فاز الحزب الليبرالي (في في دي) بفارق بسيط جدا في الانتخابات النيابية الهولندية التي أجريت يوم أمس التاسع من يونيو- حزيران، وهي المرة الأولى في تاريخه التي يتقدم فيها الحزب الليبرالي عن باقي الأحزاب الهولندية مجتمعة، إلا أن الفوز الذي حققه وبهذا الفارق البسيط جدا، لم يسبقه إليه أحد من قبل، وهو الأول من نوعه في تاريخ الانتخابات الهولندية. زعيم الحزب مارك روته الذي يتوقع أن يتولى منصب رئيس الوزراء الهولندي القادم توجه إلى مناصريه ليل الأربعاء قائلا: "أصدقائي يا لها من ليلة فريدة، ويا له من تشويق، ويا له من حدث فريد، إنها المرة الأولى في تاريخ حزبنا على الإطلاق التي نفوز فيها بأكبر عدد من المقاعد البرلمانية". أما حزب العمل وهو حزب وسط اليسار فقد احتل المرتبة الثانية بفارق مقعد واحد فقط عن الحزب الليبرالي. زعيم الحزب يوب كوهن كان سعيدا بالنتيجة التي حققها حزبه، فرغم سقوط الحكومة السابقة، التي كان العماليون مشاركين فيها، وتعثر يوب كوهن في الحملة الانتخابية التي سبقت الانتخابات في العديد من المناسبات إلا أن الحزب تمكن تقليص الضرر إلى حده الأدنى. يقول كوهن: "الكثير من الناس اعتقدوا أن أمر حزب العمل قد قضي، وأنه في طريقه إلى الموت، لكن أنظروا ألينا، ها نحن لا نزال هنا". وبغض النظر عن الحزبين الكبيرين الفائزين في الانتخابات فان حزب الحرية اليميني بزعامة خيرت فيلدرز قد احتل المرتبة الثالثة محققا قفزة كبيرة حيث تمكن مضاعفة عدد مقاعده مرتين تقريبا، بعد أن حصل على 24 مقعدا بينما كان لديه تسعة مقاعد فقط في البرلمان المنتهية ولايته، وبهذا يكون حزب الحرية قد حقق أكبر فوز في الانتخابات. وفي أول تصريح له حول هذه النتيجة، قال السيد فيلدرز: "أصبح المستحيل حقيقة"، ونعت يوم أمس باليوم المشهود لهولندا والهولنديين أجمعهم، وتحدث عن قرابة مليون ونصف من الناخبين الذين صوتوا لحزبه، وقد احتل حزب الحرية بهذه النتيجة المرتبة الثالثة بعد كل من الحزب الليبرالي وحزب العمل. لكن السؤال الذي يبقى مطروحا هو ما إذا كان بوسع حزب الحرية المشاركة في تشكيل الائتلاف الحكومي؟، ويرى السيد فيلدرز أن من حق حزبه أن يشارك في الائتلاف الحكومي القادم، وقال: "نتمنى أن نشارك في الحكومة القادمة، لا يمكنهم أن يتجاهلونا أو يدفعونا إلى الخارج". إلا أن الحزبين الفائزين في الانتخابات قد يكون لهما رأي مخالف، فالحزب الليبرالي بزعامة مارك روته قال انه لا يستثني أي حزب من دائرة المفاوضات، غير إن التعاون بين الحزب الليبرالي وحزب الحرية قد يبدو مستحيلا. ورغم أن إقصاء حزب فائز في الانتخابات لا يعد أمرا مألوفا، فقد تعرض الحزب الاشتراكي لذلك الموقف بعد أن تمكن الحزب من مضاعفة مقاعده ثلاث مرات تقريبا بفوزه ب25 مقعدا في الانتخابات السابقة، إلا أنه، رغم ذلك، لم يشارك في تشكيل الحكومة. هذه النتيجة تجعل تشكيل حكومة ائتلافية أمرا في غاية التعقيد والصعوبة. الحكومة اليمينية التي يمكن أن يشكلها الحزب الليبرالي، وحزب الحرية بزعامة فيلدز، والحزب المسيحي الديموقراطي ستعتمد على أغلبية صوت واحد في البرلمان مما يجعلها عرضة للاهتزازات. الائتلاف الراسخ الذي يمكن أن يستند على أغلبية مريحة تضم الحزب الليبرالي وحزب العمل والحزب المسيحي الديموقراطي يبدو عسير التحقق بسبب الخلافات العميقة بين الأحزاب الثلاثة. الكتل البرلمانية للأحزاب المختلفة ستجتمع اليوم لأول مرة كلاً على حدة لبحث النتائج الانتخابية وخياراتهم لتشكيل الحكومة وقد حث السيد خيرت فيلدز، بزهو محارب منتصر، نوابه الجدد في البرلمان على الاستعداد لأداء هجومي قاس على نخب لاهاي السياسية. "أقول للنواب الجدد لحزبنا، حزب الحرية الجميل، ليجلب كل منكم غدا شيئا نقذفهم به". اكبر الخاسرين، رئيس الحكومة السابق وزعيم الحزب المسيحي الديموقراطي يان بيتر بالكنينده، غادر الساحة السياسية الهولندية في مشهد درامي معلنا تخليه عن زعامة الحزب وعضوية البرلمان بعد أن خسر حزبه نصف مقاعده البرلمانية في خسارة غير مسبوقة في تاريخ الحزب، وصف بالكنينده نتيجة الانتخابات البرلمانية بأنها مخيبة جدا للآمال. وسيواصل السيد باكنينده مهامه كرئيس وزراء مكلف لحين تشكيل الحكومة الجديدة ليغادر بعدها لاهاي التي ترأس فيها أربع حكومات متعاقبة منذ عام 2002، لم تكمل أي منها فترتها الدستورية. تبقى من العملية الانتخابية فرز حوالي اثنين في المئة من أصوات الناخبين معظمها للهولنديين المقيمين في الخارج، ولا يحتمل أن يؤدي ذلك لتتغير النتيجة النهائية لأن الحزب الليبرالي لديه شعبية أعلى بين المغتربين الهولنديين. خرج حوالي 74% من الناخبين الهولنديين للإدلاء بأصواتهم وهي نسبة منخفضة مقارنة بالسنوات الماضية وربما تكون الأمطار الغزيرة التي هطلت طوال يوم أمس سببا في ذلك، وبلغت تلك النسبة أدناها في مدينة روتردام الكبيرة التي تسكنها أعداد كبيرة من الهولنديين ذوي الأصول الأجنبية حيث لم يصوت فيها سوى نصف عدد الناخبين المسجلين.