تم التصويت النهائي على مشروع قانون المالية لسنة 2024 لينتقل بذلك من وضعية " المشروع" الى وضعية " القانون " عبر آلية الاعتماد و التصويت البرلماني مما يعني أن مخرجات هذا القانون المالي سيفعل عمليا و يحس به المواطن العادي احساسا مباشرا في حياته اليومية .هذا القانون على غرار القوانين السابقة التي صيغت في زمن " الأزمة " لم يأتي بجديد فيما يخص الرفع من مستوى المعيشة للمواطن المغربي أو محاولة التغلب على الإكراهات الكثيرة و الأعطاب التي يعيشها المجتمع منذ عشرية على الأقل .هذا القانون المالي جاء " مشحونا" بتفصيلات تقنية و توجهات اجتماعية مشددة تروم تقليص نفقات الخدمات الإجتماعية لصالح الإعتبارات التقنية البحتة و هو ما سيؤزم لا محالة و يزيد من الخناق المعيشي المفروض على الطبقات الإجتماعية الهشة و الفقيرة بل حتى على جزء من الطبقة الوسطى التي ستعرف تغيرات في بنيتها و تركيبتها مع صعود مؤشر التضخم و ارتفاع نسب الدين العمومي و الضريبة على القيمة المضافة و ضريبة الدخل و الإستهلاك و هذا المعطى واضح تماما في قراءة سريعة للمواد الأولى من القانون خصوصا المواد 3.5.7 من هذا القانون . جاء القانون المالي لسنة 2024 بمجموعة من الإجراءات المتممة او المحدثة او المغيرة لقوانين جديدة على غرار الكتاب الثالث منه و المتعلق بتغيير بعض فصول مدونة الجمارك و تتميم بعض قوانين مدونة الضرائب بالإضافة إلى خلق " مساهمة ابرائية على العقارات و المنقولات و الأصول المالية المملوكة لمغاربة بالخارج " و هذه المادة تحديدا تطرح كثيرا من علامات الفهم اعتبارا الى ان القانون لم يفسر كيفية تحديد هذه الأمور او الإجراءات المتخذة للتعامل معها .كما تم تغيير الفصول 3.36.22.42 من القانون 25.97 المتعلق بتحصيل الديون العمومية .و قانون الإنعاش الإستثماري و التكافل العائلي و مجموعة كبيرة اخرى من القوانين التي تشير في مجموعها إلى رغبة الدولة في استخلاص أكبر قدر من المساهمات و الضرائب و الرسوم في مقابل تقزيم و تصغير حجم الخدمات خصوصا الإجتماعية منها . جاء في الباب الثالث من كتاب " احكام تتعلق بالتكاليف " انه " يؤذن للحكومة في حالة الضرورة القصوى و غير المتوقعة ان تفتح اعتمادات إضافية بمراسم اثناء السنة " و هذا الباب يراد منه سد الثغرات الغير متوقعة خلال السنة المالية و لكنه جاء عاما و فضفاضا لا يحدد نوعية هذه الضرورة و حدودها . تنص المادة 28 من الكتاب السالف ان يرصد مبلغ 100 مليون درهم لفائدة صندوق دعم الامن الوطني و 600 مليون درهم تكاليف لتعميم البطائق الإلكترونية !!!! و هذه الأخيرة تكلفة جد كبيرة مع عائد هذه البطاقة التي عرفت تغييرات متواليا في مدة و جيزة ! ظاهرة تناسل الصناديق الخاصة و العامة ملمح واضح في القانون السالف ذكره حيث يصل عدد الصناديق المرصود لها اموال حدودا غريبة جدا ( صندوق indh بمليار درهم .صندوق الامن الوطني .صندوق التراث الثقافي .صندوق وثائق الهوية ووثائق السفر .صندوق دعم الأمازيغية .صندوق الصيدلة المركزية.صندوق الخاص بالطرق .صندوق التنمية القروية و الجبلية.صندوق دعم السجون .و صندوق تحديث الإدارة و غيرها بالعشرات من الصناديق الأخرى التي تسلمنا في النهاية إلى أن غلبة نفقات التسيير تفوق بكثير نفقات الإستثمار مما يعني أن ميزانية 2024 من الخيمة خرج مايل !!! فكيف يمكن خلق تنمية بميزانية الإستهلاك فيها اكبر من العائد !!!!!!! الأكثر غرابة من كل ما سبق اعلاه و الذي يحار الإنسان في فهمه هو ما تطرحه علينا المادة الرابعة من القانون الخاص بباب التعريفات الجمركية و التي الغت بشكل كلي رسم استيراد " الكافيار " كأنما المغاربة شعب الف عيش الأبهة و الرفاهية و لم يعد ينقص مائدته و معدته سوى الكافيار و السمون فومي و طبقة البورجوازية " السمكية " الأخرى التي يرتعد لها المواطن بمجرد سماع اسماءها فكيف بالإجتراء على تملكها او لوكها !!!!!! إن قانون المالية السالف ذكره استمرار لمسلل قتل الاجتماعي في هذا الوطن و إمعان في محاصرة القوت المجتمعي و استمرار القضم الممنهج لهذا القوت الذي سماه شكري في روايته " خبزا حافيا " و يسميه واقع الحال اليوم " بالخبز الكارم".