الأطفال حياتهم الطبيعية، من يأويهم ويآزرهم وينتصر لهم كما ينتصر الغرب المنافق لأطفال أمريكا وأوربا والخارج، من يجعلهم سواسية مع الآخرين وإن كانوا عربا لا غربا .. ؟
من يهبهم الشعور بالأمان والدفئ، و حضن الأم والابن ؟
أمام هذه المأساة، نتساءل عن قوة هذا الشعب، ثم نعود ونأكد أنه شعب لا خيار له غير الصمود، لكننا على يقين تام بأنه لولا الإيمان واليقين في موعود الله لجن الإنسان من فظاعة ما يرى !
لولا التربية التي تلقاها هؤلاء لإرتموا في أحضان الاحتلال بكل وقاحة مخافة من الدمار، من الموت الذي سيدركهم، لكن بدا جليا أن الأهم في عقيدة المسلم التي كان الفلسطيني دائما خير نموذج لها هو أن الموت بشرف وعزة، أن تموت رجلا وإن مزقت أشلاءًا.
لقد تأملت كذا مرة إبني الرضيع وأنا أتابع الأحداث، ثم حاولت فقط أن أتخيل كيف تصبر هاته النساء على فقدان فلذة الكبدة بين عشية وضحاها، الليالي التي سهرتها الأم كي يهدأ، اللحظات الجميلة التي هدهدته فيها حتى رأت ضحكاته، صوته بأرجاء البيت، كلماته الأولى، خطواته و كل جميل صنعته بقلبها وروحها وكل كيانها يوما عن يوم، ليأخذ منها على حين غرة، تقول بعدها بمنتهى الثبات " يارب تكون راضي " كما قالت أحد الفلسطينيات وهي تودع إبنها الصغير وأخواته الثلاث توائم. في لحظة مهيبة لا تكف فيها عن ذكر الله سبحانه، أي عظمة وأي اصطفاء هذا .. ؟ نحن الأمهات وإن كان عهدنا بالأمومة حديث بثنا نعلم ولو نسبيا معنى إبن، معنى كبدي، وتأن قلوبنا من تعب يطال صغارنا فما بالك بالموت ... ؟
من يكتب الدواوين بلا مغالاة، و أي مغالاة بعد كل ما شاهدناه، كل كتابة هي لا تساوي ذرة من هول المناظر !
لكن من يكتب بعد أن رحلت هبة أبو ندى الشاعرة الغزاوية، و كثير من على شاكلتها، من يكتب من خضم المعاناة والحسرة، من يكتب من قلب الحدث، من خضم الألم، لأننا لم نعد نثق في كتاب دواوينا وتاريخنا .. !
من يكتب بلا طباق أو جناس.. ؟
بل فيما تنفع الكتابة أمام عالم مليئ بالنفاق والزيف والصمت، أمام حكام عانقوا الكيان المحتل وقادته دون أن ترسم أمام أعينهم صور الأطفال التي تهشم القلوب، أمام شعوب باعت دينها مقابل دنياها، وأمام أناس بات قول الحق جريمة يعاقب عليها.
عشرات الأسئلة تطرح في بالي بعلامة إستفهام حمراء، بإجابات مختلفة لكنها كاملة ومكتملة في أغلب الأحيان، بثقة كاملة في موعود الله الذي يصنع الرجال، بيقين تام في حكمة الرحمان سبحانه، و بأن النصر ليس صنيع ساعة، بل هو صبر سنين و تضحيات عظام، وأرواح قدمت في سبيل العقيدة، وإيمان بالله وقدره وقضاءه، و بثبات على الحق والثغور يقودهما حسن الظن بالله والصبر والصمود لا الإنبطاح والتطبيع والسلام الذي لا أساس له مع العدو.
و لأننا مؤمنين بقضيتنا و ديننا، سيتعافى أطفالنا، سيكبرون غدا و يكونون أسوياء نفسيا، سيصنعون لنا مجدا تليدا يداس فيه الاحتلال الصهيوني تحت نعال أصغر رضيع في غزة، ستبتسم الأمهات من جديد، سيلدن مجددا، لأنهن بنات الأرض الوَلادة كأرحامهن، سيخلفن للعدو جيلا مرعبا ترتعد تحته فرائس بني صهيون، جيلا يؤمن أن الأرض له مهما طال الاحتلال ..
سيعانقن طيورهن التي ارتقت غدا في الجنان وسيشفع للعرائس في خدرهن أزواجهم الشهداء، سيلتقي الأحبة جميعهن فوق السماء، بلا وداع ولا بكاء ولا صمت قاهر و لا غصة أو ندبة قلب ..
و سنكتب الحقائق عن هذه الأرض دوما، لنا ولأطفالنا، للأجيال بعدنا، سنعلمهم الخرائط والحدود التي لا أصل لها، ونلقنهم أن تلك أرض الميعاد، وأن الموعد حق، وأن النصر آت لامحالة، وإنه لجهاد نصر أو إستشهاد..
فاللهم هذه نياتنا، وأمانينا، فاكتبها لها سواء حيينا أو متنا .. و أعنا ..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.