نداء مفتوح إلى الشعب السوري العظيم منذ ما يزيد على نصف قرن ، وعائلة الأسد المجرمة تتحكم في مصير الشعب السوري الصابر ، فتذيقه من ألوان الظلم والقهر والإذلال ما لا طاقة لبشر على احتماله ... لم يتركوا بيتاً في سورية لم ينكبوه ، ولا يوجد بيت في سورية إلا وفيه شهيد ، أو معتقل ، أو مهجّر ، أو منفي ، أو ملاحق ... خرّبوا التعليم ، وأضعفوا الجيش ، ودمّروا الأخلاق ، وحاربوا التديّن ، وأشاعوا الرذيلة ، وسرقوا الثروات ، وأفقروا الشعب ، وأذلّوه ، وجهّلوه ، وكمموا فمه ، وسلّطوا عليه عشرات الأجهزة الأمنية المجرمة ، لتسيمه كل أنواع الظلم والقهر والتسلط ، والعبوديّة ، والإذلال .!!! لم يتركوا باباً للمنكر إلا فتحوه ، ولم يدعوا باباً للخير والفضيلة إلا أغلقوه وحاربوه .. ولقد توزّع ظلمهم على الشعب السوري بالتساوي بين جميع فئاته ومذاهبه وأعراقه ، بما فيها الطائفة العلوية نفسها التي تنتمي عائلة الأسد إليها ، والتي لا زالت أغلب عوائلها وقراها ومدنها مهمّشة ، مثلها مثل بقية فئات الشعب المظلوم في سورية ، باستثناء فئة قليلة من المحسوبين على النظام ، ومن الذين يدورون في فلكه ، ويسبّحون بحمده ، ويوافقونه على ظلمه وجرائمه ، كآل مخلوف ، وآل شاليش ، ومن هم على شاكلتهم ... بل نستطيع القول بأن حقد العائلة الأسدية المتنفّذة على الطائفة العلوية كان أشد منه على غيرها في بعض الأحيان ، كما حصل مع صلاح جديد الذي بقي في زنازينهم المظلمة حتى مات فيها كمداً ، فأخرجوه من السجن إلى القبر ، وغازي كنعان الذي نحروه بالرغم من كل خدماته المعروفة لهم ، والمناضل الوطني عارف دليلة الذي ضاعفوا لهم الظلم ، ومددوا له في الحكم فقط لأنه علوي ، وغيرهم الكثير ، عندما كانت مصلحة العائلة تقتضي ذلك . أما حزب البعث فلم يكن هو الآخر إلا واجهة للعائلة المتنفّذة ، ومظلّة لتمرير جرائمها بحق الشعب والأمة ، ولقد رأينا عبر الخمسين سنة الماضية قيادات مؤسسة ومرموقة في الحزب كانت تفقد مواقعها ، بل وحياتها أحياناً ، عندما كانت تعبّر ولو بالحد الأدنى عن استيائها من تسلط تلك العائلة وأجهزتها الأمنية وتعجرفها ، وترفض الحكم الفردي الشمولي المتغطرس للعائلة الأسدية ، وقضية إبعاد ميشيل عفلق وأكرم الحوراني ، واغتيال صلاح البيطار ، وتصفية محمد الزعبي ليست بخافية عن أبناء شعبنا السوري العظيم ... بل حتى عبد الحليم خدّام نفسه الذي خدمهم لأكثر من أربعين عاماً ، لفظوه كما تلفظ التمرة النواة ، وذلك عندما اقتضت مصلحتهم الأنانيّة ذلك ... أما الجيش السوري العريق ، الذي شهدت له ساحات الجهاد والنضال ضد الفرنسيين والصهاينة ، وسجّل في معارك التحرير أسمى آيات التضحية والبطولة والفداء ، فقد كان هو الآخر ضحيّة لهذه العصابة المجرمة ، التي سامته جميع ألوان الذل والمهانة، وسرّحت واعتقلت وشرّدت خيرة أفراده وضبّاطه ، وأقحمته في معارك جانبية خاسرة مع الشعب والوطن والجيران ، في حماة وحلب وجسر الشغور وبيروت وطرابلس وغيرها ، ولطّخت يده في مذابح تل الزعتر والبارد وغيرها ، بينما بقيت الحدود مع الكيان الصهيوني المحتل للجولان آمنة لم تطلق فيها طلقة واحدة على مدى أربعين سنة متواصلة . يا أبناء شعبنا السوري العظيم بجميع طوائفه وأديانه وأعراقه .! ها قد دار الزمن دورته ، ودقّت ساعة الخلاص ، وهبّت رياح التغيير ، ونادى منادي الحريّة ... وليست العصابة الأسدية المجرمة بأقل ظلماً واستعباداً لكم من العصابات التي لفظها إخوانكم في بقية الأقطار العربية المحرّرة . كما أنكم لستم بأقل توقاً للحريّة وجدارة بالعزّة والكرامة والتحرر منهم ... فازحفوا باسم الله ، وعلى بركة الله ، صفّاً واحداً ، بجميع أديانكم ، وطوائفكم ، وأعراقكم ، ومشاربكم ، والفظوا حصيّات الصمت من أفواهكم ، وحطّموا الأغلال والقيود التي تكبّل إرادتكم ، ودقّوا أبواب العائلة الأسدية وعصاباتها الأمنية المجرمة بأيديكم المضرّجة بدماء الشهادة ، وانتزعوا حريّتكم المقدّسة انتزاعاً من سارقيها المجرمين . وإلى شركائنا في الوطن من أبناء الطائفة العلوية نقول : يا أحفاد الشيخ المجاهد صالح العلي ، ويا إخوان الشاعر الوطني بدويّ الجبل ... لقد عشتم بين ظهرانينا منذ عشرات السنين ، وكنتم وما زلتم شركاؤنا في هذا الوطن الحبيب ، نتقاسم معكم فيه حلو الحياة ومرّها ، ولم يظهر ما يعكّر صفو الحياة بيننا إلا بعد أن تسلّطت هذه العائلة المجرمة على رقابنا ورقابكم ، وحوّلت سورية العريقة إلى مزرعة لمصالحها الأنانية الضيّقة ... ولذلك فنحن نناشدكم أن تغتنموا هذه الفرصة التاريخيّة المباركة ، لتؤكدوا وطنيّتكم المعروفة ، وتقفوا مع شعبكم ، وتنحازوا إلى أهلكم وشركائكم ، وتتبرؤوا بالقول والفعل معاً من جرائم النظام الأسدي الذي حاول طويلاً إلصاقها بكم وبأبنائكم ، وأنتم منها براء ، ولنتعاون جميعاً على عزل هذه العائلة المجرمة ، وإسقاطها ، ثم تقديمها لمحاكمة عادلة تنال فيها جزاءها العادل ، على كل ما اقترفته يدها الآثمة بحق الشعب والوطن ... أما أنت يا جيش سورية البطل : يا سليل المجاهدين والمناضلين الأبطال من لدن يوسف العظمة ، وصلاح الدين الأيوبي .. هذه فرصتك التاريخية أيضاً لأن تدخل التاريخ من أوسع أبواب الشرف والشهامة والوطنية ، وأن تنحاز لشعبك ضد جلاديه ، وأن ترفض أن تكون ذراعاً غادرة للظلم ، ويداً آثمة للبطش والجريمة ، بل تزحف إلى أوكار الغدر والشر الأسدية فتدكّها دكاً ... وليست القوات المسلّحة التونسية ، والقوات المسلّحة المصرية ، والقوات المسلّحة الليبية ، التي انحازت لوطنها وشعبها ، بأكثر شجاعة ، وأكثر شرفاً ، ووطنية ، ووفاءً ، منك ... أيها الشعب السوريّ العظيم إنّ ثورتكم على ظلم العصابة الأسدية المجرمة ، ليست ثورة يوم محدد في ساحة محددة ، فإذا لم تنجح فقد انتهى كل شيء كما تحاول تصويره أبواق النظام وعملاؤه . إنّ الثورة هي قرار الشعب الستراتيجي الذي لا رجوع عنه مهما كلّف من دماء ووقت وتضحيات .. فإذا لم تنجح اليوم فغداً ستنجح بإذن الله .. وإذا لم تُحسم في هذه الجولة ، ففي الجولة الثانية ، والثالثة ، والعاشرة ، والألف ... المهم أن يقرر الشعب ، وتتوفر لديه إرادة الثورة والتغيير ، فإذا قرر الشعب انتزاع حريّته ، وأراد الحياة العزيزة الكريمة ، فقد أراد الله ، لأن إرادة الله من إرادة الشعوب الحرّة المؤمنة ... وهذا هو المعنى الحقيقي لكلمات شاعر تونس الخالدة : إذا الشعب يوماً أراد الحياة ... فلا بدّ أن يستجيب القدر وكلمتي الأخيرة أوجّهها إلى الشباب الثائر المؤمن ، أذكّره فيها بطابع الثورة السلمي الحضاري ، وأناشده بعدم التعرّض للمؤسسات العامة والخاصّة ، فسورية الحبيبة ملك لأهلها الشرفاء ، وليست ملكاً لأسد وأزلامه ، ولنتعاون في المشتركات ، ولنبتعد الآن عن الخلافات ، ووصيتي لكم أيها الشباب ، بأن لا تكلّوا ولا تملّوا عن المضيّ في طريق التحرر ، وأن لا تيئسوا من تأخر النصر لبعض الوقت ، إنما هي جولة بعد جولة ، والنصر مع الصبر ، والعاقبة للمتقين ... وإننا لعلى يقين راسخ ، وثقة مطلقة ، لا تخالجها ذرّة من شك .. بأن شعبنا السوريّ العظيم سينتصر على جلاديه ، وسينال حريّته ، وينتزع حقوقه في العيش الكريم بلا ظلم ولا قهر ولا إذلال ((ويسألونك متى هو ، قل عسى أن يكون قريباً )) الدكتور أبو بكر الشامي دمشق في السابع من ربيع الآخر / 1432 هجري الموافق للثاني عشر من آذار ( مارس ) / 2011 ميلادي