أشتد سعار الأقلام هذه الأيام، وجردت القماقم من أغطيتها، واستل كل كاتب ريشته وشحذها ليقطع بها أنفاس زملائه في "الحرفة"، في إطار حركة ثقافية مهزومة نزلت بالأقلام إلى الرصيف بعد ما نزلت بالصحف. دون إشعار، نقحم كقراء، أو كتاب، أو نقاد، أو أي شيء رديء، كهذه الأيام التي يلعن فيها القلم قلم آخر، ببذيء الكلام، وساقطه من الصعلكة إلى الكذب، في موجة نسميها سهو الأقلام، هنا، لا بد أن نذكر، أنه حتى الجزارين، وكل الحرفيين، عندهم"لامين"، أمين الحرفة الذي يحافظ على أخلاق و أعراف مهنية، ويقوم بسلخ المعتدي بغرامة أو بحق شخصي أو بوليمة تتصافى فيها النوايا، إلا هذا الميدان، الذي كان يفترض فيه أنه ميدان النبل القيمي، والوجداني، كما أراده مؤسسوه، من كتاب الأعمدة الأوائل، كالأنبياء والملائكة، وقبل أن ينفخوا بلاءهم في أجوفة البشر، بحسن ظن كبير، ولثقة أهل السماء في ساكني الأرض، قبل الخذلان الكبير الذي ابتدأ مع سقوط تفاحة، وإيماءة مليحة، أسقطت أحد الملائكة من عليائه كما أسقطت أبا البشر، ويستمر الصراع بين مرتد يعلم الحقيقة، وتائه يبحث عنها، في ثنايا الوصايا، وبقايا أحلامه عندما كان وحيدا، في جنة لم يزرها أبدا بعد، ساقنا خطاب غبي، كمثله شيء، أسقطنا، لكن ليس كالتفاح، ودون إيماءات الملاح، وننهض، لأننا بشر، نسقط على ورق،..أوراق لجرائد ملأها شغب الشباب وعنفوان الوجود، وتصدى لها أو عشقها شيب نط من أماكن الشعر، وغالبا من الصلع. حيث كان يسمى الشيب نضجا، والشباب بقايا الرجال أو النساء. نحي كل حاملي القلم، رصاصا أو حبرا جافا، أسودا أو بالألوان، ونحي كل الأوراق ما عدى الصفراء منها،..عنوان الموت وكل الأمراض، نجانا الله وإياكم منها، لمن يؤمن بالله..ولمن لا يؤمن به فليعلن لنا ربه نستعطفه له. الأقلام كانت دائما مكافحة، وكذلك الكتاب، حيث كانوا دائما، -وكلنا يتذكر- كأقلام بيك Bic المناضلة، التي رافقت كل الكبار وحتى الصغار، الملوك والصعاليك ومحاربي الأمية، والثوار والتجار والفجار، أما اليوم، الأقلام هنا، والكتاب أفكارهم يأكلها الصدأ والحقد والغيرة، في وقت يأكل في الناهبين خيرات وطن ذنبه أن لا رجال له، وفي ذلك، يبقى عاريا، كالعاهرات تنخر جسده أقلام"شوك"choc، وتسد مسامه أفواه الحيتان الكبيرة التي تلعق عرق الكادحين فيه، لا أدري؟ كيف نزج بأنفسنا وسط هذه الحموضة؟ ونتلذذ كمن يأكل لحما بشريا، وهل لنا أن نسرد بعض شدود أعصابنا؟ من ما يدور في أفلاك الصحافة، المكتوبة؟ ضد في ضد، علامات ‘ أجرام هلامية تدور في مجرة "المساء" كنا نود لو اجتمع أصحاب الأقلام لسلخ لصوص الشعب، أما أن يشحذ صاحب قمقم قلمه ويوجه فوهته الى من معه في نفس الخندق، فلا بد أن يموت أحدهم من الذخيرة المفرغة فيه والأخر بدخان العيار، بعدها ستجف الصحف وتكسر الأقلام ونردد مع المرددين لمن تقرا زابورك يا داوود، هذا الحراك الجرائدي أنتج "الحركة النينينية بالمغرب"، تسمية لا نعني بها فقط "نيني" الأشهر من نار على علم، وإن كان هو من أفرزها، ولكن الخط الذي أنتجته كتاباته وقراؤها وما أنتجته من ردود أفعال كتابية وقضائية واجتماعية، دخلت في إطار موجة "نينينية" حركت الراكد والآسن، وشغلت الكسالى والمعطلين والمسئولين، وقد دفع هذا بعض الكتاب، الى أن ينتجوا أعمدة على أنقاض أعمدة، وأن تجد في كل الجرائد قبعة ونضارات سوداء، إشعاع في إشعاع، في حركة تحتية نسميها جزافا "الحركة النينية". ويبدو أن مؤسس "الحركة النينينية" أصبح يفطن لبرودة أعمدته النارية لصالح ملفات الصفحة الأولى في المساء، فتسابق على مكان فيها. رشيد نيني، الذي ما من ذنب له، غير أنه تملك اللغة، وأكلها، وأثار شهية الباقين من الأقلام الراكدة، شجاعة "نيني" في إزعاج الكبار جعلته في المتناول، حتى الملك لم يسلم من ضحكه، حيث ضحك مع الملك قبل أن يتوجس منه، خيفة أن تكون" قشابة" الملك ضيقة ولا تستحمل "تشناق" "نيني" ويطلب أن يخرج الله ضحكه على خير، "نيني" هذا الكهل، أصبح نجم الكتابة عندما وضع قدمه وسط خراطيم الأخطبوط، من متعاون مع العلم الى مبدع كل يوم، من الصباح الى المساء، الرجل يجتهد ولا يتوانى في ذكر الأسماء وتغليظها بشجاعة، نشد علي يديه ونحيه كما نحي كل جريء في المنابر الوطنية، الجهوية، المكتوبة والمسموعة والمقروءة، وكل الأقلام التي تلوح باللاء، ونتضامن معه تضامنا لا مشروطا في الدفاع عن حريته في التعبير، كقلم حر، قل ما شئت وانصرف، وندين كل المحاولات والمضايقات التي يتعرض لها أو التي تترصد به، وبمنبره المستقل حتى يثبت العكس؟. ولكن اسمح لنا أن نبدي بعض من امتعاضنا، مما أنتجته كتاباتك، و"شوف تشوف" واش تعجبك، إن أسلوبك كصحفي قد دمر ما بقي من الرقي، والنقاء اللفظي، الذي يعتبر ميزة الجرائد، والذي يعتبر معيارا لجودة المنتوج، وكمثال، عندما تتحدث عن فضلات البشر، زد على ذلك، حشو اللغة العربية بالدارجة أفسد أسلوب التلاميذ، بالإضافة الى تسييد جو من التسميم في الجسم الصحفي وإشاعة خطاب السباب والشتيمة، وألفاظ لجلد الذات، كما أن تسمية العمود لم تعد تناسب كاتبه، فإذا رجعنا الى ظروف ظهوره كان فعلا منسجما مع فترة التسعينيات في ظل تطور الدارجة المغربية، وعندما كان الناس يتبادلون الكلام بتعبير "شوف تشوف" كأحد أساليب التشكيك والمراوحة، وعدم اليقين، أما اليوم، لا مكان لهذا التعبير في الحوار اليومي، بل هناك مصطلحات جديدة،غريبة، لذا بدا العمود شيخا يتصابا، في مراهقة متأخرة. بالإضافة الى سؤال كبير: إذا كان "نيني" يعادي الجميع، من التنظيمات النسوية التي اعتذر لها يوما بقصيدة شعر، والنقابات العمالية، والصحفيين، والأحزاب، والوزراء، والقضاة، و"بوزبال" والمهاجرين والفنانين والرياضين، فمن يكون صديقه؟ إن التعاطي مع أبناء الشعب، يستوجب الى جانب مؤازرتهم ضد الطغاة في هذا البلد، الانخراط معهم، لهذا وجب على "نيني" وأضداده، التوضيح للسبب الحقيقي لهذا الصراع المعلن بينهم، هل هو شخصي؟ أو مؤسساتي؟ أو صراع مواقف ووجهات نظر مختلفة؟ أم له بعد أخر لا يعلمه القراء؟ الذين ندعي احترامهم، أنت ونحن على السواء؟ لا ندري إن كنا قد أصبنا منك ما يقلقك؟ ولن نفاجئ بردك العنيف، بل سنحترمك أكثر.