لقد أنعم الله تعالى على بلادنا بالتلاحم الدائم والتجاوب التلقائي بين العرش والشعب وهو ما مكن المغرب من إقامة أمة تضرب بجدورها أعماق التاريخ، حيث ظهرت منذ اللحظات الأولى لوقوع الزلزال المدمر الذي ضرب إقليمالحوز والأقاليم المجاورة نزول أمير المؤمنين بكل ثقله الرمزي وشرعيته التاريخية والدينية والدستورية ليجسد قيم التكافل والتآزر والتضامن بشكل عملي، حيث أصدر جلالته بتعليماته السامية إحداث لجنة مكلفة بوضع برنامج استعجالي لإعادة تأهيل وتقديم الدعم لإعادة بناء المنازل المدمرة على مستوى المناطق المتضررة في أقرب الآجال والتكفل بالأشخاص في وضعية صعبة خصوصا اليتامى والأشخاص في وضعية هشة والتكفل الفوري بكافة الأشخاص بدون مأوى جراء الزلزال لاسيما في ما يرتبط بالإيواء والتغذية وكافة الاحتياجات الأساسية الى جانب تشجيع الفاعلين الاقتصاديين بهدف الاستئناف الفوري للأنشطة على مستوى المناطق المعنية. واعتبارا لهذا المقصد التكافلي في ظل إمارة المؤمنين فإلى أي حد تفاعلت الجهات المعنية مع هذه الرؤية الملكية؟ وكيف انخرط فيها الشعب المغربي بصفة عامة مع جلالته؟ عملا بأحكام الشريعة الإسلامية الغراء التي تحث في مصدرها الأساسيين القران والسنة النبوية العطرة على التعاون والتواد والتعاطف والتكافل الاجتماعي باعتبارها مطلبا شرعيا وحاجة إنسانية تعتبر تلبيتها واجبا، حيث قال الحق سبحانه وتعالى في محكم تنزيله '' وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان'' وقوله صلى الله عليه وسلم '' مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى '' رواه مسلم. فالتكافل الاجتماعي بمفهومه الإسلامي أن يكون أفراد المجتمع مشاركين متضامنين مع بعضهم البعض محافظين على مصالحهم العامة والخاصة يدفعون عن بعضهم البعض المفاسد والأضرار ليس فقط في النواحي المادية بل المعنوية أيضا. ومن أهم مظاهر التكافل الاجتماعي في الإسلام كفاية المحتاجين من غذاء، أو كسوة، أو إيواء، فقد جعل الله تبارك وتعالى كفايتهم فرض كفاية على الاغنياء، حيث قال الحق سبحانه وتعالى '' خذ من اموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلواتك سكن لهم''. وتأكيدا لهذا المبدأ فقد جاء في الخطاب الملكي الذي ألقاه مولانا أمير المؤمنين بمناسبة عيد العرش المجيد لسنة 2023 ما يلي '' فقد قدم أبناؤنا بشهادة الجميع وطنيا ودوليا أجمل صور حب الوطن والوحدة والتلاحم العائلي والشعبي وأثاروا مشاعر الفخر والاعتزاز لدينا ولدى كل مكونات الشعب المغربي''، كما تقرر أيضا بتعليمات ملكية سامية الإعلان عن حداد وطني لمدة ثلاثة أيام مع تنكيس الأعلام الوطنية فوق جميع المباني العمومية وفتح حساب خاص لدى الخزينة وبنك المغرب بهدف تلقي المساهمات التطوعية التضامنية للمواطنين والهيئات الخاصة والعمومية داعيا كذلك الى التعبئة الشاملة لمؤسسة محمد السادس للتضامن، بجميع مكوناتها من أجل تقديم الدعم ومواكبة المواطنين في المناطق المتضررة وكذا تشكيل احتياطات ومخزون للحاجيات الأولية '' أدوية ، خيام، أسرة، مواد غذائية '' على مستوى كل جهة من المملكة من أجل مواجهة كل أشكال الكوارث. واستمرارا للعناية التي ما فتئ أمير المؤمنين يوليها للطفولة أعطى جلالته تعليماته السامية أيضا بالتكفل الفوري بالأطفال اليتامى الذين فقدوا أسرهم وأضحوا بدون موارد ومنحهم صفة مكفولي الأمة، كما أعطى أوامره للحكومة من أجل اعتماد مسطرة المصادقة على مشروع القانون اللازم لهذا الغرض وذلك في أقرب الآجال، والهدف من ذلك هو انتشال هؤلاء الأطفال من هذه المحنة وحمايتهم من جميع المخاطر وجميع أشكال الهشاشة التي قد يتعرض لها للأسف بعد هذه الكارثة. إن عبقرية المؤسسة المولوية تجلت لنا بوضوح في كيفية تدبيرها لأزمة الزلزال، حيث لم تلجأ الى استعمال الآلية الدستورية المتمثلة في الفصل 40 من الدستور المغربي'' الضريبة التضامنية'' كما أنها لم تلجأ إلى إعلان حالة الطوارئ، أو حالة الاستثناء من خلال الفصل 59 من الدستور المغربي، كما أنها لم تلجأ أيضا لاستخدام الآلية الدستورية '' توجيه خطاب للأمن والبرلمان من خلال الفصل 52 من نفس القانون المشار إليه أعلاه، من هنا تظهر لنا حكمة مولانا أمير المؤمنين والتي تتجلى في القيادة الحكيمة والرشيدة والتي تتميز بطبيعة الحال بالهدوء في مواجهة الأزمات، حيث تم اللجوء إلى عقد جلسة عمل مع كبار شخصيات البلد ومن بين خلاصات هذه الجلسة مايلي : تسريع عملية الإنقاذ وإجلاء الجرحى. تزويد المناطق بالماء الصالح للشرب. توزيع حصص غذائية وخيام وأغطية على المنكوبين. وقد استجاب الشعب المغربي بصفة تلقائية لهذا الأمر، حيث عبر بشكل جلي عن تضامنه وتآزره مع المتضررين والمنكوبين ماديا ومعنويا فقد ساهمت كل فئاته بكل ما لديها من إمكانيات ،فمنهم من ساهم بنفسه عن طريق تقديم يد المساعدة بالمشاركة الفعلية في عملية الإنقاذ ومنهم من ساهم بماله ومنهم من ساهم بقلبه وحبه وتعاطفه مع المنكوبين والمتضررين وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على مدى اهتمام الشعب المغربي بأهمية التضامن والتكافل داخل الأمة المغربية تحت إمارة المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده فهو أمير المؤمنين حامي حمى الملة والدين ورمز وحدة الأمة وضامن دوام الدولة واستمرارها. وعلى هذا الأساس فان إمارة المؤمنين لها دور كبير في ترسيخ قيم التكافل والتآزر والتضامن داخل المجتمع المغربي الذي تفاعل معها بشكل إيجابي وملموس على أرض الواقع . * بوشعيب جوال : حاصل على شهادة الدكتوراه في الشريعة والقانون.