إن التطرق لمعيقات تطبيق مقترحات الحل السلمي علاقة بالمنطلقات والأهداف المتناقضة للأطراف المتنازعة، وكذا علاقة بالقانون الدولي والتدخل الفاضح للأطراف الخارجية المؤثرة فيه والتي سبق تناولها في الجزء الأول، يحيلنا بالضرورة إلى استحضار السياقات التاريخية والسياسية التي أدت إلى ما يشهده ملف جهة الصحراء الغربية حاليا من تعقيدات تتداخل فيها الصراعات الدولية والإقليمية التي كان على المغرب التموقع فيها بشكل صحيح من أجل توطيد علاقاقاته الدولبة والإقليمية بما يخدم مصالحه الإستراتيجية التي كانت تتطلب من المغرب قراءة دقيقة للتحولات العالمية وذلك في مرحلتين متتاليتين : _ مرحلة الحرب الباردة حين كانت العديد من شعوب العالم الثالث خاصة في إفريقيا تنزع نحو التحرر والإستقلال، وهي المرحلة التي كانت فيها تدخلات المغرب في محيطه الإفريقي معاكسة لإرادة الشعوب الإفريقية ومتساوقة مع أجندات القوى الإستعمارية والأنظمة الدكتاتورية في أكثر من تدخل وضمنه دولة الكونغو سنوات 1960 / 1964 والذي راح ضحيته القائد التحرري باتريس لومومپا، وسنة 1977 لنصرة الدكتاتورية، بالإضافة إلى توفيره الملاذ ال0من لبعض الرؤساء المبعدين من طرف شعوبهم كموبوتو سيسيسيكو ومن قبله شاه إيران. إن هذه التدخلات غير المحسوبة العواقب من طرف المغرب لصالح أنظمة منبوذة من طرف شعوبها وما خلفته من أثر على الحكومات الصاعدة في العديد من الدول الإفريقية المستقلة حديثا، وكذا الدور المحوري للجزائر في المنظومة الإفريقية و دول عدم الإنحياز هو ما تحكم في مواقف هذه الدول من قضية الصحراء الغربية ودفعها للتضامن مع جبهة البوليزاريو والإعتراف بها كعضو في المنظمة نكاية في المغرب وليس لاقتناعها بشرعية كيان لم يكن له وجود سياسي تاريخيا إلا في الحدود الشرعية للدولة المغربية أو المراكشية. - مرحلة ما بعد الأحادية القطبية الأمريكية : إن عدم توفر المغرب على إستراتيجية سياسية مبنية على دعم حق الشعوب في الحرية والإستقلال، وكذا سوء التقدير لموازين القوى سواء إبان الحرب الباردة وماكانت تشهده الشعوب من نزوع نحو الإنعتاق والتحرر، أو خلال المرحلة الحالية التي تتسم بانتقال ميزان القوى من الغرب الأطلسي إلى الشرق، هو ما أفقد المغرب القدرة على التموقع بطريقة صحيحة في التحولات الدولية التي تشهد صعود فوى عالمية جديد وذلك للمرة الثانية على التوالي. إن إنحياز المغرب حاليا للغرب الأطلسي و رهانه على أمريكا في إيجاد حل يضمن من خلاله سيادته على جزء من أراضيه رهان غير مضمون النتائج على المدى البعيد بالنظر لما تشهده أمريكا كزعيمة لهذا الحلف لا سيما خلال السنوات الاخيرة من تراجع ملحوظ لقوتها الإقتصادية والعسكرية لصالح قوى صاعدة وعلى رأسها الصين التي تعتبر من أكبر المستثمرين في القارة الإفريقية وتتمتع بعلاقات متينة مع دولها سواء تلك المؤيدة للمغرب أو المعارضة له. إنه رهان خاطىء يفوت على المغرب مرة أخرى إمكانية الحل النهائي لهذا الملف بما يرضي المصالح المشتركة للجارة الجزائرية كدولة حاضنة لجبهة البوليزاريو والتي تربطها بالصين علاقات إستراتيجية ومصالح بعض دول الجوار الإفريقي، وبما يرضي كذلك مصلحة المغرب في إيجاد حل سلمي نهائي يضمن التنمية والإستقرار والسلم لأهالينا في جهة الصحراء الغربية بضمانة الشريك الصيني المشترك لكلا البلدين الجارين. إن هذا التقديم العام في إعتقادي ضروري لاستيعاب الأخطاء الإستراتيجية للسياسة الخارجية المغربية في تدبيرها لملف قضيتنا الوطنية والتي عادة ما تتموقع بشكل معاكس للتحولات الدولية والإقليمية. ولفهم هذه الأخطاء لا بد من الوقوف على ما تم تداوله مؤخرا في الخطاب الرسمي وغير الرسمي على كونه إختراقا ديبلوماسيا للمغرب في ما يخص ملف قضيتنا الوطنية هذا في الوقت الذي تبين الوقائع إستمرار حالة الستاتيكو نتيجة الأخطاء السالفة الذكر في سياسات المغرب الخارجية والداخلية. 1/ الجلسة الأممية ل 21ابريل 2021 إن استحضار هذه الجلسة المغلقة يعد مسألة مهمة لكونها تعد أول جلسة للتداول في الملف بعد إعتراف الإدارة الأمريكية السابقة بمغربية الصحراء، وذلك لتبيان جدية موقف الإدارة الجديدة من جهة، وكذا تقييم أثر الحضور المغربي الأخير في المنتظم الإفريقي بعد عودته إليه في يوليو 2016 رغم عدم انتفاء أسباب إنسحابه السابق متها، والمتمثل في عضوية "الجمهورية الصحراوية" ووجود كينيا في الإجتماع السابق الذكر. وبالرجوع إلى هذه الجلسة التي ميزها مشروع الإعلان الأمريكي الذي لم توافق عليه الدول الأعضاء و الذي دعى بشكل عام إلى تجنب التصعيد دون تحميل المسؤولية لأي طرف وتسهيل مهمة المينورسو والتسريع بتعيين مبعوث أممي من أجل حل سلمي دائم في الصحراء الغربية، وما استتبع هذه الجلسة من إنتقاد مغربي عبر عنه بشكل شبه رسمي السيد محمد صالح التامك المدير العام الحالي لإدارة السجون بصفته من شيوخ تحديد الهوية لعدم تحميل المسؤولية في التطورات الأخيرة للبوليزاريو والجزائر، هذا في الوقت الذي ذهب فيه بعض المهتمين المغاربة الى اعتبار الإجتماع إنتصارا ديبلوماسيا للمغرب لكونه أبقى على الملف فى أروقة الأممالمتحدة، وذلك عكس ما طالب به مندوب كينيا، وأكدوا على ثبات الموقف الأمريكي المؤيد لمغربية الصحراء ! هذا في الوقت الذي أثار فيه السلوك الأمريكي في مجلس الأمن أكثر من تساؤل داخل النخبة السياسية الأمريكية والإسرائيلية التي تحفظت على حياد أمريكا الذي يهدد بنسف ما تم إنجازه من تطبيع في العلاقات المغربية الإسراىيلية، وهو ما تم التأكيد عليه لاحقا من طرف الناطق الرسمي للخارجية الأمريكية التي فندت ما صرح به وزير الخارجية المغربي بعد الإتصال بنظيره الأمريكي في شأن ثبات موقف الإدارة الجديدة من الصحراء . وتجدر الاشارة هنا إلى أن الاتصال سبق أن أجرته الخارجية الأمريكية مع نظرائها في كل من الجزائر والمغرب، حيث تناولا من خلاله قضايا الإرهاب والأوضاع المضطربة في ليبيا و مالي. في مسألة الإختراقات الديبلوماسية في اتجاه إفريقيا وأمريكا تعتبر عودة المغرب للحظيرة الإفريقية في يوليو 2016 تداركا وإن جاء متأخرا لخطأ إستراتيحي استمر لأكثر من تلاثين سنة بكل ما تخلل هذه المرحلة من توترات بينية أعقبت موقف انسحابه من المنظمة الإفريقية سنة 1984 نتيجة إعتراف الكثير من دولها ب"الجمهورية الصحراوية " وأكسبها صفة العضو الكامل العضوية. وتدخل في إطار وضع الأمور في نصابها الطبيعي، ولا يمكن تحميله أكثر من حجمه باعتباره انجازا خارقا للسياسة الخارجية المغربية. كما ان هذا التوجه الذي ترجمته الزيارة الطويلة للملك لمجموعة من الدول الإفريقية أواخر سنة 2016 و بداية 2017 والتي جاءت في سياق إقليمي ودولي تميز ب : - أولا/ بالتوترات التي شهدتها ولا تزال المنطقة العربية وعلاقات المغرب الخارجية خاصة مع شركائه من إمارات وممالك الخليج التي كانت تسنده حين التجأ إليها بعد انسحابه من منظمة الوحدة الإفريقية، توجت برفض المغرب إحتضان الدورة 27 لجامعة الدول العربية في شهر يوليوز 2016 التي وصفها المغرب 0نذاك بكونها " مجرد إجتماع مناسبات" - ثانيا / بالتدافع نحو أسواق إقتصادية جديدة برزت فيها إفريقيا كسوق واعدة جاذبة للإستثمارات الدولية عكس رغبة المغرب في تنويع شراكاته الإقتصادية والتجارية، واستحضارا لما كان يميز هذه المرحلة كذلك من عوائق في الشراكة مع الإتحاد الأوروبي خاصة ما تعلق منها باتفاقيات تصدير المنتوجات الفلاحية والصيد البحري الذي يتحفظ من خلالها هذا الاخير على المواد والمنتجات القادمة من أقاليمنا الجنوبية وذلك من باب إبتزاز المغرب وإخضاعه لشروطه التفاوضية. دون ان نغفل أن هذا التوجه الجديد تحكم في دواعيه أيضا الوضع الأمني غير المستقر في العديد من دول الجوار الإقليمي وتنامي قدرة المليشيات الإرهابية فيها، وهو ما يشكل تهديدا أمنيا إستراتيجيا للمغرب. إن هذا التوجه إذن تتصدره بالأساس المصالح الإقتصادية وليس السياسية وذلك عبر مؤسسات خاصة كشركة الضحى التي راكمت أرباحا طائلة في المغرب عبر صفقات كلفت خزينة الدولة الكثير من الخسائر، ومؤسسة الإتصالات التي يمتلك القطاع الخاص الأجنبي فيها نسبة 78٪ ، وكذا شركة التجاري وفا بنك التي تستنزف جيوب المغاربة بما تفرضه من نسب فائدة عالية على قروضها بالمقارنة مع باقي المؤسسات البنكية في العالم الغربي، وبالتالي فإن طبيعة هذه الإستثمارات تستهدف بالدرجة الأولى تحقيق المزيد من الأرباح للقطاع الخاص المرتبط بكارتيلات المال العالمية دون أن تنعكس إيجابا على المستوى المعيشي للمغاربة ولا على قضاياهم السياسية والترابية. كما أن هذه الإستثمارات هي في حقيقة الأمر واجهة خفية للصراع الإقتصادي بالوكالة بين نفوذ فرنسي تقليدي ما فتىء يتوارى شيئا فشيئا في إفريقيا بالموازاة مع رغبة أمريكية ملحة لاقتحامها عبر البوابة المغربية لمواجهة النفوذ الصيني المتعاظم الذي تخطت استثماراتها فيها 200 مليار دولار، وهو ما يضع هذا التوجه في لعبة الصراع الدولي على النفوذ اختار فيه المغرب الإنحياز للجانب الأمريكي على حساب أصدفائه الأوروبيبن و ضد القوة العالمية الجديدة المتمثلة في الصين، وهو ما يمكن أن يدخل قضيتنا الوطنية في دائرة الصراع المحتدم للمحاور الدولية، بدل الحفاظ على التوازن المطلوب في علاقاته الدولية باعتماد سياسة خارجية متزنة مع الأقطاب المتصارعة. الإعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء إن هذا الإعتراف المتأخر لأمريكا بعد أن بدأت تشهد أفولا لصالح الصين وروسيا وعدم تبنيه عندما كانت القوة المهيمنة الوحيدة في العالم يجب وضعه ضمن إستراتيجية صراع المحاور الجديد بين كل من أمريكاوالصين المتمثلة في : - توسيع نطاق صفقة القرن بتوسيع قاعدة الإعترافات بالكيان الصهيوني الذي يعد المغرب من بلدانها المستهدفة. - قطع الطريق امام الإنفتاح المتبادل بين المغرب والصين ومحاصرة هذه الأخيرة في المنطقة الشمالية الغربية لإفريقيا الذي بدأت مؤشراته الأولى مع قطع المغرب لعلاقاته الدبلوماسية مع إيران الشريكة الإستراتيجية للصين سنة… - وضع اليد على الثروات المعدنية النادرة التي تزخر بها المياه الإقليمية الجنوبية للمغرب تمت ترجمته بمناورات عسكرية مشتركة بمحاذاة المنجم البحري. - الدخول إلى الأسواق الإفريقية التي كانت مجالا تقليديا لحلفائها من الأوروبيين عبر البوابة المغربية. - فرض رسوم جمركية إضافية قاربت العشرين في المئة على صادرات المغرب من الفوسفاط إلى أمريكا. إن فهم السياقات العامة لاعتراف الإدارة الأمريكية السابقة بمغربية الصحراء سيسعفنا لا محالة في فهم السلوك الأمريكي المحايد في الإجتماع المغلق الأخير لمجلس الأمن الدولي حول الصحراء، وكذا الوقوف على مسافة واحدة محايدة في قراءة إتصال وزير الخارجية الأمريكي بكل من وزير الخارجية المغربي والجزائري. وفي المجمل يمكن القول إن السياق العام يجعل من الموقف الأمريكي من قضيتنا الوطنية موقفا تكتيكيا يخدم أساسا إستراتيجياتها في المنطقة ولا ينم عن تبنيها المبدئي للوحدة الترابية للمغرب، كما سيساعدنا على فهم غياب الأثر لما يسوق له بعض المهتمين بقضيتنا الوطنية حول تأثير هذا الإختراق الذي ترجمته كينيا العضو الإفريقي الغير الدائم /حليفة أمريكا/ بالإعتراض على مشروع الإعلان الأمريكي و مطالبتها بإرجاع الملف الى منظمة الوحدة الإفريقية. أمام هذه المستجدات في الوضع الدولي ، وأمام ما يشهده العالم من صراع للمحاور الذي يبدو أن المغرب قد فوت الفرصة مرة أخرى للتموقع فيه بشكل صحيح، وذلك بما يخدم قضيتنا الوطنية ومصالح المغرب الإستراتيجية، يمكن القول إن الرهان على أمريكا هو رهان فاشل وأن المدخل الحقيقي لخدمة المصالح الوطنية العليا ولحل النزاع في الصحراء بشكل سلمي ونهائي هو بيد المغرب اولا وأخيرا وذلك باعتماد ما يلي: على المستوى الخارجي: - إعتماد سياسات متوازنة في علاقاته الدولية وذلك بالعمل على بناء علاقات شراكة إستراتيجية مع القوى الدولية الصاعدة. - تصحيح علاقاته مع محيطه الإقليمي والإفريقي ضمن رؤية جديدة قائمة على المصالح المشتركة و احترام سيادة الدول وحق الشعوب في التنمية والحرية. على المستوى الداخلي: - إعتماد إصلاحات سياسية ودستورية متعاقد عليها تضمن إنتقال المغرب إلى الديموقراطية. - إعتماد جهوية سياسية تضمن الإنتقال الى دولة الاأوطونوميات الجهوية المتضامنة . -ضمان حق تأسيس الأحزاب الجهوية . -تنزيل مقترح الحكم الذاتي في جهة الصحراء الغربية بما يضمن حق أهالينا في الصحراء في تدبير شأنهم العام السياسي والتنموي وبما يضمن العودة ال0منة لمواطنينا القابعين في المخيمات. إنها في نظري عصارة لمشاريع عمل وخارطة الطريق الإستشرافية التي يجب على المغرب أن يشتغل عليها من أجل تجاوز حالة الإحتقان الداخلي و حالة الإحتباس الذي يشهده ملف الصحراء الغربية.