تتيح (مسألة الاتصال) لدى الانسان من زاويا متعددة، إمكانية تدخل مجموعة من العلوم الاجتماعية والإنسانية المتنوعة، لتجعلها موضوعا للدراسة والبحث، وفق مناهج ومفاهيم مختلفة باختلاف الحقول المعرفية، كعلم الاجتماع، وعلم النفس، وفيزيولوجيا الأعصاب، والسيميولوجيا.. ...وغيرها من الحقول.. كما اهتمت الفلسفة النظرية منذ القدم بقضية (الاتصال الإنساني)، على اعتبار أنه قوام التميز الوجودي لدى (الحيوان الناطق والعاقل)، الذي بمقدوره دون غيره أن ينتج معرفة نظرية وعملية حول نفسه، وحول العالم المحيط به، انطلاقا من مدركات حسية، تؤهله للقيام بعمليات الإرسال والتلقي، بشكل أرقى، وأكثر تعقيدا من كل الأنواع الحيوانية الأخرى العاقلة.. فالاتصال والتواصل صفة الإنسان بامتياز، إنه من أهم تجليات (فعل العقل)، والفهم، والإدراك..ولنا في بعض إحالات الفلسفة الاجتماعية تدليلات واضحة، حول كيفية اعتبار الاتصال والتواصل مع الذات، أساس لكل باقي أفعال التواصل مع الآخر.. ... ومع المحيط.. ولعل تأويلا غير أخلاقي لمقولة الفيلسوف اليوناني سقراط: «أعرف نفسك بنفسك»، يفضي إلى ملامسة أهمية هذا الاعتبار في التواصل مع الذات، لدرجة قد نتمكن معها من تعريف الخلل العقلي، أو الجنون بكونه خللا في (فقدان التواصل مع الذات)، وبالتالي فقدان التواصل مع الآخر.. ليس المقصود من هذه التلميحات النظرية لأهمية الاتصال والتواصل كخاصية مميِّزة للإنسان، سوى الإشارة إلى أن التعويل على تحديدات معينة، قد يفقد معناه في إيصالنا إلى ضبط البدايات الأولى لظهور الاتصال الإنساني ووسائله، إذ يمكن التكهن افتراضا ودون حرج، بأن (الاتصال البشري) قديم قدم الإنسان نفسه، ولو أنه لم يكن ليتميز كثيرا في مراحله الأولى عن الاتصال، الذي تمارسه بعض الحيوانات بوسائل بدائية كإحداث الضجيج، والقيام بحركات جسدية، تشكل علامات وإشارات مفهومة بالنسبة لبني جنسها.. غير أن تميز الانسان في هذا التشارك، سيكون مرده لا محالة إلى خاصة التعلم والتعليم، التي ستلعب دون شك دورا بالغ الأهمية في امتلاك القدرة علي الفهم، والمشاركة في الأنظمة المحلية للعلامات والإشارات، التي كانت تتوصل إليها.. ... وتستخدمها كل أسرة أو جماعة..