بعد أن انتهى الجدل القائم حول الكاريكاتير، هل هو أصيل في الصحافة أم أنه متطفِّل فقط .. تم الاعتراف به وتضمينه بمزيد من الاحترام، بعد أن كان لزمن طويل يعتبره البعض ابن غير شرعي للصحافة. ولما كان تاريخ الرسالة المرسومة أقدم من تاريخ الرسالة المكتوبة، وكانت الحروف نفسها تندرج في منتوج الرسم، كان لابد أن يعاد احترام التاريخ ، وعندما أقرت بعض كليات الإعلام الحديثة أن رسام الكاريكاتير هو الصحفي رقم واحد إذا استوفى شروط المواكبة والجودة كما يقول أستاذ الإعلام والصحفي «مرتضى الغالي». إن الصحفي الكاريكاتيري، يلخص الحدث ويقدمه بأبسط وأسرع صورة، إنه مثل الزئبق، يتشكّل في كل الأقسام الصحفية.. وبنفس الروح والبساطة والسرعة، في الأقسام الرياضية، الاقتصادية، الاجتماعية، إلخ.. يصل إلى القارئ بشكل فني يجبرك أن تتعامل معه، بازدواجية الصحافة والفن، لكنك تستقبله ككتلة واحدة. هذا ليس من باب الزهو، إنما حقائق تحققت في فترات و أماكن مختلفة في أرض الواقع.. وإذا حاولنا أن نقيس النقطة الحرارية في «تيرمومتر» العلاقة بين فن الكاريكاتير والصحافة اليومية في السودان، وبالنظر إلى تنقلات رسامي الكاريكاتير في الصحف المختلفة في الفترة الماضية سنكتشف أن هناك تحولاً طفيفاً في الاتجاه الصحيح. فقد ظلت العلاقة بين الصحافة و الكاريكاتير، و لزمن طويل مبهمة ولا تقوم على أُسس معروفة، وإنما مبنية على «الأمزجة الشخصية» شأنها في ذلك شأن أقسام أُخرى من ركائز الصحيفة .. لكن الكم الهائل للصحف التي غزت السوق السودانية، لأغراض سياسية وتجارية، ساهم في خلق نوع من المنافسة، فرضت على الصحف تقديم تنوع في المحتوى الصحفي، وخلقت تطوراً في مفاهيم العاملين في الصحافة استشعرت حاجة القارئ إلى الكاريكاتير، مضافاً إلى كل ذلك الحُلة الزاهية التي لبسها الكاريكاتير بعد دخول الألوان عليه، والتقنيات التي سمحت بخلق مشهد بصري جديد و غير تقليدي في عين القارئ، كل ذلك جعل الكثيرين من القائمين على إدارة الصحف – الأذكياء منهم – يدركون أهمية وجود الكاريكاتير، بمعنى أن وجوده أصبح مهم، بغض النظر إن كان يعبر عن سياسة التحرير أو عن رأي الرسام الشخصي، هذا يعني أننا تجاوزنا بعض عقبات المفاهيم الشخصية، مثل الاعتقاد بأن «الكاريكاتير ترف صحفي» و يمكن أن يُستبدل في أي لحظة بصورة فوتوغرافية أو مادة تحريرية بعض الصحف ما تزال تقوم بهذه المنغصات وهذا لا ينتقص من قدر المادة التحريرية أو الصورة، لكن إذا كانت الصحيفة أصلاً تعتمد في إخراجها على نسبة عالية من الصور الملازمة للمواد التحريرية ما جدوى التغول على مساحة الكاريكاتير؟! نقطة أُخرى كانت تقف حجر عثرة لزمن طويل، و تتمثل بالسؤال المتكرر: هل تخلق المادة الكاريكاتيرية أثراً صحفياً على الصعيدين «الخبري والتجاري»؟ بمعنى هل ردود الأفعال التي ينتجها الكاريكاتير من تناوله لقضية ما قادرة على تحريك الحدث وافتعاله!؟ كانت الإجابة المسبقة دائماً أن «لا، ربما» ودون استثناء في أسماء رسامي الكاريكاتير، ثم بدأت الاستثناءات التي مهدت لأن تكون الإجابة «نعم، الكاريكاتير قادر على تحريك الحدث وافتعاله» وهذا الاعتراف مهّد بدوره أن يكون رسام الكاريكاتير «نجم شباك»، شأنه في ذلك شأن نجوم الصحافة من كتّاب مواد الرأي المشهورين. الأستاذ «إسحاق أحمد فضل الله» رئيس تحرير صحيفة (الوفاق ) قال في لقاء تلفزيوني جمعه مع فناني الكاريكاتير فارس صالح و عبد العظيم بيرم بأن “رسامين الكاريكاتير محظوظين، يعتلون سلم الشهرة الصحفية أسرع من الآخرين”. كثير من رؤساء التحرير في العالم يعترفون أن الكاريكاتير يجذب القارئ بصورة دائمة، حتى أن بعض إدارات الصحف قامت بترحيله عكسياً من الصفحات الخارجية (الأولى والأخيرة) إلى الصفحات الداخلية حتى لا يكتفي القارئ بالنظر إلى الكاريكاتير دون أن يشتري الصحيفة. وإذا كنا في مرات سابقة قد تحدثنا عن دور الكاريكاتير في أرشفة الأحداث بصورة يومية وبسيطة وجاذبة نقول اليوم إن الكاريكاتير يمثل مكسباً تجارياً للصحيفة من خلال أداء رسام الكاريكاتير المتميز الذي يراعي واجبه المزدوج كفنان وصحافي فيكون بذلك بمثابة دليل أو منارة تلفت سفن القارئ لترسو على شواطئ الصحيفة. فنان كاريكاتير سوداني