تحدثنا في المقال السابق عن العلاقة بين الصحافة الالكترونية والورقية وتوصلنا إلى استنتاج يفيد بأن النموذج الالكتروني سيكون بديل حتمي للورقي، وأن المنافسة الحقيقة ستظل بين الصحافة الالكترونية والفضائيات كوسيلة إعلامية عالمية التأثير. ووفق الإحصاءات والدراسات فإن عدد مستخدمي الانترنت في العالم العربي يتزايد يوما بعد يوم، كما أن حجم تأثيره يتضاعف على الفئات العمرية الأصغر التي تمثل مستقبل الأمة العربية فنجد أن نسبة تتعدى 75% من الشباب والناشئة يفضلون الوسائل الالكترونية عن الورقية، وهناك اتجاه للعزوف عن استخدام الورق عموما. من ناحية الانتشار والكثافة، فإن التعاملات اليومية العادية التي تتطلب تدخل الإعلام تزداد بشكل كبير، فإن نظرنا إلى نوعية الأخبار والموضوعات التي كانت تتناولها وسائل الإعلام منذ 10 أعوام أو أكثر قليلا، سنجد أن عناوين الصحف والمجلات كانت تقتصر على شخصيات بعينها وكانت تتطلب الاهتمام بفئات محددة كمصادر للأخبار والمعلومات، حتى أن الصحفيين أنفسهم كان عددهم يمكن إحصائه بسهولة، فهناك فلان وفلان في صحيفة كذا، أما الآن فإن حجم التناول يأخذ توجهات ومساحات أكثر انتشارا. لو ضربنا مثلا بالفن والسينما، فلنتذكر كم عدد الأفلام السينمائية التي كان يتم إنتاجها في الثمانينات أو التسعينيات، فلن نجد صعوبة في إحصاء ذلك سنجد أنفسنا نتحدث عن 4 أو 5 نجوم سينما معروفين مثل ( عادل إمام – نادية الجندي – أحمد ذكي – إلهام شاهين ) أما الآن فسوف نتحدث عن عشرات الأفلام ومئات النجوم سنويا، وكذلك الحال بخصوص الانتاج الدرامي، والرياضة، والفعاليات الثقافية، والاحداث السياسية، والتحولات الاقتصادية، وهذا يجعلنا أمام حقيقة مهمة وكثافة كبيرة من الإحداث والمعلومات لا يمكن للورق استيعابها أبدا. من ناحية المتابعة للأحداث فإن وسائل الاتصال الحديث صنعت جيل جديد من رواد الإعلام لم يكن موجود في الماضي، فقد كانت نوافذ الصحافة الرسمية والشرعية ضيفة ومخنوقة، وكانت قاصرة على فئة معينة من الصحفيين، حتى أنها وصلت إلى درجة الاحتكار لبعضهم والتوريث للبعض الآخر. فلم يكن من السهل لصحفي يمتلك موهبة وقدرات إعلامية متميزة أن يحصل على نافذة يمكن من خلالها تقديم موهبته، ولعل الانترنت فتح كل النوافذ على مصراعيها، فإن لم تستطع أن تقدم موهبتك بالطريقة الرسمية فسوف تفرضها على تلك الجهات بالطرق المتاحة عبر صفحات الويب من خلال مواقع التواصل الاجتماعي أو المدونات والمنتديات المجانية. ببساطة يمكنني أن أؤكد الآن أننا في عالم يحترم الموهبة الإعلامية ويدعمها، ولكن ذلك لا يمنع أننا يجب أن نضع المعايير التي تساعد تلك المواهب وتعطيها المصداقية. توصلنا الآن إلى استنتاج جديد يفيد بأن الانترنت سيساهم بقوة في صناعة جيل جديد من رواد الإعلام العربي، لا ينتمون إلى حكومات أو مؤسسات أو إمبراطوريات إعلامية، ولكنهم يمتلكون مقومات الموهبة ويسعون إلى ثقلها من خلال البحث الدءوب والعمل الجاد. لا شك أننا سنسعى في الاتحاد العربي للصحافة الالكترونية من خلال خططنا الإستراتيجية للارتقاء بالإعلام العربي إلى المستوى العالمي إلى انتقاء أصحاب المواهب وتنمية قدراتهم من أجل بناء جيل من الرواد قادر على المنافسة ويتحمل مسئولية المهمة التي ستساعد في الارتقاء بالثقافة العربية ونقلها إلى العالم.