إن الحديث عن نيقولو ميكيافيلي في أي مجمع من الناس سواء كانوا من المثقفين أو من الحرفيين أو الخبراء السياسيين أو حتى في مجامع الاطفال والشبيبات المدرسية... سيجعل الكل يستحضر ميكيافلي في صورة الشيطان الذي أسس لفلسفة سياسية خبيثة ، تروم الى هدف نهائي دون النظر في الوسائل المستعملة، وظلت هذه النظرة معمرة في مخيلات مختلف الشرائح الاجتماعية حتى وقتنا الحالي. ولكن السؤال الحقيقي الذي لازم هذه "الحقيقة البديهية"، التي لم تخضع أبدا لأدبيات التحقق من منظور علمي وعملي هو: إلى أي حد يمكن التسليم بأن ميكافيلي في كتاباته كان يؤسس لفلسفة سياسية ضد الشعب ولصالح الامراء والحكام؟؟ لقد حاول جون جاك روسو الاجابة عن هذا السؤال عن طريق قراءة أفكار ميكيافيلي بصورة عكسية ، وخلص الى ان ميكيافيلي في جل كتاباته وبشكل خاص في كتابه الامير أظهر لنا حقيقة الامراء بشكل جلي وكشف الغطاء عن خبثهم وكل المكائد التي يقومون بها من أجل خداع الشعب ، ليكون بذلك كتاب الامير مرآة لحقيقة الحكام والامراء، وهو ما يجعل منه أول شخصية تكشف الغطاء عن بؤس الساسة والامراء والحكام، لينزع عنه كل صفات الشيطنة والخبث ومحاباة الحكام. وقياسا على هذا في مشهدنا السياسي المغربي نكاد نكون أمام حالة شبيهة بحالة نيقولو ميكافيلي ويتعلق الامر بزعيم حزب الاصالة والمعاصرة إلياس العمري، الذي اسيل في حق شخصه الكثير من المداد، ووصف بأبشع الأوصاف ، وقد وصل الأمر ببعض الساسة والمثقفين إلى شيطنته وجعله يقف وراء كل الاحداث التي يشهدها المشهد السياسي المغربي، وبشكل خاص لكونه شخصية سياسية ظلت فترة طويلة بعيدة عن المهام الانتخابية والمسؤوليات الحزبية، وهو ما حدا بكل خصومه السياسيين إلى مطالبته بشكل صريح تارة وبشكل ضمني تارة أخرى ،إلى الخروج بشكل علني ومزاحمة السياسيين في مهامهم الانتخابية ومن مواقع المسؤولية من داخل الحزب. وأمام هذا الاصرار قرر دخول معترك السياسية من مواقع المسؤولية ولكن حاملا على كتفيه أضخم وصية على الاطلاق، وهي وصية والده المرحوم الحاج شعيب والتي كان مضمونها على حد تعبيره : لا تحاول أبدا يا ولدي أن تبلغ مكانا لا تستطيع البقاء فيه للابد. ولأجل هذا دخل معترك السياسة وهو واضع عينيه على لحظة الخروج من المسؤوليات ، لأن إلياس العمري كما نعرفه جيد ليس بحاجة للكراسي والمناصب والمسؤوليات حتى يكون رجلا ذو حضوة أو ذو نفع للناس، بل يكفيه قلبه الطيب النزاع لعمل الخير والمحب للانصاف والعدالة، أن يعفيه من ذلك. وفي لحظات من البؤس الاجتماعي التي اشتد فيها الصراع الاجتماعي ، حتى عجزت كل مؤسسات الدولة والاحزاب السياسية عن احتواء الأزمة أو التخفيف من حدة الصراع ، تدخل جلالة الملك واصفا بؤس السياسة والساسة وطلب بشكل واضح وصريح التخلي عن كل الاساليب السياسية التقليدية والاضطلاع بمهام المسؤولية بشكل سليم، واستحضار الامانة التي على اعناقهم ، وإما الاستقالة من مهامهم السياسية وترك المجال للشباب والجيل الجديد ليضطلع بمهمة إنقاذ الوطن من هذا المسار التنازلي الذي يسير فيه والذي انحدرت إليه كل المؤسسات الاجتماعية. والغريب في الامر أن كل الساسة المغاربة والقائمين على رؤوس مؤسسات الدولة كعادتهم لم يحركوا ساكنا ، ولم يكلفوا أنفسهم عناء للتفاعل بشكل إيجابي مع خطاب جلالة الملك ، بل اكتفوا بالإشادة بخطاب جلالة الملك، وكأنه يخاطب أحزابا سياسية غير الاحزاب السياسية المغربية ، وهنا يحق فيهم قول مظفر النواب: تتحرك دكة الموتى أما أنتم فلا تهتز لكم قصبة، غير أن إلياس العماري بنبله السياسي وغيرته الصادقة على الوطن لم يكن من الصم البكم، بل حاول أن يتفاعل إيجابا مع الرسالة الملكية لعله ينقذ المشهد السياسي من بؤسه ويوقظ الساسة من سباتهم الطويل وغفلتهم العميقة، فسارع إلى تقديم استقالته من رئاسة حزب الاصالة والمعاصرة آملا أن يكون لهذه الالتفاتة صداها ومفعولها لدى باقي الاحزاب الاخرى ولكن صدق فيهم القائل لا حياة لمن تنادي.....وبهذا انكشف الزيف وسقط القناع عن الشياطين الحقيقين ولمع النبل السياسي ، ليكون بذلك هذا الرجل النزيه استطاع أن يزيح القناع عن وجه الساسة المغاربة، وأظهر لنا حقيقتهم البشعة بلا ماكياج.