مدن الدم عديدة ومشهورة عن سواها من مدن الدنيا.. ليست واحدة متفردة يمكن القول إنها وهبت الدم أنهارا ومضت في دوامة التاريخ. التي تفردت بالرجل العظيم هي كربلاء, ذلك هو الحسين,وتميزت أنها عائدة إليه وماضية أيضا.ومدن الدم لم يزرها الحسين ولم يضطجع فيها ولم يذبح من الوريد الى الوريد على ثراها ولم يدفن فيه ولم يجتذب الملايين كالفراش المبثوث طوال ساعات الليل والنهار كما فعل في كربلاء. جاء من من يثرب بعد أن تنعم بجوار الكعبة أياما ودعا ربه وطاف بالبيت العتيق ولبى .وصل أرض العراق وعرف مسبقا أنه مقتول على ثراها مسلوب العمامة والرداء ومقطوع الإصبع ومفجوعا بالبنين والأخوة وبني العم وبسبي الأهل من نساء وصغار وعليلي الأجساد. وعلى أرض الطفوف وعند شاطئ الفرات ,لم يكن أكثر المؤرخين تشاؤما ليتصور أنه سيؤرخ لسيرة رجال يقتلون عطاشى وهم الى جوار أشهر أنهار الدنيا! ويالها من مصيبة أقضت المضاجع ,وفضحت نفاق المسلمين وجهلهم بحقائق التاريخ وتحولات الغد ,والإصرار على الحماقة من أجل أيام في السلطة سرعان ماتنقضي وتمضي ,ولايبقى سوى الحق يصدع به أهله, ولايكون للمتشبثين بالباطل إلا أن يعرفوا أنهم صنعوا سيوفا بتروا بها أطرافهم ,ورماحا خرقوا بها بطونهم ,وإن لعنات السموات والأرضين تصعد وتنزل من بين أرجلهم ومن خلفهم, كما تهاوت حجارة السجيل على قاصدي الكعبة ليدمروها ,بينما يعلو شأن الباذلين المضحين ويرتفع. رايات الحسين ومنذ مئات من السنين رفرفت على سطوح المنازل وفي الساحات العامة وعلى مقرات الاحزاب وعند المساجد وعلى ضفاف الشوارع الحزينة ..حمل الشيوعيون أوتاد صلبهم وهم يفاخرون بالنضال الذي تعلموه من الحسين ,والوثنيون قالوا بدروسه التي علمتهم النصر وهم في دائرة الهزيمة ,ولم يوفر دعاة الإسلام وحتى الإدعياء منهم جهدا إلا وبذلوه ليعبروا عن ملحمتهم في الحياة التي إقتبسوها من سفر الخلود الكربلائي العظيم,كلهم قالوا نحن أتباع الحسين ومنهم الصادق وكثير يكذبون ,فهو أمة لوحده وعنوان كبير للكفاح والنضال والجهاد من أقصى الأرض الى أقصاها ,ليس ملكا لأحد ولاوسيلة لدين أو مذهب . هو اللحظة التي يستنشق العبيد فيها عبق الحرية, وهو الدمعة التي تراودني كلما تذكرت يتمي ,وهو الضوء في ظلمة القسوة وتجبر الجبابرة وطغيان الطغاة ,هو الحسين...هو الحسين. هو الآن بيننا نسج حياة لاتنقطع, لأنه فينا كل يوم .هو كل ارض كربلاء ,وهو كل يوم عاشوراء ,وهو الحسين وكفى فخرا.. [email protected]