في إطار سلسلة من الندوات التي برمجها اغراو نالريف ببلجيكا، انعقدت الندوة الثانية بتاريخ 6 فبراير الجاري حول موضوع "مستقبل الريف: جهوية أم حكم ذاتي....". شارك فيها كل من الباحث البلجيكي وينغارد تيبو، أستاذ جامعي متخصص في قضايا التاريخ والجهوية، وعبد الوهاب تدموري، طبيب و منسق منتدى حقوق الإنسان بشمال المغرب، إضافة إلى سليمان بلغربي فاعل جمعوي باسبانيا، وعضو اللجنة التحضيرية لحركة الحكم الذاتي بالريف. افتتح اللقاء احد ممثلي اغراو، الذي القي كلمة باسم التجمع الديمقراطي للريف. رحب فيها بالحضور الكثيف لأبناء الريف و الديمقراطيين و المشاركين في هذه الندوة كما ابرز فيها أهم مبادئ و أهداف التي أسس من اجلها اغراو نالريف. وكمدخل للندوة عرض البلجيكي وينغارد تيبو صورة شامة لتطور الدولة البلجيكية، وصيرورة انتقالها من دولة مركزية إلى دولة فيدرالية، حيث أبرز أن الدولة البلجيكية عرفت مخاضا عسيرا. إذ لم تتحول إلى دولة فدرالية إلا بعد مخاض عسير امتد إلى عقود من الزمن. فبلحيكا كانت بالأمس القريب دولة مركزية يسيطر فيها الفرونكفونيون على كل شيء، لكن نظرا لعدة مطالب ثقافية و لغوية و اقتصادية فلامانية، تحولت بلجيكا تدريجيا من دولة مركزية إلى دولة ذات جهتين (والونيا و فلامنيا)، لتصل إلى دولة فدرالية تضم ثلاثة جهات بعد تشكل مقاطعة بروكسيل كجهة مستقلة، و يرجع ذلك إلى سنة 1989 فقط ، إذ أضحت جهة بروكسيل تتمتع بمؤسسات مستقلة شانها شان باقي الجهات البلجيكية. الباحث البلجيكي غاص أيضا في الصلاحيات التي تتمتع بها الجهات و البلديات في بلجيكا الفدرالية و مدى علاقتها بصلاحيات الدولة الفدرالية. عبد الوهاب تدموري، بنى أطروحته على كون المغرب لم يعرف أبدا سلطة مركزية، و أن الاستعمار كان عاملا حاسما في تكوين الدولة المغربية الحديثة بسلطة مركزية مطلقة تجمع جميع السلطات في يد واحدة. ووقف تدموري عند التناقضات في الخطاب الرسمي للدولة المغربية، بحكم أن المخزن كان دائما يتحدث عن الجهوية، لكن جهوية يتحكم فيها الهاجس الأمني، بدل التنموي و فارغة من أي محتوى. و أشار بان رسميا كان النظام يتحدث عن ستة جهات، و بعدها عن 16 جهة. وفي نظره فخطاب الجهات ليس بجديد في المغرب، وحتى الخطاب الأخير لم يأتي بجديد ماعدا الإقرار الرسمي بضرورة ترسيم الجهات على كافة التراب المغربي. وبالنسبة للتدموري، فمشروع الجهوية يجب أن يكون مشروعا نضاليا، يعيد النظر في مجال الحكامة في المغرب و يقر بالحقوق الثقافية و اللغوية و التاريخية للجهات. وفيما يتعلق بالريف طالب تدموري باعتماد خريطة الريف الكبير التي رسمها المجاهد محمد بن عبد الكريم الخطابي. فبحسبه الريف لا يمكن بنائه على المعيار اللسني فقط، بل يجب اخذ بعين الاعتبار المعايير التاريخية و الاقتصادية و السيو-ثقافية لشمال المغرب/الريف الذي يمتد بالنسبة له على مساحة تضم نهر ملوية شرقا و البحر الأبيض المتوسط شمالا و المحيط الأطلسي غربا و نهر ورغة جنوبا. كما طالب بضرورة إعادة النظر في مفهومي السيادة الوطنية و السيادة الترابية و أيضا قانون الأحزاب السياسية و السماح بتأسيس أحزاب جهوية و العمل على تأسيس اوطونوميات الجهات في مغرب فيدرالي. سليمان بلغربي القادم من بلباو والمتشبع بالتجربة الاسبانية في تدبير شؤون الجهات، حيى اغراو نالريف على استدعائه إلى هذا اللقاء واستهل مداخلته بتفنيد ادعاءات الخصوم والمخزن معا القائلة بان المدافعين عن خيار الحكم الذاتي انفصاليين أو عملاء. وقف بلغربي عند أهم نقاط المرجعية الفكرية لحركة الحكم الذاتي، و بعض الخطوات التي أقدمت عليها الحركة والتي كان أبرزها الخروج بلافتة في إحدى مظاهرات فاتح ماي للمطالبة لأول مرة بحكم ذاتي بالريف. و عند وقوفه عند التجربة الاسبانية في هذا المجال، قال بان حركته تسعى إلى احترام الديمقراطية و حقوق الإنسان في المغرب. وقال بأن الاوطنوميا معناها ترسيم الريفية كلغة رسمية، الشيء الذي يتناقض جوهريا مع الجهوية المطروحة اليوم. كما أكد بان حركته حركة مستقلة و دعا مناضلي الأحزاب السياسية للبقاء في أحزابهم. منددا بإزالة الأراضي للفلاحين الريفيين، بدعوى بناء مشاريع تنموية بالريف. بلغربي توقف عند دور بعض المؤسسات التي شكلها المخزن لاحتواء الثقافة و اللغة الامازيغية كالمعهد الملكي للثقافة الامازيغة مثلا، داعيا الريفيين إلى عدم الاكتراث إلى ما يقع في الرباط و الاهتمام بشؤونهم. و في الختام دعا بلغربي أبناء الريف إلى موعد حدده في الصيف المقبل لمناقشة مستقبل الريف و الخطوات المقبلة لحركتهم. اللقاء تميز بحضور وازن للريفيين و المهتمين من مختف المشارب السياسية و الفكرية، ساهموا بنقاشهم و تساؤلاتهم ليس في اغناء النقاش فحسب، بل بحضورهم و أرائهم ساهموا في إنجاح النشاط ككل، معبرين بان الريفيين و المغاربة يساندون أي خطة جدية تخرج العمل الجمعوي و السياسي من الغموض الذي اكتنفه في العقود القليلة الماضية، و أنهم جاهزون للانخراط الايجابي في أي خطوة تعيد لهم و لتاريخهم و للريف الاعتبار. تدخلات الحاضرين كانت غنية، حاول البعض من خلالها إبراز مكامن الخلل في الريف، وعلاقته بالسلطة المركزية، داعين إلى نهج أسلوب الحذر و عدم السقوط في الفخ في التعاطي مع كل ما يعرض عليهم، لان في نظرهم المكاسب تنتزع و لا تعطى. و تساءل البعض عن دور منظمات المجتمع المدني في الريف، متمنين خروجها من قفص الاحتواء الذي وضعت فيها بعد زلزال الحسيمة سنة 2004 و التوجه نحو المستقبل بكل ثقة، بما فيه الخير لكل الريف و الريفيين و المغرب أيضا. و تمحورت جل التدخلات حول عن أي جهوية يمكن تبنيها؟ و أي دور للمهاجرين في التنمية الجهوية، و مكانة اللغة و الثقافة الامازيغية في ملف الجهوية أو الحكم الذاتي وقانون الأحزاب....الخ. عن لجنة الإعلام لاغراو نالريف