لقد أسالت ما بات يعرف بقضية "عمر وفاطمة" الكثير من المداد، ومن القيل و القال، كما أثارت ردود فعل مختلفة الأبعاد والنوايا والأهداف، قاسمها المشترك هو التشفي والانتشاء إلى حد الخبث والسادية، و هي ردود فعل تعكس البنية الفكرية والعقلية المريضة والمتناقضة للمجتمع المغربي الذي جعل من قضية "عمر وفاطمة" قضية الرأي العام، معتمدين على الرواية الرسمية للأمن! عجيب أمر هؤلاء فمن كانوا بالأمس لا يصدقون المحاضر المطبوخة أبانوا عن حقيقتهم وبدأوا تحليلاتهم اعتمادا على محاضر الأمن! فمنذ متى كانت محاضر الأمن موضوعية لكي تكون كذلك في هذه القضية؟ لست هنا بصدد " تبرير" فاطمة وعمر من المنسوب إليهم ولا حتى بصدد الدفاع عنهم، لكن عنصر الشك أستحضره دائما عندما يتعلق الأمر بالروايات الرسمية للأمن. و أنا أتابع هذه الردود السادية التي أثارتها قضية "عمر وفاطمة" استوقفني شريط فيديو للصحفي عفوا للكوميدي صاحب برنامج "ضيف الأولى" في قناة مغرب تيفي محمد التجيني، و الذي لقي أي الفيديو صدى واسع لدى الجمهور العاشق للكوميدية، و بهذا الفيديو سيكون التجيني قد طرح إشكالا فلسفيا عميقا في مهنتي "الصحافة و الكوميدية!" ما علاقة الكوميدية بالصحافة؟ متى تنتهي الصحافة و تبدأ الكوميدية؟، إنها أسئلة عالقة تتسنى الجواب من السيد محمد التجيني!. في هذا الفيديو و بعيدا عن أخلاقيات المهنة، اعتمد السيد التجيني أسلوبا أقل ما يمكن قوله أنه سوقيا وسفيها، ففي غمرة انتشاء الشامتين أطلق العنان لساديته ولسخريته المتعفنة المبالغ فيها للتهكم على "عمر وفاطمة" ، دون أن يعلم أنه بذلك المعجم الذي استعمله وطريقة كلامه وحركاته فهو يسيئ لنفسه ولمهنة الصحافة، بل أساء أيضا للكوميدية!، فهو لم يكن موفقا بتاتا لا في هذه ولا في تلك، لقد تطفل عليهما معا مشكلا بذلك خطابا رديئا يفتقد لأدنى شروط التحليل الصحفي الرزين، اللبق والموضوعي، خاصة وأنها قضية أصبحت بالقوة قضية الرأي العام، وبالتالي أي حديث عنها بعيدا عن لغة التشفي يستدعي منا استحضار كل الأبعاد المتشابكة فيها، الاجتماعي، الأخلاقي والسياسي. فعلى المستوى الاجتماعي "فضيحة اجتماعية" تنم عن نفاق المجتمع والحركات الإسلامية التي تتشدق بالعفة والطهارة...هذه القضية تأتي لتأكد زيف شعاراتهم المدغدغة للمشاعر. على المستوى الأخلاقي "فضيحة أخلاقية" تأتي هذه القضية لتأكد أن الفعل الأخلاقي لا علاقة له بالدين، وأن الإنسان الأخلاقي لا يحتاج للدين كما يوضح ذلك الفيلسوف الألماني كانط ، بل الأخلاق يؤسسها المجتمع وهو الذي يصنف هذا الفعل بالأخلاقي وذاك بغير الأخلاقي وفق منظومة تربوية معينة. أما على المستوى السياسي تأتي هذه القضية لتأكد مرة أخرى أن الحل الوحيد لبناء مجتمع يتسع للكل هو العلمانية، و أن لا مكان للدين في السياسة، ولا مكان للمجتمع الذي يريدون تأسيسه على الوعظ و الإرشاد. إن إغفال السيد التيجني لكل هذه الأبعاد وتركيزه فقط على الشق الشعبوي في القضية " ممارسة الجنس في السيارة" كان مقصودا بل كان مدروسا لأهداف سياسوية معروفة، خاصة وأن الانتخابات على الأبواب، والمخزن يحضر للوصفة للسحرية للتخلص من الإسلاميين، فبعد ما أصبح يعرف بالغضبات الملكية على بنكيران، تأتي هذه "الفضيحة" التي تم تسويقها إعلاميا بشكل ممنهج بغية خلق الهوة بين حزب بنكيران وبين المتعاطفين معه، لإعدادهم نفسيا لتقبل نتائج الانتخابات المحسومة سلفا. إن حديث التجيني عن نفاق حزب العدالة والتنمية والحركات الإسلاموية والذي قزمه أي النفاق في الزنا (يفعلون ما ينهون عنه)، حديث مغلوط، لأن نفاق العدالة والتنمية يتجسد في الدرجة الأولى في غض بصرهم عن الفساد والمفسدين، يتجسد في تسترهم عن أوراق بانما التي ورد فيها اسم منير الماجيدي الكاتب الخاص للملك، أين كان السيد التجيني لكي يتحدث عن هذا النوع من النفاق وليشرح في حلقة تليفزيونية من بروكسيل كيف أن حزب العادلة والتنمية الذي كان شعاره أثناء الانتخابات هو محاربة الفاسد، والآن أصبح حزبا منافقا لأنه لم يتجرأ في فتح تحقيق في أوراق بانما التي ورد فيها اسم منير الماجيدي! أبدا لا يستطيع، لأن الجرأة عملة نادرة لا يتم تعويضها ب 5 مليون يورو عن كل حلقة يقدمها السي التجيني من برنامجه "ضيف الأولى". لكن كيف يستقيم النقاش ويعيب السيد التجيني على حزب العدالة والتنمية استغلاله للدين في السياسية، وهو الذي قدم ملف ترشحه سنة 2008 لعضوية المجلس التنفيذي لمسلمي بلجيكا، ويعتبر هذا المجلس هو الناطق الرسمي للجالية المسلمة لدى السلطات البلجيكية؟؟!! يبدو أن السي التجيني لم يكن موفقا تماما في لعبته خاصة وأن الغرض من ذلك الفيديو هو خدمة أجندة سياسية ولم يكن تماما لخدمة الموضوعية.