الموقف الشجاع الذي وقفه بطل تحرير الأمة و رمز التضحية و النضال سيدي محمد بن يوسف في وجه المستعمر و ثباته على القضية، جعلت منه أسطورة تمشي على الأرض و ذكراه دخلت الى المخيال الشعبي المغربي من بابه الواسع ،و تجسد ذلك من خلال ذلك الحضور القوي للسلطان الغائب كجزء لا يتجزء من الهوية الوطنية للمغرب ووحدة أراضيه بعد نفيه الى ضفاف الأبيض المتوسط وتحديدا الى جزيرة كورسيكا و منها الى مدغشقر بالمحيط الهندي حين فرضت عليه الاقامة الجبرية في 20 غشت 1953 جراء ثورته ضدا في الاستعمار رافضا جملة و تفصيلا لائحة المطالب الكولونيالية. بعد هذا التاريخ و في ليلة من الليالي شاع خبر ظهور صورة محمد الخامس على سطح القمر، اشرأبت الأعناق في معظم بقاع التراب الوطني متطلعة الى السماء بعيون مجردة فعجت الميادين العامة بالمتطلعين و المستطلعين وتزاحمت العائلات في سطوح المنازل ،و سرعان ما بدأ الجميع يتناولون الموضوع بالبيان و التبيين وكل يستعرض على شاكلته الوضع الذي لاحت به طلعة الملك ، فمنهم من رآه يمتطي صهوة جواده ومنهم من تجلى له جالسا على عرشه بطربوشه الوطني ، والبعض الآخر رآه يحمل ولي عهده بين ذراعيه، رغم اختلاف الرؤى في شكل تجلي الصورة على القمر ، كان هناك اجماع على صحة وقوع الحدث : “لقد رأيته في القمر ممتطيا حصانا ” تؤكد حليمة التي لم يتجاوز سنها العاشرةأنذاك، ويضيف الحاج محمد “لقد رأيته و هو يرتدي طربوشه الوطني” . وفي معرص لأحد كتبه تعرض الصحفي الفرنسي “جون تاكوتوغ” لهذه الظاهرة السيكولوجية ووصفها بانفجار الأسطورة، ولفك رموزها وجب الرجوع الى الحقبة التي وقعت فيها و دراسة فلسفة عصرها،واعتمد في مقاربتها على مجموعة من المناهج منها المنهج الطبيعي الذي يعتبر أبطال الأساطيرظواهرا طبيعية أو أحداثا أو قصصا لشخصيات ملتزمة أو متدينة تم تشخيصها في أسطورة، والمنهج اليوهيمري الذي يرى بأن الأسطورة هي قصة لأمجاد أبطال و فضلاْء خلدتهم أعمالهم. و منهم من فسرها بالشوق القوي للغائب و الدليل القاطع على اخلاص شعب لملكه.و هذه الواقعة أرخ لها كثير من الكتاب و المفكرين، ككتاب “محمد الخامس من سلطان الى ملك” لمؤلفه محمد العربي المساري الذي هرع بدوره وقتها الى سطح البيت ليشاهد كما شاهد أقرانه وكان عمره حينها سبع عشرة سنة ، وكذلك رواية المخاض لأحمد البكري السباعي : “تهتف الغالية بصوت مبحوح! – يا فرحتاه!!صورة محمد الخامس في القمر – خرج محسن الى الشارع، فوجد أفواجا من الناس منتشرين هناك و هنا و أنظارهم مشدوهة الى عنان السماء، يشيرون الى القمر بأصابعهم ، ويصبغون لونه بتفسيرات تختلف تقديرا و تشخيصا.” و مجموعة عبد الغني أبو العزم القصصية “الضريح” “و من بين تلك الليالي المثيرة لكل سكان الحي، الليالي المقمرة أي عندما يبلغ البدر تمامه، (...) صورة الملك محمد الخامس قد ظهرت بجلاء في القمر و يمكن رؤيتها بالعين المجردة .كنا جميعا نصعد رجالا و نساء و أطفالا، الى سطح الدار و نبدأ في المراقبة و التأمل، و ينطق أحد الكبار: – انه هناك هل رأيته؟ انه يلبس الطربوش الوطني.و تردف للامينة: – و الله العظيم انه هو. الله أحبه و أراده”. برعت الحركة الوطنية في بلورة هذا المعطى الجديد وتكريسه لصالح المقاومة التي لقيت دعما و تأييدا منقطعي النظير من هيئات عربية ودولية ،اذ أصبح الشعب أكثر تهيأ من ذي قبل للدود على وحدة البلاد والاستنكار العلني على المس بكرامة المغاربة و رمز سيادتهم الذي تمت تنحيته و تنصيب محمد بن عرفة كسلطان للمغرب و سياسة فرض الاصلاحات الداعية الى اشراك الفرنسيين في تسيير البلاد في الأجهزة المركزية كما في الجهوية، فانطلقت الأحداث الدموية للمقاومين سرا و علانية في السهل كما في الجبل، و عطلت الاضرابات جل القطاعات الحيوية للاقتصاد و احتدمت المعارك مخلفة شهداء أبرارا على رأسهم الشهيد علال بن عبد الله والشهيد محمد الزرقطوني وغيرهم كثير ممن ماتوا ليحيا الوطن. ازداد حنق المستعمر و ضاق درعا أمام اصرار الملك و الشعب على الاستقلال وهو ما عجل برجوع بن يوسف الى عرشه بعد مؤتمر” ايكس بان ” يوم 16 نونبر 1955 و توقيع عقد الاستقلال ب”الكي دورسي” يوم 2 مارس، الاستقلال المستحق لثائري 20 غشت الذين بذلوا النفس و النفيس في سبيل الوطن و صدقوا مليكهم ما عاهدوه.