مباشرة بعد البيان الأمازيغي المنسوب للأستاذ محمد شفيق، طرح موضوع تسييس الأمازيغية بحماس شديد، وفي مدة وجيزة برزت مشاريع مختلفة أغلبها يتبنى الانتقال للعمل السياسي، ويرى أن الأمازيغية تم إقصاؤها بقرار سياسي وأن السياسة هي المنفذ نحو رد الاعتبار لها. رفع "بيان بشأن الاعتراف الرسمي بأمازيغية المغرب" تسعة مطالب مهمة فحواها إحداث قطيعة مع مرحلة تاريخية اتسمت بالعمل الثقافي الجمعوي والانتقال نحو مرحلة سمتها العمل السياسي الأمازيغي، فمباشرة بعد إيداع هذا البيان وتعميمه من أجل التوقيع بدأت لقاءات إيمازيغن للجواب على سؤال ما العمل؟ رافق هذه الحركية رد فعل المخزن بمنع لقاء بوزنيقة ( 22-23-24 يونيو2001)، ولقد تمخضت عن هذا العمل الأمازيغي في تلك الفترة بروز أوراق سياسية مختلفة وتوجهات كثيرة منها؛ الجمعية السياسية، الحركة السياسية، الحزب السياسي وغيرها... كان لهذا التحول وقع شديد على مسار الحركة الأمازيغية، وعلى خطابها وأديباتها وتصورها للشأن الأمازيغي بشكل عام. وعمل هذا التحول على تنشيط جسم الحركة المذكورة، فأصبحت الحياة السياسية المغربية تتأثر بهذا التيار الجديد والقائم على احدى مقومات الشخصية المغربية الاساسية. وهكذا تحرك المخزن من أجل كبح جماح هذا المستجد السياسي عبر الخطاب الملكي بأجدير وإنشاء المعهد المكي للثقافة الامازيغية، غير أن الفرملة التي عرفها مسار الحركة الأمازيغية باستحواذ المعهد المذكور على مجموعة من القيادات والأطر، لم تمنع مجموعة من التصورات السياسية التي امتلكت المناعة الكافية لتتأسس على فترات متباينة وتفرض نفسها واقعيا على المشهد السياسي المغربي، هذا بالرغم من المنحى الذي ستؤول إليه ارتباطا باعتبارات ذاتية وأخرى موضوعية، وارتباطا أيضا بدرجة وقعها على الكائن السياسي المغربي بشكل عام، والكائن السياسي الأمازيغي بشكل خاص. وضع الشأن السياسي الأمازيغي هذا، سمح بتجديد المسعى نحو الفعل السياسي المنظم، وبناء عليه بدأت تتخطى الحركة الأمازيغية عتبة الثقافي نحو السياسي بأشكال مختلفة . سأتناول بهذا الصدد ثلاث مشاريع، يتعلق الأمر بالحزب الديموقراطي الأمازيغي المغربي، والحركة من أجل الحكم الذاتي للريف، ثم مشروع تامونت للحريات. 1- الحزب الديموقراطي الامازيغي المغربي: إبان مؤتمرات بوزنيقة برز مشروع الحزب الأمازيغي، وارتبط اسمه بالأستاذ أحمد الدغرني. كانت أطروحة الحزب شاملة وتطرقت للاقتصاد والعولمة والثقافة والسياسة والمجتمع، والماء والهجرة، والإدارة، والمؤسسات، والإيديولوجيا، والدولة والدفاع الوطني. امتازت الأطروحة بكونها من المشاريع التي امتلك أصحابها العزيمة والإرادة من أجل الدفع بها نحو الواقع العملي، وهذا بالضبط ما حدث خلال يوليوز 2005 تاريخ تأسيس الحزب. الآن بعد مرور 11 سنة على هذا الطرح الأمازيغي لنا أن نطرح أسئلة بعيدة عن المنع الذي طال وجود هذا الحزب من طرف المخزن، ولنا أيضا أن نحيط هذه الأسئلة بتحليل موضوعي . -السؤال الأول: يتعلق بقيادة الحزب: لعب الأستاذ أحمد الدغرني دورا محوريا على مستوى القيادة، وعمل على التسويق بشكل مهم للحزب، غير أن استفراده بالقيادة أو غياب قيادات موازية، ركن معه الحزب نحو الشخصانية المفرطة بل أكثر من ذلك ساد التحكم السلبي من خلال بعض خرجات الأستاذ الدغرني على مستوى الإعلام، وهذا الأمر يؤكد بالملموس أن قيادة الحزب كانت ضعيفة وبالتالي أضعفت معها قوة الدغرني التسويقية وشخصيته الكاريزمية، إذ لم تكن هياكل الحزب تمده بالمقترحات وتنبهه إلى خطورة بعض المواقف، وتنهاه عن بعض التصرفات، التي كان عليه اجتنابها في بداية التأسيس للظهور بمظهر الحزب/المؤسسة وليس الحزب/ الشخص. -السؤال الثاني: يتعلق بالأسباب الوجيهة التي دافع عليها الحزب للتأسيس: في مدخل مشروع أطروحة الحزب الأمازيغي نجد ما يلي: "إننا نحن الأمازيغ نحتاج إلى هيأة تقريرية تخرجنا من التشتت التنظيمي على الأحزاب العروبية والأصولية، وتعني أننا نحتاج إلى تنظيم قوي ينبني على الأسس الحضارية القديمة والحديثة لشمال افريقيا وكل بلاد تمازغا، ولذلك فمن الضروري أن نسعى إلى ضبط مفاهيمنا الأمازيغية وتصوراتنا وتوجهاتنا السياسية . وفي العمود الثالث من السارية الثامنة من مشروع الأطروحة والذي خصصه للدولة، انتقدت الأطروحة الدولة الموروثة عن "الحماية" لأنها لم توازي بين قوة الشعب وقوة الحكم المركزي، وكون الأطروحة تطمح إلى دولة التوازن والعزوف عن سياسة المقيم العام الموروثة، حيث التحكم في كل شيء داخل الدولة... ضمن الأطروحة إضافة إلى ما أشرت اليه، أسباب كثيرة، غير أن الاقتصار على ما ذكر كان من أجل تبيان، أن المشروع أخطأ عندما أراد الدخول إلى الساحة السياسية بفتح كل "أبواب جهنم"، وأنه لم يكن يمتلك الحس البراغماتي لتحصين طرحه السياسي، بل استهدف المشهد السياسي بكامله واستفرد بالملائكية، موردا خطابا قائما على أهم مقومات الشخصية المغربية، وبالتالي أقحم نفسه في صراع قوي بمؤهلات ضعيفة تقتصر على خطاب جديد وإواليات سياسية مستجدة، وهذا الأمر كان لا محال سيسقطه في النقد الجارح، والتهميش الواضح، والمنع الفادح. -السؤال الثالث: الخطاب السياسي للحزب. حاول الحزب أن يطرح خطابا سياسيا جديدا قائما على مفاهيم جديدة أغلبها مستورد من الخطاب الجمعوي للحركة الأمازيغية، يطمح للاستفراد بتوجه جديد يستقي من الفكر الأمازيغي عند أبوليوس وأوغسطين، ويعمل على توظيف العرف الأمازيغي وتجربة الحكم الأمازيغية، حتى أنه يطرح مفهوم " الديموقراطية الأمازيغية"، ومن جانب آخر انغمس الحزب في تفعيل القومية الأمازيغية باحثا عن إيديولوجية خطابية تسمح بتجميع إيمازيغن، فبادر إلى ربط قضايا المغرب واشكالاته بثالوث " أوال- أكال- أفكان" مستحضرا من أجل ذلك البعد التاريخي الذي كان له حضورا قويا في ورقة الحزب. إنها أهم العوامل المؤثرة في الخطاب السياسي للحزب الأمازيغي، هذا الخطاب الذي خلخل الفكر الأمازيغي المناضل الذي كان قد ركب مقاطعة التنظيم السياسي الحزبي خصوصا مع انتشار فكر الحركة الثقافية الأمازيغية وخروجه من الجامعة نحو الشارع بقوة خطابية وجماهيرية ومصداقية نضالية شبابية. ومن جانب آخر فإنه شكل عقدة انتخابية لمجموعة من الأحزاب السياسية خصوصا منها التي لها قاعدة انتخابية عريضة في المناطق الأمازيغوفونية، وهذا الأمر ساهمت فيه كل القوى الأمازيغية وعرف استمرارية في الزمن السياسي المغربي وأثر فيه بشكل ملموس، لنجد أحزابا في قمة القومجية تنادي بالأمازيغية أثناء حملاتها الانتخابية، مما يؤكد بأن تسييس الأمازيغية أمر وارد بقوة والجميع لامس نتائجه السياسية وهرول نحو انتاج التصورات الممكنة للتفاعل معه، غير أن أمر إنتاج تنظيمات سياسية باسمه يدعو للقلق، إذ المشهد السياسي المغربي برمته قام على خطاب مستورد ويحمل بين ثناياه مغالطات غير مقبولة لدى إيمازيغن. 2- الحركة من أجل الحكم الذاتي للريف: كان حضور "إريفين" في النقاش الذي صاحب صدور بيان الأستاذ محمد شفيق، حضورا وازنا فاعلا، وكان الاختلاف بينهم بارزا، فمنهم من مثل ورقة حركة إمغناس –هذه الفئة غالبيتها كانت تابعة لتصور الحركة الثقافية الأمازيغية بالجامعة-، ومنهم من ساند ورقة الجمعية السياسية أو منتدى النقاش السياسي، ومنهم من ساند ورقة الحزب الأمازيغي وغيرها... وطوال مدة تزيد عن خمس سنوات من النقاش وإنتاج التصورات والسعي نحو تثبيتها ومشروعيتها الجماهيرية، لم يظهر أي تصور جهوي للعمل السياسي الأمازيغي بالرغم من التنسيقات الجهوية الجمعوية والتي كانت منطقة الريف رائدة فيها. خلال مسيرة فاتح ماي 2007 بالناظور يتفاجأ الرأي العام بلافتة منسوبة للحركة الثقافية الأمازيغية، تطالب بإقرار الحكم الذاتي للريف، وصدور بيان في الموضوع. صاحبت هذا المطلب ردود أفعال متباينة، بين مؤيد ومشكك ومنتقد، وأولى ردود الأفعال حول المستجد لم تكن من المخزن، بل كانت من داخل جسم الحركة الأمازيغية التي سعت بكل قواها من أجل تجميع إيمازيغن في تنظيم واحد على امتداد المغرب، إذ بالرغم من اختلاف منطلقاتها وتصوراتها السياسية فإنها تتفق كلها على إطار وطني، ومن داخل نفس الجسم فإن حمل لافتة باسم الحركة الثقافية الأمازيغية تصدت له الحركة المذكورة بالجامعة بقوة لكونها التنظيم الذي دافع عن هذا الاسم منذ تأسيسها، مما نتج عنه نقاش حاد بين مناضلي نفس التنظيم؛ بين من يدافع عن الحكم الذاتي ومن يبرئ نفسه من هذا التصور الجديد ، خصوصا وسط خريجي الحركة حيث التصور المؤطر لهذا التنظيم يرتكز على الامتداد الموضوعي للمقاومة المسلحة وجيش التحرير، ويقوم على تنظيم وطني وتنسيقية وطنية موحدة على مستوى التصور والمعارك النضالية. تلى هذا التجاذب في النقاش الاعلان عن تشكيل اللجنة التحضيرية لتأسيس "الحركة من أجل الحكم الذاتي للريف" وتتولى اللجنة حسب أوراق الحركة ما يلي: -توسيع قاعدة التوقيعات على "بيان من أجل الحكم الذاتي الموسع للريف" -الإعداد للمؤتمر التأسيسي الذي سيجمع الموقعين على هذا البيان. وحسب نفس الأوراق فإن الأهداف المسطرة هي: -ابراز قوة ريفية مدافعة عن الحكم الذاتي. -تجميع الأصوات الريفية في تكتل وازن حول الحكم الذاتي. -المبادرة بالتأسيس لفعل سياسي جهوي ريفي. خلقت هذه المبادرة صدمة غير منتظرة على مستوى الحياة السياسية المغربية، صدمة غير متوقعة، لا من طرف المخزن، ولا من طرف الاحزاب السياسية، وحتى من طرف الحركة الأمازيغية نفسها، وهذا ما جعل هدا الطرح يحظى إبانه بحضور إعلامي كبير، وبانتقاد تهجمي بخلفيات تاريخية عنصرية من طرف البعض، وبتخوف على مصير تصور نضالي أمازيغي مشترك قائم على الوحدة والوطن بدل الجهة والإقليم. مميزات الحركة من أجل الحكم الذاتي للريف: أ- مبادرة شبابية: ما يميز الحركة أن قيادتها شبابية، وعليه فإن الحماس النضالي الذي يطبعها قوي، خصوصا وأن أغلبية مكوناتها ذات تجربة نضالية مهمة سواء في صفوف الحركة الثقافية الأمازيغية بالجامعة، أو في صفوف الجمعيات الأمازيغية، وهذه الميزة توفر لها امكانية الاستمرارية في الزمن بمعزل عن السيناريوهات المتوقعة حتى وإن لم تتمكن من استقطاب أتباع جدد، وهذا الأمر سيؤثر حتما على تصورها وخطابها السياسي ونضج تحركاتها. ب- تمثيلية أوربية: تمتلك هذه الحركة تمثيلية مهمة بأروبا، مما ينعكس إيجابا على تحركاتها وعلاقاتها مع المنظمات الاجنبية، ويوسع هامش عملها والانتاج الحر لتصوراتها خارج ضغوط المغرب نظاما وتنظيمات سياسية. ج- الانتماء للحركة الثقافية الأمازيغية: إن فئة مهمة من قياداتها خريجة الحركة الثقافية الأمازيغية، والمنسقين الاثنين اللذين تم انتخابهما للحركة ( كريم مصلوح ثم عبد الإله ستيتو) من الفاعلين النشيطين سابقا بالحركة الثقافية الأمازيغية-موقع وجدة-، وهذا يشكل نقطة قوة لهذه الحركة ، حيث يوفر لها امكانية استقطاب أعضاء جدد من ذات التنظيم خصوصا على مستوى موقعي وجدة والناظور، وارتباطا بالتكوين المهم الذي يخضع له مناضلي الحركة الثقافية والحس النضالي والتنظيمي الذي يمتلكانه فإن هذا الأمر يبقى في صالح مستقبل هذه الحركة. نواقص الحركة: أ-حركة نخبوية منغلقة: تقوم الحركة من أجل الحكم الذاتي للريف على فئة رجي الجامعة والفئات المثقفة، ويقتصر عملها بنسبة كبيرة على البيانات في معظم تحركاتها، ولم تستطع بعد أن تجد لها موقعا وسط الجماهير الشعبية، وهذا الأمر زاد من حدته بعد أن هاجرت بعض قياداتها التي كانت نشيطة في العمل الجمعوي. وبالنظر لمكوناتها فإنها لم تستطع ترجمة أهدافها المذكورة، خصوصا المتعلقة منها بإبراز قوة ريفية مدافعة عن الحكم الذاتي، وانزوت نحو التقوقع السلبي الذي لا يسمح لها بالتفاعل الجماهيري الشعبي ب-ضعف الخطاب السياسي: تمتلك هذه الحركة الجرأة الكافية للدفاع عن تصورها السياسي، غير أن حلقة مهمة مفقودة في هذا الإطار وتتعلق بالخطاب السياسي. إن طبيعة الحركة يحتم عليها امتلاكها لخطاب سياسي جديد قوي ومؤصل، وهذا المكون ضعيف والامر لا يرجع إلى قصور النخبة المكونة للحركة على المستوى الفكري والسياسي، بقدر ما يرجع إلى التسرع في انتاج الطاب واتسامه بالمرحلية كما يرجع إلى غياب الهياكل التنظيمية ومحاولة الاستفراد بتوجه سياسي مقنع وجامع لقضايا الريف، والبحث عن الجديد في هذا الشأن وطرحه بعيدا عن التأصيل الفكري العلمي في بعض الأحيان ( اللغة الريفية نموذجا)، مما يخلق تذبذبا واضحا بين أعضاء الحركة، وتذبذبا خطابيا تحمله بيانات الحركة وبعض تصريحات أعضائها، خصوصا المتعلقة بالموقف من المخزن والملكية والتصور الاقتصادي والثقافي.. 3- تامونت للحريات أعاد ائتلاف "تامونت" إلى الواجهة سؤال ، ما العمل؟ المطروح بعد البيان الأمازيغي، وتم استحضار ذلك النقاش الذي صاحب التوقيع على البيان المذكور والمتعلق بمدى امكانية الانتقال نحو العمل السياسي والحزبي بوجه الخصوص. نفس الأسئلة ، نفس الهواجس، نفس الخطاب، نفس الخطاب المضاد... والذي ساد قبل 15 سنة، أو بشكل آخر وأكثر تدقيقا قبل 11 سنة (بالنسبة لتأسيس الحزب الامازيغي)، هي نفسها التي تتحكم في مسار هذا المسعى الجديد نحو تحزيب الفعل النضالي الأمازيغي. أ- سياق بروز تامونت: ظهرت تامونت ( السياسية) في سياق سياسي مغربي يتسم بتراجع مجموعة من الاحزاب السياسية على مستوى حضورها الجماهيري والشعبي وارتكنت إلى العمل الظرفي المحدود، كما اختلطت تصوراتها السياسية وأدبياتها حتى انمحت معها الإيديولوجية والموقف السياسي وتم تعويضهما بالتغريد لتصورات المؤسسة الملكية، هذه الأخيرة التي زادت قوتها وتأثيرها في مقابل طبقة حزبية تنتظر الإشارة لإصدار موقف بسيط ، ما بالك أن تؤدي دورها المحوري من خلال مواقعها (أغلبية-معارضة-أو غيرها..). ومن نتائج هذا الضعف الحزبي شخصنة المشهد السياسي المغربي( نموذج صراع إلياس العماري وعبد الإله بنكيران) وتأثيثه بسينوغرافيا تهيمن عليها الأكسيسوارات الجذابة لخلق أكبر شريحة من الجمهور لإعطاء صورة مزيفة عن فرجة مزيفة ممتعة، تؤدي الشخصيتان المهيمنتان أدوارا مختلفة - قد تشاركها بعض الشخصيات الثانوية- معوضة عن المعارضة وعن الخطاب السياسي الجاد وعن دور التأطير وغيرها، والمسرحية واحدة ومخرجها واحد وكذلك المؤلف. وعلاقة بالحركة الأمازيغية، فإن ظرفية البحث عن الذات السياسية لتامونت واكبتها سياقات مختلفة عرفتها الحركة الأمازيغية، سأتناولها كما يلي: *السياق الأول: يتعلق باستمرار خروج إيمازيغن للشارع من خلال "توادا ن إيمازيغن" في ظل تراجع أغلبية الحركات الاحتجاجية باستثناء حركة المعطلين. *السياق الثاني: استشهاد الطالب المناضل في صفوف الحركة الثقافية الأمازيغية "عمر خالق-إيزم"، وما واكبه من قوة نضالية أمازيغية لم تشهد لها مثيل الحركة الأمازيغية على مستوى التنظيم والإعداد والتنسيق الوطني والدولي. *السياق الثالث: خروج المعتقلين السياسيين للحركة الثقافية الأمازيغية (مصطفى أوسيا وحميد أوعظوش) وما واكب هذا الحدث الهام في تاريخ الحركة الأمازيغية، من استقبال المعتقلين في مختلف مناطق المغرب بصورة لم يشهدها التاريخ السياسي للمغرب بعد. *السياق الرابع: تراجع الحركة الجمعوية الأمازيغية في مجموعة من مناطق المغرب وظهور نقاش حول القانون التنظيمي للأمازيغية، حرف المسار الحقيقي للصراع الأمازيغي من صراع عمودي إلى صراع أفقي في كثير من الفترات. هذا بالإضافة إلى مجموعة من السياقات والاحداث التي لا يسع المجال لذكرها. كل هذه السياقات تعتبر مهمة، وأرضية خصبة بالنسبة لمشروع سياسي يقوم على الأمازيغية كمدخل للبحث عن الشرعية والمشروعية ( باستحضار بعضا من مقومات علم الاجتماع السياسي). ولذلك نجد أن قيادات المشروع عملت بجهد جهيد في مختلف الاتجاهات لكسب معركة التأسيس. ب- تفعيل مشروع تامونت: مر هذا التفعيل بمرحلتين في انتظار المرحلة الثالثة المتعلقة بالتأسيس، وسأتناولها كما يلي: -المرحلة الأولى: انطلقت عملية تفعيل مشروع تامونت، وبرزت بشكل جلي مع القرار القائم على الالتحاق بحزب "التجديد والإنصاف" على شاكلة التحاق إخوان بنكيران بحزب الخطيب أواخر التسعينيات، وراحت قيادات المشروع تزكي القرار وتعمل على التسويق السياسي لهذا الاختيار، والذي أسفر عن التوصل إلى اتفاق إدماج مجموعة من أعضاء تامونت بأجهزة حزب "شاكر أشهبار"، وعقد لقاء المجلس الوطني للحزب خلال أبريل 2016 بمراكش وتم الاتفاق أيضا على تغيير اسم الحزب ليصبح "حزب تامونت للتجديد". وخارج السياق الطبيعي للمشروع فشلت كل الأهداف المسطرة فتم التفكير في إعادة البناء من جديد والبحث عن بقعة أرضية صالحة للبناء بدل استكمال بناء منزل الغير دون الحصول على سند التملك. -المرحلة الثانية: هذه المرحلة التي تمتد في الزمن من الفشل المشار اليه سابقا إلى غاية يومنا هذا - قبل الإعلان عن تحديد تاريخ التأسيس – اتسمت في بدايتها بردود أفعال حول تصرفات " شاكر أشهبار" خصوصا المتعلقة منها ببيان هذا الأخير ضد تقرير الخارجية الأمريكية حول حقوق الإنسان بالمغرب ، لدفاعه عن الأمازيغية وإشارته إلى إقصاء الأمازيغية وتهميش وتفقير المناطق الأمازيغية اقتصاديا، بحيث لامس على اثره المتتبعين التردد في ردود الأفعال الذي انتاب أعضاء تامونت وهم ينتقلون من خطاب مقنع بالاختيار السياسي لدخول العمل الحزبي بالاندماج المشار اليه، إلى خطاب يبرر الانسحاب وفشل الاندماج، ومباشرة خوض تجربة أخرى تقوم على العمل من أجل تأسيس حزب جديد، وما يستوجبه الأمر من عمل إضافي عن المرحلة الأولى. وقبل وصول المرحلة الثالثة التي نجهل حيثياتها والإعداد لها على مستوى الأوراق والتصور السياسي وتحديد تاريخ التأسيس سأطرح مجموعة من الأسئلة ولن أبادر إلى تقييم هذه التجربة السياسية حتى تعرف ولادتها. والأسئلة كما يلي: - هل ستنجح تامونت في تأسيس الحزب؟ - ما هو الخطاب السياسي الذي ستقدمه، والتصور السياسي والإيديولوجي اللذين تمتلكهما؟ - ما هو الموقع السياسي الذي ستختاره؟ - هل ستكون الديمقراطية حليفة هياكل الحزب؟ - كيف سيتفاعل إيمازيغن مع الحزب؟ - هل سيستثمر الحزب تجربة الحزب الأمازيغي وكذلك المشروع السياسي للحركة من أجل الحكم الذاتي للريف، وأيضا تصور تيار كبير في الحركة الأمازيغية للعمل السياسي في إطار فدرالي؟ هذ المقالة هي محاولة لتحليل الوضع السياسي والتنظيمي الذي عمل جزء من الحركة الأمازيغية على الانتقال إليه، من العمل الثقافي والجمعوي، وبقدر ما هو إطلالة على جانب من جسم الحركة السياسية والحياة السياسية بالمغرب، فإنه تطلع نحو إيلاء هذا العمل السياسي ما يستحقه من الدراسة والبحث ومدى أهمية خطابه في تكريس التعددية السياسية بالمغرب والمساهمة في مسار الديموقراطية التي ينشدها الشعب المغربي.