هناك مقولة عميقة للمفكر الألماني فريدريك هيغل، تقول: «التاريخ لا يصير تاريخا حينما يصير تاريخا للسلطة أو حينما يصير وسيلة للتطرف». وفي سيرة محمد بن عبد الكريم الخطابي، قائد الحرب التحريرية ضد الغزو الإسباني في العشرينيات من القرن الماضي، ضاعت الكثير من الحقائق بين فريقين كبيرين: أحدهما يبخسه قيمته ويحاصر تاريخه ويخاف من أفكاره؛ والآخر يؤسطره ويصعد به إلى منزلة الأنبياء. فوق كرسي الاعتراف، تعيد صفية الحسني الجزائري، زوجة الدبلوماسي رشيد الخطابي ابن شقيق الأمير بن عبد الكريم، ثم زوجة ابن الخطابي بعد ذلك، وحفيدة الأمير عبد القادر الجزائري، تركيب أحداث عايشتها في سوريا ومصر والمغرب مع العائلة الخطابية، وتتحدث عن علاقات آل الخطابي بالملوك والسياسيين المغاربة، وبقادة الثورات في كل من الجزائر ومصر، وتزيح الستار في ثنايا السرد عن أسرار بالغة الحساسية عن خطوط التماس بين المؤسسة الملكية وعائلةٍ شكلت دائما مصدر قلق للقيمين على السلطة في المغرب. على كرسي الاعتراف، تحكي صفية، أيضا، قصة عمر الخطابي مع العملية الانقلابية وموقف آل الخطابي من أحداث سنة 1958 وأسرارا أخرى.. يريد البعض أن يحشرها دائما في خانة الطابو. – أعود بك إلى انقلاب سنة 1971، إذ أخبرتني أن امحمد الخطابي، وهو ابن شقيق الأمير، كان عسكريا رفيعا يتدرب في أهرمومو مع اعبابو أحد قياديي الانقلاب، لكنك مررت عرضا على الحادث، رغم أن بعض المعلومات تشير إلى أن الحسن الثاني انتقم من جميع من كانوا في الثكنة، سواء بالإعدام أو التعذيب. لا أعرف إن كان امحمد الخطابي تعرض للتعذيب بعد الانقلاب على الملك الراحل الحسن الثاني أم لا، لكن تم اعتقاله والتحقيق معه، ثم أطلق سراحه بعد ذلك لأنه لم يثبت أنه شارك في الانقلاب بأي صيغة من الصيغ. – لكن هناك روايات تقول إنه تعرض للتعذيب قبل أن يطلق سراحه. قد يكون تعرض للتعذيب. امحمد كان رجلا نزيها ومستقيما ويخشى الله وحريص على تأدية شعائره الدينية. صحيح أنه بعد الانقلاب كان في حالة سيئة جدا لأنه عزل من الجيش، ولأنه كان مريضا بالسكري فقد تفاقمت حالته كثيرا. أتذكر أنه كان يسكن معي في نفس البيت، وكان يحس بآلام فظيعة جدا لم أتبين مصدرها، لكن داء السكري كان قد نخره فمات إثر ذلك بمدة قصيرة جدا. – كان مصابا بالسكري حينما كان بالثكنة العسكرية بأهرمومو، وأعتقد أنه لم يكن السبب الرئيس لموته. لا أتوفر على أي معلومات عن الموضوع، بيد أنه كان مريضا جدا قبل موته، وكانت يتألم بطريقة لا توصف، وزادت معاناته بعدما نزل الخبر عليه كالصاعقة: لم تعد في الجيش. ونحمد الله أن الذين حققوا معه لم يثبتوا أنه كان على علم بالانقلاب أو على علم به، ولم يسوقوه إلى حبل المشنقة كما حدث مع الكثيرين ممن ثبت تورطهم بالفعل في الانقلاب على الملك الراحل الحسن الثاني. – لكن عزله من الجيش يشي بأنه على الأقل كان على علم بشيء مما حدث. في تلك الفترة انتقموا من كل الذين كانوا في أهرمومو مع اعبابو، وإذا كان سوء حظ البعض قادهم إلى حبل المشنقة لأنهم كانوا مشاركين فعليا في الانقلاب، فإن البعض كانوا مجرد جنود بمراتب مختلفة في الجيش، ولم يكونوا يعرفون أي شيء مما يحاك ضد الملك الراحل الحسن الثاني، وكان من بين هؤلاء امحمد الخطابي الذي كان وفيا في عمله. – أليس ثمة حلقة مفقودة في هذه الرواية؟ تقولين إنه عزل من الجيش رغم أنه لم يكن يعلم بتفاصيل الانقلاب، ثم توفي بعد مدة قصيرة من قرار العزل الذي اتخذته قيادة الجيش. ا محمد مات مريضا جدا، قد يكون ذلك ربما نتيجة آثار نفسية للتعذيب أو للمدة التي قضوها معه في التحقيق. لا أستطيع أن أخبرك بشيء لا علم لي به بتاتا. – في فترة الثمانينيات ساءت العلاقة أكثر بين الحسن الثاني وبين العائلة الخطابية بسبب الخطاب الشهير الذي ألقاه سنة 1984 واصفا الريفيين بالأوباش، ومذكرا إياهم بدوره في أحداث سنة 1958-1959. أين كنت في هذه الفترة؟ وكيف تعاملت مع هذا التوتر؟ بقيت في الرباط، واستغللت كل وقتي حينها لتربية الأبناء وتدريسهم بطريقة جيدة، وقد نجحت في ذلك. أما سوء الفهم فقد استحكم فعلا حتى نهاية التسعينيات التي عرفت بعض الانفراج. – وما سبب هذا الانفراج؟ تبددت بعض المخاوف التي كان تساور الحسن الثاني، وتأكد له أن العائلة الخطابية لم تكن يوما عائلة انقلابية أو تريد الانقلاب عليه. آنذاك كان جل أفراد العائلة الخطابية قد عاد أغلبهم من القاهرة واستقروا بالمغرب. – مع ذلك قال عمر الخطابي يوما إن الريفيين لا يثقون بالمخزن، والمخزن لا يثق بالريفيين. هل ترين هذه المقولة صحيحة؟ ليس هناك شيء ثابت في العلاقات مهما كانت، لكن أرى أن الثقة قائمة بين الملك والريفيين بفضل الملك محمد السادس الذي لملم الكثير من جراح المنطقة.