ولي العهد الأمير مولاي الحسن يستقبل الرئيس الصيني    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    جامعة عبد الملك السعدي تبرم اتفاقية تعاون مع جامعة جيانغشي للعلوم والتكنولوجيا    سفير ألمانيا في الرباط يبسُط أمام طلبة مغاربة فرصا واعدة للاندماج المهني    بوريطة: المقاربات الملكية وراء مبادرات رائدة في مجال تعزيز حقوق الإنسان    ولي العهد الأمير الحسن يستقبل الرئيس الصيني بالدار البيضاء الذي يقوم بزيارة قصيرة للمغرب    تحطم طائرة تدريب يودي بحياة ضابطين بالقوات الجوية الملكية    متابعة موظفين وسماسرة ومسيري شركات في حالة سراح في قضية التلاعب في تعشير السيارات    هل يؤثر قرار اعتقال نتنياهو في مسار المفاوضات؟    عشر سنوات سجنا وغرامة 20 مليون سنتيما... عقوبات قصوى ضد كل من مس بتراث المغرب    رسميا: الشروع في اعتماد 'بطاقة الملاعب'        أبناء "ملايرية" مشهورين يتورطون في اغتصاب مواطنة فرنسية واختطاف صديقها في الدار البيضاء    الصحراء: الممكن من المستحيل في فتح قنصلية الصين..    المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره        أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    استطلاع: 39% من الأطفال في المغرب يواجهون صعوبة التمدرس بالقرى    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة        رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لإسلام والعلمانية تعقيب وقراءة في مقال الأستاذ الحقوني مرزوق

لإسلام والعلمانية مرة أخرى .. تعقيب وقراءة في مقال الأستاذ الحقوني مرزوق/ الجزء الثاني والأخير
ثالث: التوافق بين الدين والعلم
ربما، من أكثر الأفكار التي قد تثير انتباه القارئ المعترض والناقد، وكذلك القارئ العادي، لمقال الأستاذ الحقوني هي فكرة الانسجام والتوافق بين الدين والعلم، التي تحتاج إلى شيء من التدقيق والتوضيح، حيث أورد الأستاذ الحقوني ما يلي " أن الدين والعقل لا يتناقضان وبالتالي فللدين والعلم هدف واحد، وهو إصلاح البشرية ..". لكن ما يلفت الانتباه في كلام الأستاذ الحقوني هو عدم تحديده لمجال هذا التوافق والانسجام من جهة، ومن جهة أخرى لم يحدد لنا كيف يتم هذا الوئام المفترض والمزعوم بين هذين العنصرين (= الدين والعلم ) المتعارضين والمختلفين إلى حدود التناقض والخصام؟.
ولعل من شأن هذا الغموض أن يعرض القارئ لمتاهات لا حصر لها، كتصوره مثلا أن العلم والدين شيء واحد لكونهما لا يتناقضان وفق تصور الأستاذ الحقوني، خصوصا أن لكل منهما ( = الدين والعلم) مجاله وثوابته ومنطلقاته ونتائجه وأهدافه، وبالتالي فإن لكل منهما منهجه الخاص.
ونشير في هذا السياق إلى أن محاولة التوفيق بين الدين والعلم ليست مسألة جديدة في التراث الديني عموما، وفي التراث الإسلامي خصوصا، كما أن مجال استعمال وتوظيف الأستاذ الحقوني لكلمة/ مفهوم الإصلاح الواردة في المقال الذي بين أيدينا ينحصر في المجال الديني فقط ولا يتعداه إلى مجالات أخرى؛ أي إلى مجالات أوسع من مجال التربية والأخلاق كما جاء في مقال السيد الحقوني، وبالتالي فإن التوافق الذي يتحدث عنه الكاتب يتم داخل المنظومة الدينية ( = المنظومة الإسلامية) وليس خارجها، حيث أورد قائلا " فيسقطون في مأزق الحكم عن فشل الدين في إصلاح أمور المسلمين وينسون أو يتناسون أن الخطأ ليس من الدين بل المشكل في محتضني هذا الدين". ومن هذا المنطلق يكون التوافق الذي يتحدث عنه الأستاذ الحقوني ينحصر في مجال إصلاح أمور المسلمين فقط وليس البشرية كلها، حيث أن ما قد يقدمه الدين من إمكانية إصلاح المجتمع قد يناسب المجتمع " الإسلامي " فقط، ولا يناسب المجتمعات الأخرى كالمجتمع الهندي أو الأوربي على سبيل المثال، خاصة أن السيد الحقوني قد حدد عملية الإصلاح هذه في الجانب التربوي والأخلاقي فقط، كما هو واضح من الفقرة التالية " فضياع الذات مسألة تربوية وأخلاقية، جوهرها هو تدخل الإنسان في صناعة بنية فاسدة ". وبالإضافة إلى هذا خضع الكاتب العلم للدين، وهو الأمر الذي يعنى أن نتائج العلم لا يجب أن تتناقض مع حقائق الدين،فكل تناقض أو خروج عن الدين يعتبر مرفوض دينيا حسب رأي الأستاذ الحقوني الوارد في الفقرة التالية " فالخروج عن سكة الكتاب والسنة يعنى الضلال المبين ".
وعلى أساس هذه الخلفية يكون العلم في خدمة الدين وليس العكس حسب موقف ورأي صاحب المقال، المشار إليه سابقا، وهو الأمر الذي يعنى كذلك أن الإنسان في خدمة الدين، وذلك من خلال إثبات الحقائق العلمية التي يتضمنها القرآن حسب رأي الإمام الشافعي(25) بينما أن الدين، في اعتقادنا، يجب أن يكون في خدمة الإنسان والعلم وليس العكس، حيث يوجد رأي سائد وشائع في الأدبيات الإسلامية يقول بأن الحقائق الأساسية والجوهرية التي تمس حياة الإنسان موجودة في القرآن، كما هو الأمر مع رأي الأمام الغزالي حيث قال (( ..فقد القى الله تعالى إلى عباده، على لسان رسوله عقيدة هي الحق على ما فيه صلاح دينهم ودنياهم، كما نطق بمعرفته القرآن والإخبار- يقصد الحديث النبوي – ثم القى الشيطان في وساوس المبتدعة أمورا مخالفة للسنة( المخالفة تعني الضلال حسب رأي الأستاذ الحقوني)، فلهجوا بها وكادوا يشوشون عقيدة الحق على أهلها فانشأ الله طائفة المتكلمين وحركوا دواعيهم لنصرة السنة ..)) (26).
فمن خلال هذا النص القصير يمكن لنا استنتاج الخلاصات التالية:
أولا : أن سياق بروز فكرة التوافق بين الدين والعلم في الفكر الإسلامي تزامن مع ظهور الفرق الكلامية التي جعلت من الدين المنطلق الفكري والفلسفي لبداية البحث في العديد من المسائل والقضايا، ومنها مسألة نشأة الكون والطبيعة، ومسؤولية الإنسان عن تصرفاته( مسألة القدر) ومسألة الخلافة وغيرها من القضايا الشائكة في الفكر الإسلامي.
ثانيا: أن التوافق الذي يتم الحديث عنه إسلاميا، يكاد ينحصر في مجال العلوم التي لا تتعارض مع الإسلام، حيث " لا يتناقض الدين مع العقل/ العلم " . وفي هذا الصدد أورد الأستاذ الحقوني الفقرة التالية " والحسن في التربية لدى المسلمين هو التشبث بالكتاب والسنة". لكن مع الأسف، مرة أخرى، لم يحدد لنا الكاتب ماذا يقصد بكلامه هذا؟ ماذا يقصد مثلا بالسنة التي كانت محطة اختلاف بين المسلمين على مدى التاريخ الإسلامي؟ وبالتالي عن أية سنة يتحدث الكاتب فكل طائفة/ فرقة لها تصورها الخاص للسنة ؟. والأمر يزداد تعقيدا أكثر عندما نعرف أن كل فرقة/ طائفة من الفرق الإسلامية تعتقد بصواب تصورها ورؤيتها للسنة، وبالتالي فإنها هي التي تمثل السنة النبوية حق تمثيل، ونؤكد في هذا الصدد أن عدد وحجم كل فرقة ما لا يعنى بالضرورة أنها على حق؛ أي أن صواب تصور فرقة ما لا يقاس بحجم وعدد أنصارها واتباعها.
ونحن عندما نطرح هذا السؤال فإننا ندرك جيدا ما ترتب عن هذا الموضوع – أي موضوع السنة - من خلافات و نزاعات فكرية وفقهية طيلة التاريخ الإسلامي، حيث مازالت مستمرة إلى يومنا هذا. كما أن القرآن الكريم نفسه يعتبر أيضا محطة اختلاف بين الفقهاء والمفكرين المسلمين، خصوصا عندما يتعلق الأمر بتفسيره وشرحه، حيث أن العقول البشرية تتباين في الفهم والرأي والتقدير من عالم لآخر. وذلك لكون أن كتاب الله (= القرآن ) لا يتكلم بنفسه ولا يشرح ذاته، وهو الأمر الذي يعني تباين أراء واجتهادات العلماء في تفسيره وشرحه لعموم الناس.
ثالثا: أن مسألة العلم في الفكر الإسلامي عموما وفي الفكر السني خصوصا ، يعتبر قدرا، كما هو واضح من النص السابق للغزالي، بمعنى أن العلم موجود في كتاب الله، وبالتالي فإن مهمة الإنسان هي اكتشاف هذه العلوم فقط ، وكل اكتشاف خارج السياق الديني يعتبر بدعة في نظر القائمين على الدين.
والجدير بالملاحظة أن كلمة ومفهوم الإصلاح لا تستعمل عادة في مجال العلم والمعرفة وإنما تستعمل مفاهيم ومصطلحات أخرى، التي لها معاني ودلالات مغايرة لمفهوم الإصلاح المعتمد في الفكر الديني، حيث نجد مثلا كلمة ومفهوم الاختراع، السعادة، الازدهار، الرخاء، التطور و..الخ، وبالتالي فإن العلم ينتقل بنا نحو التقدم والتطور والازدهار ؛ أي نحو الحداثة، بينما يحاول الدين تكريس الواقع السائد عبر " إصلاح " بعض الجوانب التربوية والأخلاقية في المجتمع دون أن يعنى ذلك علميا وعمليا بان التربية التي تتم خارج النسق الديني خاطئة وفاسدة كما يعتقد أغلبية المسلمين.
ومن هذا المنطلق يكون الخطاب الديني هو من يتحدث عن الإصلاح وليس الخطاب العلمي (نسبة إلى العلم)، حيث أن الحديث عن الإصلاح يقتضي وجود شيء فاسد. وهذا الشيء ناتج بالضرورة عن ابتعاد وتخلي البشر عن التعاليم الدينية وفق الخطاب الديني، وبالتالي فإن كل اختراع علمي خارج السياق الديني يعتبر بدعة وضلال، وكل بدعة مصيرها معروف مسبقا.
فمن المعروف أن الدين له مجاله الخاص وللعلم مجاله الخاص أيضا، وهما مجالين مختلفين تماما، فالدين له ثوابته ومنطلقاته الراسخة والثابتة على مدى الحياة، حيث أنه خطاب مقدس ، وبالتالي لا يمكن التشكيك في نزاهته ومصداقيته باعتباره خطاب موجه من الله، وهو خطاب مطلق، بمعنى أنه يحتوى على الحقيقة الثابتة والمطلقة، لهذا يعتبر الإيمان وليس العقل (= العلم) من ابرز السمات التي يعتمد عليها الفكر الديني في تثبيت حقائقه، بينما أن العلم يعتمد على ثوابت ومنطلقات مغايرة ومختلفة تماما؛ وهي التشكيك والتجربة والنسبية و..الخ.
إذن، نحن أمام أمرين مختلفين ومتناقضين كليا، سواء من حيث المنطلقات واليات الاشتغال أو من حيث الأهداف العامة لكل منهما، حيث أننا أمام شيء ثابت ودائم ومطلق من جهة، وفي نفس الوقت نحن أمام شيء متحول ومتطور ونسبي من جهة أخرى، فكيف يمكن لنا الحديث عن الانسجام والتوافق بين شيئين مختلفين إلى حدود التناقض والخصام؟. فالحديث عن عدم وجود تناقض بين العلم والدين دون تقديم توضيح في الموضوع قد يضع القارئ في متاهات فكرية لا نهاية لها كما أسلفنا القول، كما أن الشواهد التاريخية تؤكد ما نحاول توضيحه هنا؛ وهي أن الدين والعلم شيئيين مختلفين كليا، حيث ساهم الأول (= الدين) في دمار الإنسان وتعاسته، والأمثلة على ذلك كثيرة جدا ، بينما ساهم الثاني (= العلم ) في تطور الإنسان وسعادته وازدهاره. وعندما نصوغ هذا الكلام فإننا ندرك جيدا كيف تعامل رجال الدين مع النظريات العلمية، وبالتالي فإننا ندرك أيضا مصير العديد من العلماء والمفكرين الذين حاولوا الاجتهاد خارج النسق الديني، سواء في الغرب أو في ما يسمى بالعالم الإسلامي.
ثالثا: الشورى والديمقراطية أية علاقة؟:
لقد اشرنا في الجزء الأول إلى تناول الأستاذ الحقوني لمسألة الشورى مقابل رفضه للديمقراطية، حيث نقرا في معرض رده علينا ما يلي " أرى أنه من الممكن جدا أن يجتمع كل من الدين والدولة في تدبير شؤون الناس بشرط أن يطبق الإسلام تطبيقا علميا وعمليا وان تراعي في الدولة الإسلامية حكم الأغلبية عن طريق التشاور/ انتخاب " ثم أضاف أيضا " وأمرهم شورى بينهم ".
ومرة أخرى يقدم لنا الكاتب كلاما عاما وغامضا للغاية، فلا ندري مثلا ماذا يقصد " بشرط أن يطبق الإسلام تطبيقا علميا وعمليا " ؟ كما اننا لا ندري ما هو الإسلام الذي يجب تطبيقه علميا وعمليا في نظر الأستاذ، هل هو إسلام الأمويين والعباسيين، أم أنه يقصد إسلام الوهابين في السعودية أو إسلام الخميني في إيران، وربما إسلام النميري في السودان، ومن يدري - ربما – قد يكون كذلك إسلام الطالبان سابقا ؟. أما تجربة الخلفاء الراشدين التي استشهد بها الكاتب فهي معرضة للانتقاد من طرف جهات إسلامية كثيرة وليس من طرف العلمانيين فقط، سواء من حيث كيفية إنشائها وتأسيسها أو من حيث توجهاتها السياسية العامة، وهي دولة عنصرية قائمة على أساس الدين والقبيلة، أو العصبية بلغة ابن خلدون(27)، وبالتالي فإنها ليست في نظرنا النموذج الأمثل للتطبيق والاقتدار.
علاوة على هذا، لا ندري كيف يمكن تحقيق الأغلبية في ظل اعتماد الشورى التي ينادى بها الكاتب بدل الديمقراطية التي تعتبر من أنجع الوسائل التنظيمية الوضعية لتسيير شؤون الناس والتناوب على السلطة/ الحكم، يخطئ كثيرا من يعتقد أن الشورى هي الديمقراطية، حيث أن الشورى شيء والديمقراطية شيء آخر تماما . فالاختلاف بين الشورى والديمقراطية لا ينحصر، في اعتقادنا، في الأسس المرجعية لكل منهما كما يعتقد ويتوهم معظم السلفيين، حيث أن الشورى مفهوم ومصطلح " إسلامي" أصيل حسب رأي الدكتور محمد عمارة والديمقراطية مفهوم غربي، وبالتالي لا يتعلق الأمر هنا بالتمايز بين المفهومين؛ أي بين الديمقراطية والشورى حسب نفس المفكر(=محمد عمارة) أو الانسجام والتوافق في نظر الآخرين، وإنما يتعلق الأمر – أساسا - بألاهداف والغايات المرجوة من كل مفهوم على حد من جهة، وفي آليات الاشتغال من جهة ثانية.
ويخطئ أيضا من يعتقد أن مصطلح الشورى هو مصطلح "إسلامي" أصيل كما يقول الدكتور عمارة وإنما هو مصطلح أو نظام عربي قديم كان سائد لدى العرب قبل ظهور الإسلام، وبالتالي لم يأتي به الإسلام( 28). ومن هذا المنطلق، الذي يحدد نظرتنا للموضوع- نقصد هنا موضوع الديمقراطية والشورى – نري أن الشورى ليست هي الديمقراطية والعكس أيضا كذلك. حيث أن الديمقراطية تعنى في مفهومها التقليدي القديم " حكم الشعب " عبر ممثليه ومنتدبيه في مجالس الأمة، ( في البرلمان ومجالس المحافظات والبلديات)، الذين ينتخبون بشكل مباشر من طرف الأمة/ الشعب، ويساهمون في الحكم وتسيير الشأن العام عبر تشريع القوانين ومراقبة ومحاسبة الدولة والحكومة، فإن الشورى تعنى وتفيد في الفقه السياسي الإسلامي استشارة أهل الاختيار أو ما يسمى أيضا بأهل الحل والعقد (29) في الأمور التي لم يورد فيها نص في الكتاب أو السنة حسب المفكر الإسلامي الدكتور محمد عمارة ( انظر الشورى الإسلامية والديمقراطية). كما أن أهل الاختيار ( = الحل والعقد) يختارون من طرف الحاكم وليس الشعب كما فعل عمر ابن الخطاب( 30). هذا بالإضافة إلى الإشكالات التي يطرحها الموضوع، نقصد هنا موضوع أهل " الحل والعقد" ومنها الإشكالات التالية : ما هي الشروط التي يجب أن تتوفر في أهل الحل والعقد ؟ وما موقع المواطنين الغير المسلمين في هذا المنصب؟ وكم يبلغ عددهم؟ وما هو دورهم وصلاحياتهم ؟
وتجدر الإشارة، في هذا المستوى من التحليل، إلى النقط التالية: النقطة الأولى: وهي أن الاستشارة التي يقدمها ما يسمى بأهل الحل والعقد في الفقه الإسلامي غير ملزمة التنفيذ( 31)، كما أن منصب الحاكم ( رئيس الدولة) غير قابل للنقاش والتداول من طرف أهل الحل والعقد ( حالة السودان نموذجا) ، بينما أن قرار الأغلبية في النظام الديمقراطي هو قرار ملزم التنفيذ، كما أن مدة وصلاحيات الرئيس محددة قانونيا ويمكن لنواب الأمة مناقشة الأمر وتقديم مقترحات بشأنه .
النقطة الثانية: وهي النظام الديمقراطي يقوم على أساس الانتخاب والاختيار الجماهيري الحر بينما النظام السياسي الإسلامي القائم على الشورى يعتمد على التعيين أولا، والبيعة ثانيا. والبيعة حسب ابن خلدون هي العهد على الطاعة، حيث أن المبايع يعاهد أميره ( الرئيس) على أنه يسلم له النظر في أمر نفسه وأمور المسلمين، لا ينازعه في شيء من ذلك ، بصيغة أخرى أن المبايع لا يعارض أميره بعد البيعة/ العهد في أمور السياسية (32). وهذا ما يؤكد عليه القرآن أيضا (( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم )).
النقطة الثالثة: وهي أن الشورى لم يتم اعتمادها كمبدأ للحكم والتداول على السلطة السياسية على مدى التاريخ الإسلامي. والاستثناء الوحيد الذي يمكن أن نسجله في هذا الصدد هو ولاية علي بن أبي طالب حيث اختارته الجماهير مباشرة حسب ما يخبرنا به المرحوم هادي العلوي في كتابه القيم والجدير بالمطالعة "خلاصات في السياسية والفكر السياسي في الإسلام" ( ص 57 ).
وحسب ما يخبرنا به أيضا المفكر والمؤرخ الإسلامي عمر فروخ في كتابه "تاريخ صدر الإسلام والدولة الأموية" حيث أورد يقول حول تولى علي بن أبي طالب ما يلي (( لم يكن في المسلمين يومذاك أليق بالخلافة من علي؛ فأرادت الوفود التي كانت قد أمت المدينة ناقمة على عثمان أن تبايع عليا.وحاول علي جهده أن يظل في معزل عن الخلافة، بعد أن اضطربت أحوالها. ولكن الوفود حملته على قبول الخلافة حملا ..)) (ص 120).
قلنا أن مبدأ الشورى في النظام السياسي الإسلامي لم يطبق طيلة التاريخ السياسي الإسلامي، باستثناء فترة تولي علي بن أبي طالب الحكم إذا ما عملنا بالتصور والاجتهاد الذي يقدمه الهادي العلوي وعمر فروخ حول الموضوع، بل وآخرون كثيرون، وذلك لسببين رئيسيين، أولهما هو أن " الاستشارة" ، أو قل المبايعة وليس الاستشارة ، لم تشمل كافة المسلمين وإنما كانت تنحصر في الأنصار والمهاجرين فقط. وثانيهما هو أن عملية اختيار الرئيس( أو الخليفة بالمفهوم الديني) كان يتم عبر ولاية العهد وليس عن طريق الاختيار والاقتراع المباشر للمواطنين كما هو الأمر في النظام الديمقراطي. ففي هذا الصدد نقرا في كتاب " البداية والنهاية" لصاحبه الدمشقي الحافظ أبن كثير حول كيفية تولى عمر ابن الخطاب الحكم ما يلي (( وفي أثناء هذا المرض ( أي مرض الخليفة الأول أبو بكر) عهد بالأمر من بعده إلى عمر بن الخطاب وكان الذي كتب العهد عثمان ين عفان، وقرئ على المسلمين فاقروا به وسمعوا له وأطاعوا، فكانت خلافة الصديق ..)) (المجلد 7 – ص 17 منشورات المعارف-بيرون).
وعن طريق ولاية العهد أيضا، وصل عمر بن عبد العزيز إلى الحكم، إذ أوصي به سليمان بن عبد الملك(33). وإذا كنا قد ركزنا عن عمرين فقط دون الآخرين فهذا لكي نبين لك عزيزي القارئ وللأستاذ الحقوني أيضا، الذي يعتبر مرحلة العمرين حسب تعبيره من أهم مراحل التاريخ الإسلامي في العدل، أن هذين القائدين المسلمين قد وصلوا إلى الحكم بطريقة عير شرعية للحكم، وبالتالي ولايتهم هي ولاية باطلة بالأساس، والقاعدة الفقهية تقول (( أن كل ما بني على باطل هو باطل )). خاصة إذا عرفنا أن الشورى تعتبر من المبادئ الأصلية للشريعة، وإذا عرفنا أيضا أن الشريعة تعنى في العمق حق المسلمين في اختيار الخليفة.
محمود بلحاج فاعل امازيعي/ لاهاي
للتواصل: [email protected]
بعض الهوامش:
25: انظر كتاب المرحوم ناصر حامد ابوزيد " الإمام الشافعي وتأسيس الإيديولوجية الوسطية" منشورات مكتبة مدبولي.
26: المرجع السابق حسين مروة.
27:انظر في هذا الصدد كتاب ابن خلدون المعروف ب " مقدمة ابن خلدون" ، انظر أيضا كتاب الأمازيغية في حطاب الإسلام السياسي " للمفكر الأمازيغي احمد عصيد.
28 : انظر كتاب احمد عصيد " الأمازيغية في حطاب الإسلام السياسي " منشورات مجلة تاوسنا- الطبعة الثانية 2000 .
29: انظر كتاب الدكتور مصطفى الرافعي " حضارة العرب" صفحة 166 – منشورات الشركة العالمية للكتاب ، الطبعة الربعة 1988.
30: انظر المرجع السابق
31: انظر المرجع السابق احمد عصيد
32: انظر " مقدمة ابن خلدون " صفحة 205 منشورات دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع- الطبعة الأولى 1997 .
33: انظر كتاب الهادي العلوي " خلاصات في السياسة والفكر السياسي في الإسلام " صفحة 66 - منشورات مؤسسة المدى – الطبعة الثالثة 2001


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.