مهرجان خطابي حاشد تضامنا مع السياسيين رفعت فيه شعارات مساندة للثورة السفياني: “ارفعوا التقارير حتى لا يقول حكامنا غذا بأنهم لا يعلمون شيئا” الرباط- حنان بكور على بعد أيام قليلة عن وضع ملف بليرج على طاولة المجلس الأعلى، التئمت العائلات وهيأة الدفاع وأصدقاء المعتقلين والجمعيات الحقوقية المساندة لهم في مهرجان خطابي حاشد تضامنا مع جميع المعتقلين في القضية، وتجديدا للدعوة لإطلاق سراحهم. فعند حدود الساعة السادسة من مساء أول أمس الخميس، كانت عائلات المعتقلين السياسيين الستة في قضية بليرج أمام باب قاعة بن بركة بحي المحيط بالرباط في استقبال المشاركين في المهرجان الخطابي الذي أقيم تضامنا مع ذويهم ومع باقي المعتقلين في قضية بليرج التي أثارت جدلا سياسيا وإعلاميا كبيرين. رغم مرور ثلاث سنوات على تفجر القضية، ورغم إسدال الستار عن المرحلتين الابتدائية والاستئنافية اللتين انتهتا بإصدار أحكام قاسية على جميع المتابعين تراوحت بين السجن المؤبد لعبد القادر بليرج، المتهم الرئيس، وسنتين سجنا نافذة كأقل عقوبة في حق أحد المعتقلين السياسيين الستة،وهو حميد ناجيبي، على الرغم من مرور كل هذا الوقت فإن أصوات العائلات مازالت عالية تصدح في كل مكان: “اطلقوا سراحهم إنهم أبرياء”. بصوت واحد انطلق المهرجان مرددا شعارات نزار قباني “إذا الشعب يوما أراد الحياة..فلابد أن يستجيب القدر”. كان صوت أطفال المعتقلين يعلو مكسرا النبرات الحادة لباقي المتضامنين...بدا صوتا طفوليا حزينا ومكلوما...الألسن تلهث بالشعارات والأيادي الصغيرة تتخبط بين الجموع المتراصة لترفع علامات النصر الصغيرة عالية أيضا...حفظوا الشعار ورددوه مرات عدة داخل القاعة في مشهد مؤثر للغاية. يقول بعض الحاضرين “لم يعدوا أطفالا، بل أصحاب قضية”. الشعارات تعلو في كل مكان..والدالفين إلى القاعة يلتحقون بها من أمام الباب إلى منصة الحضور المتنوع، مرورا بوسط القاعة. “لا لا ثم لا...لمخزن المهزلة”...”أباطيل أباطيل...لا حجة ولا دليل”، وسرعان ما يتسرب حماس شارع بورقيبة وميدان التحرير إلى قاعة بنبركة بالرباط فيتوحد الجميع في دعم الثورتين التونسية والمصرية مرددين “تحية شعبية للثورة التونسية...تحية شعبية للثورة المصرية”. كان الحضور متنوعا وحاشدا..من عائلات المعتقلين وأبنائهم وأصدقائهم، إلى ممثلي الجمعيات الحقوقية التي ساندتهم، وهيأة الدفاع التي تبنت القضية منذ أواخر سنة 2008، إلى قياديين في حزب العدالة والتنمية الذي حضروا دعما للمعتقلين في الملف، خاصة زميلهم ماء العينين العبادلة، الذي احتجت عائلته مؤخرا على موقف الحزب المحتشم من القضية. للافتات التضامن مع الثورة العربية معلقة في كل مكان...وصور المعتقلين السياسيين تارة مكممي الأفواه، وتارة أخرى تحتمي بظل حمام أبيض يكسر الطوق ليرفرف عاليا. كان النقيب عبد الرحمن بنعمرو، أول المتدخلين في المهرجان. ودعا “المجلس الأعلى إلى تدبر الظروف التي يمر منها العالم العربي”، مشيرا إلى أن “عدم الاستجابة إلى مطالب الشعب يجعل مصير كل نظام ومؤسساته هو الانهيار”. وتابع بنعمرو قائلا “لقد وصلنا إلى المرحلة النهائية...ونحن تحملنا مسؤوليتنا كدفاع، فهل سيتحملون مسؤوليتهم كقضاة للمجلس الأعلى؟ هل سيحمون القانون؟ وهل سيتعظون مما يجري في العالم العربي؟ هل سينحازون إلى إرادة الشعب أم إلى الطبقة الحاكمة؟”. لم يكد النقيب بنعمرو يتمم كلمته، حتى اهتزت القاعة وتعالت الشعارات “الشعب يريد إسقاط الفساد”..اشتد الحماس وتوالت الشعارات لدقائق. يقول أحد الحاضرين “لن نصمت ولن نسكت إلى أن يطلق سراح ذوينا”. من كلمة سياسية وحقوقية ألقاها النقيب بنعمرو تجاوبت معها القاعة، حاصر الحاضرون دموعهم وهم يسمعون كلمة مؤثرة وصرخة مذوية نابت فيها سعاد السقيطي، زوجة المصطفى المعتصم عن عائلات باقي المعتقلين. بعضهم حاصرت الدموع، والبعض الآخر، هدأت روعته بالاستغفار وتلاوة آيات من القرآن. زوجة المعتصم نفسها، بدت تضغط على مشاعرها وأحاسيسها حتى لا تزيد من لوعة الكلمات التي كانت حارقة بكل المقاييس. “ثلاث سنوات مرت على اختطاف أهلنا واجتتاثهم من أحضان أبنائهم..مرت ثلاث سنوات مثل كابوس جبار..ثلاث سنوات بين اليأس والأمل والقنوط والرجاء..ثلاث سنوات على رصيف الانتظار، ونحن ننتظر هل سيعودون ويجمعنا معهم كأس الشاي الجميل؟ لقد اقتلعوهم من بيننا كما تُقتلع النخلة الشماء من واحتها، وكسروهم كما تكسر أعمدة الدار، وهل تقوم الدار بدون أعمدة؟” تقول زوجة المعتصم بلوعة. وتضيف “سنوات ونحن زوجات المعتقلين، وإخوانهم وبناتهم وأخواتهم وأقاربهم نكتوي بجمر الفراق وما أصعب الانتظار”. كانت تتوقف بحذر حتى لا تزيد من حرارة الموقف المشتعلة..كان أبناؤها يتعقبونها بعيون دامعة، تماما كما أبناء باقي المعتقلين الآخرين. كانت كلمة مؤثرة سردت معاناة أسر انقلبت حياتها ذات غرة اقتحمت فيها عناصر الأمن بيوتهم الآمنة لتقتلع أعمدتها وتزج بها بين حيطان الزنازن الرطبة. لكن، وعلى الرغم من كل ذلك، فالعائلات لازالت صامدة ومتشبتة بمواصلة النضال وإشعال أجسادها شمع بدل لعن الظلام. تقول زوجة المعتصم “لقد تعلمنا طيلة هذه المدة المشي فوق جراحنا، يكبر أبناؤنا ويكبر معهم الإحساس بالظلم..”، ووعدت المعتقلين السياسيين بقولها “لن نخون عهدكم، وسنرفع صوركم في كل المحافل، وسنهتف لكم إلى النصر”. ردت القاعة على كلمة عائلات المعتقلين بحرارة، وجعلت وعد العائلات وعد شعب قال “وعهد الله لن نخون...إخواننا في السجون”. تعدت الرسائل السياسية التي ألقيت خلال المهرجان التصامني، وكان أقواها رسالة الفنان الساخر أحمد السنوني، الذي استقبله الحاضرون بالهتاف قائلين “تحية نضالية لفنان القضية”. بدا السنوسي متذمرا كعادته، ومنذ الوهلة الأولى ضم إليه تجاوب كل الحاضرين الذين صفقوا له بقوة. صعد السنوسي المنصة وفي جعبته رسائل كيرة، أولها “منهم من خلع ومنهم من هرب ومنهم من ينتظر”، يقول. ويضيف “هذا زمن الربيع...ربيع الحريات في العالم العربي، لكن يجب ألا نبالغ في الفرح لأن الآمال لم تتحقق بعد كلها...فالأحزاب الاصطناعية تزول مع الديكتاتور، والخوف اليوم في قلوب الطغاة، أما الشعوب فقد انتصرت على هذا الخوف”. ورد المتضامنون على بداية السنوسي قائلين “من القاهرة للرباط...مانعيشوش تحت الصباط”. مع توالي الكلمات كانت حرارة حماس القاعة ترتفع شيئا فشيئا، وكان الفنان الساخر يوازن بين السخرية والرسائل السياسية المشفرة وغير المشفرة، قائلا “المتمردون لن يصنعوا التاريخ، والخائفون لن يصنعوا الثورة، وهذا الزمن زمن الشعوب”. وأضاف بسخريته المعهودة “الشعوب مثل البراكين والزلازل...قد تسخن فجأة، لكن للأسف ليس لها سلم ريشتر، وكل واحد منا له بركان داخلي”. وزاد “الكراسي هي الأخرى تعبت وستخرج في مظاهرات...أخلوا البرلمان فهو غير نافع وامنحوا كراسيه الوتيرة إلى المستشفيات فهي في حاجة إليها...وبدل أن تقفلوا مكتب الجزيرة أقفلوا قناة الرباط فهي لا تصلح لشيء”. ومضى بحماس مفرط “لم يعد هناك داع من تخويفنا بالخطر الإسلامي، فهذه لعبة انكشفت..أما الإرهاب فمن يتهم به هم من يستضيفون رموزه”. وزاد قائلا “إذا استضاف ابن وزير الخارجية مرة أخرى المجرمة ليفني فأنا من سيهاجمه، وسأحرق نفسي لأن هؤلاء هم الإرهابيون الملطخة أيديهم بدماء آلاف الفلسطينيين، أما المعتقلين السياسيين الستة فقد قدموا هدية للخارج، وإدانتهم مملاة من خارج الحدود”. غادر السنوسي المنصة، تاركا صدى كلماته يرن داخل القاعة التي صاحبته بالتصفيف والهتاف من البداية إلى النهاية. وبنفس الحماس، استقبلت القاعة كلمة، خالد السفياني، عضو هيأة الدفاع ومنسق لجنة التضامن مع المعتقلين السياسيين الستة. طوال مدة المهرجان الذي دام حوالي ثلاث ساعات، ظل المحامي السفياني منشغلا بهاتف المحمول. وفي اللحظة الأولى الذي صعد فيها المنصة، أوضح أنه كان يتتبع برامج الجزيرة في انتظار خطاب حسني مبارك. واستهل كلمته بالقول ” شاءت الصدف أن تجتمع في هذه اللحظة التاريخية الكبرى، ومن يسمعنا أن يعرف بأنه بثورة مصر وتونس لم يعد هناك مجال للاعتقال السياسي في كل قطر من أقطار الوطن العربي”. وزاد بلهجة حادة “يا من يسجلون...يا أجهزة الأمن السرية والعلنية التي تدون كل ما نقول الآن...ارفعوا التقارير حتى لا يقول حكامنا إذا بانهم لا يعلمون شيئا”. وأضاف “على النظام المغربي أن ينتبه جيدا وينقذ ما يمكن إنقاذه في هذا الوطن، فنحن نريد تغييرا عميقا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وقضائيا، وحذاري من العودة إلى سنوات الرصاص بشكل أفضع، فمثل هذه الأمور هي التي أدت إلى الثورة في تونس ومصر ويمكن أن تؤدي إلى ثورة في كل قطر من أقطار الوطن العربي”. ظل السفياني يصرخ، وظلت هتافات القاعة تقاطعه عند نقطة كل موقف. وزاد قائلا “نحن أمام لغز محير: من يحكم هذا البلد؟”. مباشرة بعد إنهاء التدخلات، خرج المتضامنون في وقفة احتجاجية سلمية انطلقت من أمام قاعة بنبركة حاملة لافتات “غيفارا” وصور المعتقلين السياسيين. الوقفة انطلقت من أمام القاعة وجابت شوارع حي المحيط إلى أن وصلت أول شارع الحسن الثاني. كانت المسيرة تمضي ويلتحق بها بعض المواطنين، وعدد أكبر من رجال الأمن بزي مدني. وفجأة بدأت سيارات الأمن تتقاطر بسرعة فائقة إلى أن حاصر سياج أمني أول الوقفة مانعا إياها من التوغل نحو شارع باب الأحد. المحتجون رفعوا شعارات عديدة مساندة للثورة. وواجهوا رجال الأمن بشعارات “التظاهر حق مشروع والمخزن مالو مخلوع”. جريدة أخبار اليوم السبت/الأحد 13 فبراير2011