طالما اعتبرت الديمقراطية على الدوام هي أقل أنظمة الحكم سوءا، والذي على أساس هذا الشعار يقوم المواطنون وبشكل دور يحسب القانون باختيار ممثليهم لاستلام مناصب السلطة التشريعية أوالتنفيذية أو المؤسسات المحلية، وذلك وفق آلية التصويت التي تعد وسيلة هامة وأساسية يمكن للأفراد من خلالها التأثير على القرارات التي تخصهم. غير أنه رغم أهمية العملية الانتخابية، ظلت المسألة الانتخابية في التجربة المغربية ومنذ الاستقلال، مشوبة بالعزوف الانتخابي جراء مجموعة من الأسباب أهمها يأس المواطنين من المجالس التي يتولى تسييرها أميين لا دراية لهم بالتدبير الإداري، واستعمال المال الحرام في كل موعد انتخابي، وكذا تزكية الأعيان من قبل الأحزاب السياسية الذين لا هم لهم إلا مصالحهم الشخصية بعيدا عن المصلحة العامة أو التنمية المحلية للمجالس التي يتولون تسيير أمورها، وهو الأمر الذي يجعلنا نقف على جملة من المعطيات التي تساهم في استدامة وضع الستاتيكو عند كل رهان انتخابي؛ أولا: في التكييف السياسي لانتخابات 4 شتنبر 2015 رغم الإكراهات التي تضغط على العملية الانتخابية المزمع إجراءها يوم 4 شتنبر 2015، فإن الخوف من تدني نسبة التصويت، يطرح سؤالا على عقل الدولة ما هي رهانات أول انتخابات لما بعد دستور 2011؟ هل تريدهاأن تمر بأقل تكلفة سياسية على مستوى الخريطة الانتخابية؟ أم تريد إنتاج تجربة مجالس جماعات ترابية برهانات محدودة تخضع للتوازنات السياسية القبلية؟؛خاصة وأنها أول انتخابات جماعية ستتم في ظل دستور 2011 الذي يتسم بمجموعة من المستجدات أهمها:إقرارالمشرع الدستوري ولأول مرة بشكل واضح في الفقرة الرابعة من الفصل الأول بأن التنظيم الترابي للمملكة هو تنظيم لامركزي يقوم على الجهوية المتقدمة، وهو مايعني أن البناء المؤسساتي للدولة المغربية وتدبير مجاله الترابي تتقاسمه كل من السلطة المركزية والمجالس المنتخبة للجماعات الترابية. وقد أفرد دستور 2011 الباب التاسع للجماعات الترابية، من خلال التحول المهم على مستوى التسمية، ففي الدساتير السابقة كان المشرع الدستوري يستعمل الجماعات المحلية للدلالة على الوظيفة الإدارية لهذه الجماعات، مع دستور 2011 تم استعمال الجهات والجماعات الترابية الأخرى، حيث أدخل المشرع الدستوري البعد الترابي في تصوره للجماعات المحلية باعتباره أحد المداخل الأساسية والجديدة للسياسات العمومية ومحددا مرجعيا وفاعلا أساسيا لتحقيق التنمية الشاملة والمندمجة. وهو ما بدأ يطرح معه مفهوم الذكاء الترابي بالانتقال من تراب القوة المتمث في الوصاية التي كانت مضروبة على الجماعات الترابية من قبل سلطة الوصاية، إلى قوة التراب من خلال الصلاحيات الواسعة التي أضحت تتمتع بها في ظل القوانين التنظيمية المؤطرة لاختصاصات الجماعات الترابية سواء الحضرية أو القروية وكذا مجالس الجهات ومجالس العمالات والأقاليم. ثانيا: في الستاتيكو الانتخابي لقد ظلت نسبة المقاطعين لكل استحقاق انتخابي ومن حيث لا تدري، تخدم مصالح جبهة الفساد التي تفوز عند كل موعد انتخابي بأقل نسبة من الأصوات الصحيحة المعبر عنها، وبالتالي يتولى تسيير المجالس المحلية مجموعة من الأميين والأعيان التي تهدف لخدمة مصالحها الشخصية مسخرة الاختصاصات الممنوحة لها بحكم القانون، لذا كان الغائب الأول في هذه المعادلة هي التنمية المحلية وخدمة مصالح المواطنين؛ الشيء الذي يجعلنا نستنتج معطى في غاية الغرابة هو التحالف المبطن بين المفسدين للانتخابات – الذين لا هم لهم إلا شراء ذمم المواطنين والتحكم في مصائر بعض الموالين لهؤلاء الأعيان الذين يتحالفون معهم أيضا في تسهيل بعض أغراضهم الإدارية ضدا على المساطر القانونية- مع فئة المقاطعين للانتخابات التي تعتقد من زاوية فهمها للأمور أنها لا تريد الانخراط في عملية لا طائل منها، طالما أنها محسومة سلفا، لكنها لا تدري أنها المساهم الرئيسي في فوز الطرف الأول، نتيجة عدم مشاركتها في الإدلاء بصوتها من خلال منحه ليس لمن يستحقه، ولكن على الأقل للحزب الذي يتولى ترشيح ذوي الكفاءات؛ ثالثا: في تغيير المعادلة الانتخابية:انحسار جبهة الفساد وتوسيع جبهة المشاركين لما كانت جبهة الفساد تتغدى من العزوف الانتخابي الذي تساهم فيه جبهة المقاطعين إضافة لعامل الفقر، مقابل ذلك نجد جبهة المقاطعين التي تستحكمها السلبية في ممارسة مواطنتها الإيجابية، بناء على العقد الاجتماعي الذي يحميه القانون، والذي يؤهلها لممارسة حقوقها المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، غير أنها تختار لنفسها أن تكون في وضع المتفرج والمفعول به؛ وهو ما ينعكس من جانب علم السياسة على معامل التكامل والاستقرار داخل المجتمع، وزيادة معدلات مشاركة الجماهير في الحياة السياسية،وتدعيم قدرة الحكومة المركزية على إعمال قوانينها وسياساتها على سائر إقليم الدولة، وذلك حتى لا تسقط الدولة فيما يصطلح على تسميته بأزمات التنمية السياسية والمتمثلة في: * أزمة الهوية: التي تحدث عندما يصعب انصهار كافة أفراد المجتمع في بوتقة واحدة تتجاوز انتماءاتهم التقليدية أو الضيقة. * أزمة الشرعية: والمتعلقة بعدم تقبل المواطنين المحكومين لنظام سياسي أونخبة حاكمة باعتباره غير شرعي أو لا يتمتع بالشرعية. * أزمة المشاركة: وهي الأزمة الناتجة عن عدم تمكن الأعداد المتزايدة من المواطنين من المساهمة في الحياة العامة لبلادهم. * أزمة التغلغل: وهي عدم قدرة الحكومة على التغلغل والنفاد إلى كافة أنحاء إقليم الدولة وفرض سيطرتها عليه. * أزمة التوزيع: والمتعلقة بمهمة النظام السياسي في توزيع الموارد والمنافع المادية وغير المادية في المجتمع. لذا كان هناك ارتباط وثيق وتأثير متبادل بين المشاركة السياسية والتنمية السياسية، حيث تتيح التنمية فرصًا أكبر لتوسيع مجالات المشاركة، كما تخلق الحافز للمشاركة. في الوقت الذي تسمح المشاركة بممارسة الجماهير ضغوطًا على صانع القرار؛ لاتخاذ سياسات لصالح قضايا التنمية. ولقد جاء الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى الثانية والستين لثورة الملك والشعب ل 20 غشت 2015، ليضع الأصبع على أزمة عدم المشاركة الانتخابية، بسبب عدم قيام المنتخبين بواجبهم، بل منهم بمجرد الفوز يختفي لمدة خمس أو ست سنوات ولا يظهر إلا في الانتخابات الموالية؛ لذا وحتى يتم كسب رهان رفع تحدي نسبة المشاركة، حدد جلالته مواصفات المترشح التي يجب على المواطن التصويت عليه، ألا وهي شرطي الكفاءة والمصداقية، والحرص على خدمة الصالح العام والمواطن؛ كما اعتبر أن التصويت حق وواجب وطني، بل إنه وسيلة إما لتغيير طريقة التسيير اليومي لشؤون الجماعة أو لتكريس الوضع القائم، وهو ما جعله يؤكد على أهمية تحكيم الضمير وحسن الاختيار، وذلك تفاديا لتشكي المواطن من سوء التدبير؛ ومن المؤشرات الدالة على حس المواطنة هو تزايد عدد الذين قاموا بالتسجيل في اللوائح الانتخابية، إذ بلغ الذين سجلوا أنفسهم في اللوائح الانتخابية مليون ومائة ألف طلب حسب بلاغ لوزارة الداخلية؛ لذا فقد حمل جلالته المسؤولية للأحزاب السياسية التي تتحمل مسؤوليتها في تقديم مترشحين يتصفون بالجدية وجودة وواقعية برامجهم، مع حسن التواصل مع المواطنين؛ ولإنجاح هذه الانتخابات دعي جلالته انخراط فعاليات المجتمع المدني والهيئات النقابية على المشاركة في تعبئة وتشجيع المواطنين في العملية الانتخابية. إن المغرب مقبل حسب الخطاب الملكي على ثورة جديدة، لن تكون إلابمنتخبين صادقين، همهم الأول هو خدمة بلدهم، وهو ما يجعل مستقبل ومصير الجماعات الترابية يحدده المواطنين الذين سيصوتون على مرشحيهم، فلنجعل من هذه اللحظة التاريخية فرصة لفك الحصار على مجالسنا من قيد المفسدين.