على بعد أيام قليلة من انطلاق موسم حرث الكيف بجبال الريف ، كثر النقاش حول زراعة القنب الهندي ،في ظل المستجد والمنعطف المسجل مؤخرا بتصويت اللجنة الدولية لمكافحة المخدرات بالامم المتحدة بداية شهر دجنبر الماضي، برفع الصفة الجرمية عن نبتة الكيف واعتبارها مكونا علاجيا وطبيا ..الشيء الذي فرض على المغرب إعادة النظر في ظهير 1974 وفصول القانون الجنائي التي تجرم زراعة والاتجار في الكيف ومشتقاته ، وملائمة قوانينه الداخلية مع سمو الاتفاقيات الدولية المرجعية ..وهو ما تم برمجته في سابقة من نوعها وتحول جذري في الموقف الرسمي للدولة المغربية في إطار مشروع قانون يتعلق بالاستعمال الطبي والصناعي لنبتة الكيف ، سيتدارس ويعرض في جدول أشغال المجلس الحكومي المقبل يوم غد .. مستجد يأتي بعد سنوات كان فيها مجرد تداول ملف زراعة الكيف من الطابوهات والمواضيع المحظورة و المسكوت عنها، وفي ظل أزمة خانقة غير مسبوقة تعرفها مناطق زراعة الكيف في السنوات الاخيرة ..وبعد نقاش مستفيض كان حزب الاستقلال أول هيئة سياسية أثارته في البرلمان من خلال مقترحي قانون لتقنين الكيف وآخر للعفو عن المزارعين المتابعين الذين يوجدون في حالة سراح مؤقت حتى تثبث برائتهم...!! أعقبه بعد ذلك تحرك حزب الاصالة المعاصرة في نفس الاتجاه بعد تنظيم لقاء بالمنطقة ... لكن ما لا يدركه بعض الفاعلين السياسيين جهلا أو تجاهلا سيما بعد خرجة المستشار البرلماني المحرشي والذي حاول عبثا تمرير مجموعة من المغالطات في لقائه مع ميساء سلامة الناجي الناشطة الفيسبوكية المعروفة ، نجد أنفسنا وباعتبارنا من أبناء المنطقة المعنيين ملزمين بتوضيح ما شكل على السيد المستشار ومحاورته، بعيدا عن أي مزايدة سياسيوية او فئوية ضيقة ، من شأنها تزوير الحقائق التاريخية والجغرافية ..!! فزراعة الكيف واستنادا لظهير 1919 مقيد في 3 قبائل كتامة وبني سدات من إقليمالحسيمة وبني خالد من إقليم الشاون ، في إطار ترخيص خاص بموجبه كان يبيع منتجوه محصولهم من الكيف لشركة التبغ انذاك، وتعاقبت على توارثه أجيال وجدت نفسها تعيش على مداخيله بحكم الطبيعة القاسية للمنطقة ومحدودية الاراضي الصالحة للزراعة ، فضلا عن قساوة المناخ والتضاريس في ظل انعدام اي بنيات ومشاريع استثمارية وهشاشة البنيات التحتية ...!! وضع تطور مع مرور الوقت ليسجل فطرة اقتصادية مرتبطة بظاهرة الهيبيس واستخراج الحشيش من الكيف في السبعينات، ليصدر ظهير 1974 الذي جرم أي زراعة وتجارة في الكيف ومشتقاته ...وهو الوضع الذي ظل قائما إلى حد اليوم في ظل تناقض صارخ بين القانون الزجري والواقع الفعلي في مقاربة عجيبة ( طلع تاكل الكرموس هبط شكون قالهاليك ) حيث تمتد حقول الكيف على امتداد الطرق وفي الجبال أمام رأي وأعين السلطات التي تقوم باعتقال أي مواطن وجدت بسيارته حزمة كيف او تقدمت ضده شكاية كيدية بزراعة القنب الهندي في وضع شاذ تعايش معه السكان رغم الخوف والرعب والمحاضر الزجرية المسجلة في حقهم ( محاضر الدرك والمياه والغابات ) ، حيث ان الجميع في حالة سراح مؤقت ومتهم بمجرد انتمائه للمنطقة او حمله حرف R في بطاقته الوطنية ، التي تجعله عرضة لكل عملية تفتيش في كل الحواجز الأمنية...لتستمر المعاناة بعد سنوات من الرخاء كانت المنطقة فيه مقصدا لليد العاملة الفلاحية من كل أنحاء المملكة للاشتغال في حقول الكيف ، فيما ساهمت الاموال المتحصلة من التجارة في مشتقاته في حركية ورواج اقتصادي في المدن المجاورة عبر مشاريع مختلفة ، سرعان ما انكمش مع توسع مناطق زراعة الكيف في التسعينات، لتشمل 4 اقاليم اخرى تاوناتوزانتطوان والعرائش ، كانت للأمس القريب مناطق فلاحية كبرى بالنظر لشساعتها وسهولة تضاريسها وتنوع خيراتها الفلاحية( زيتون - قمح - تين - فول - كاكاو- بطيخ ....) ، الشي الذي أدى إلى ازدياد مهول في العرض من نبتة الكيف وإغراق السوق بمشتقاتها وبالتالي انهيار أثمانها ، أمام التغيرات الجيبوستراتيجية التي عرفتها من جهة مؤخرا منطقة شمال غرب افريقيا وجنوب اوروبا المرتبطة بالعمليات الامنية ومحاربة الارهاب وعمليات التهريب الدولي في إطار اتفاقيات مشتركة بين المغرب والاتحاد الاوروبي ، فضلا عن أزمة كورونا وإغلاق الحدود البرية والبحرية والجوية ...! ومن جهة أخرى إغراق السوق المحلية ببذور هجينة للكيف ( خردالة -لافوكا - شيفرولي - كريتييكا - كريتيكا بلوس .. ) ساهمت بشكل فظيع في زيادة الانتاج بالنظر إلى كمية المنتوج المستخرج منه في القنطار الواحد الذي تبلغ 5 إلى 6 كيلو ، عوض الكيلو الواحد في القنطار من الكيف البلدي المحلي ..فضلا عن تمركز السيولة المالية في أيدي جهات معينة ساهمت في استنزاف جيوب الفلاحين لشراء البذور المستوردة من جهة ، وفي استنزاف الفرشة المائية والثروة الغابوية التي شهدت تراجعا مهولا وخطيرا من جهة اخرى .. لذلك وبناء على كل ماسبق ، فإن أي حل او تسوية لملف زراعة القنب الهندي يجب أن يكون في إطار مقاربة تشاركية حقيقية تأخذ بعين الاعتبار التحديد الجغرافي و الإطار التاريخي للكيف، استنادا لظهير 1919 الذي حصر الزراعة في 3 مناطق هي قبيلة كتامة وقبيلة بني سدات بإقليمالحسيمة ، وقبيلة بني خالد باقليم الشاون ، فضلا عن إشراك الساكنة المحلية المعنية في هذه المناطق من خلال الانصات لفعاليتها وشبابها وإسهامهم في أي حل معتمد يراعي خصوصية المنطقة وحاجتها إلى تنمية حقيقية تضمن الكرامة والعيش الكريم لمواطنين يكفي ما عانوه من إقصاء وتهميش طيلة عقود خلت ...، فأهل مكة أدرى بشعابها و أجدر بتنمية حقيقة تتجاوز الحلول الأحادية والمزايدات السياسية الفئوية المرتبطة بخدمة أجندات ضيقة معلومة ..!!