الكنبوري يستعرض توازنات مدونة الأسرة بين الشريعة ومتطلبات العصر    "وزارة التعليم" تعلن تسوية بعض الوضعيات الإدارية والمالية للموظفين    مسؤول فرنسي رفيع المستوى .. الجزائر صنيعة فرنسا ووجودها منذ قرون غير صحيح    سقوط عشرات القتلى والجرحى جراء حريق في فندق بتركيا    جريمة بيئية في الجديدة .. مجهولون يقطعون 36 شجرة من الصنوبر الحلبي    "حماس": منفذ الطعن "مغربي بطل"    الكاف : المغرب أثبت دائما قدرته على تنظيم بطولات من مستوى عالمي    دوري أبطال أوروبا.. برشلونة يقلب الطاولة على بنفيكا في مباراة مثيرة (5-4)    ماستر المهن القانونية والقضائية بطنجة ينظم دورة تكوينية لتعزيز منهجية البحث العلمي    "سبيس إكس" تطلق 21 قمرا صناعيا إلى الفضاء    الحاجب : تدابير استباقية للتخفيف من آثار موجة البرد (فيديو)    ارتفاع عدد ليالي المبيت السياحي بالصويرة    كأس أمم إفريقيا 2025 .. "الكاف" يؤكد قدرة المغرب على تنظيم بطولات من مستوى عالمي    "البام" يدافع عن حصيلة المنصوري ويدعو إلى تفعيل ميثاق الأغلبية    المغرب يواجه وضعية "غير عادية" لانتشار داء الحصبة "بوحمرون"    تركيا.. ارتفاع حصيلة ضحايا حريق منتجع للتزلج إلى 76 قتيلا وعشرات الجرحى    التحضير لعملية "الحريك" يُطيح ب3 أشخاص في يد أمن الحسيمة    لمواجهة آثار موجات البرد.. عامل الحسيمة يترأس اجتماعًا للجنة اليقظة    الحكومة: سعر السردين لا ينبغي أن يتجاوز 17 درهما ويجب التصدي لفوضى المضاربات    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الانخفاض    تركيا.. يوم حداد وطني إثر حريق منتجع التزلج الذي أودى بحياة 66 شخصا    وزارة التربية الوطنية تعلن صرف الشطر الثاني من الزيادة في أجور الأساتذة    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء    مطالب في مجلس المستشارين بتأجيل مناقشة مشروع قانون الإضراب    اتخاذ إجراءات صارمة لكشف ملابسات جنحة قطع غير قانوني ل 36 شجرة صنوبر حلبي بإقليم الجديدة    توقيع اتفاق لإنجاز ميناء أكادير الجاف    مجلس المنافسة يكشف ربح الشركات في المغرب عن كل لتر تبيعه من الوقود    الدفاع الجديدي ينفصل عن المدرب    اليوبي يؤكد انتقال داء "بوحمرون" إلى وباء    فضيل يصدر أغنيته الجديدة "فاتي" رفقة سكينة كلامور    افتتاح ملحقة للمعهد الوطني للفنون الجميلة بمدينة أكادير    هل بسبب تصريحاته حول الجيش الملكي؟.. تأجيل حفل فرقة "هوبا هوبا سبيريت" لأجل غير مسمى    أنشيلوتي ينفي خبر مغادرته ريال مدريد في نهاية الموسم    المجلس الحكومي يتدارس مشروع قانون يتعلق بالتنظيم القضائي للمملكة    ندوة بالدارالبيضاء حول الإرث العلمي والفكر الإصلاحي للعلامة المؤرخ محمد ابن الموقت المراكشي    المبادلات التجارية بين المغرب والبرازيل تبلغ 2,77 مليار دولار في 2024    الغازوال والبنزين.. انخفاض رقم المعاملات إلى 20,16 مليار درهم في الربع الثالث من 2024    مطالب برلمانية بتقييم حصيلة برنامج التخفيف من آثار الجفاف الذي كلف 20 مليار درهم    تشيكيا تستقبل رماد الكاتب الشهير الراحل "ميلان كونديرا"    انفجار في ميناء برشلونة يسفر عن وفاة وإصابة خطيرة    المؤتمر الوطني للنقابة المغربية لمهنيي الفنون الدرامية: "خصوصية المهن الفنية أساس لهيكلة قطاعية عادلة"    في حلقة جديدة من برنامج "مدارات" بالاذاعة الوطنية : نظرات في الإبداع الشعري للأديب الراحل الدكتور عباس الجراري    إيلون ماسك يثير جدلا واسعا بتأدية "تحية هتلر" في حفل تنصيب ترامب    ترامب يوقع أمرا ينص على انسحاب الولايات المتحدة من منظمة الصحة العالمية    ترامب: "لست واثقا" من إمكانية صمود اتفاق وقف إطلاق النار في غزة    المغرب يدعو إلى احترام اتفاق وقف إطلاق النار في غزة    الإفراط في اللحوم الحمراء يزيد احتمال الإصابة بالخرف    وفاة الرايس الحسن بلمودن مايسترو "الرباب" الأمازيغي    دوري أبطال أوروبا.. مواجهات نارية تقترب من الحسم    ياسين بونو يتوج بجائزة أفضل تصد في الدوري السعودي    علماء يكشفون الصلة بين أمراض اللثة وأعراض الزهايمر    القارة العجوز ديموغرافيا ، هل تنتقل إلى العجز الحضاري مع رئاسة ترامب لأمريكا … ؟    المجلس العلمي المحلي لإقليم الناظور يواصل برامجه التكوينية للحجاج والمعتمرين    دراسة: التمارين الهوائية قد تقلل من خطر الإصابة بالزهايمر    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    الأمازيغية :اللغة الأم….«أسكاس امباركي»    ملفات ساخنة لعام 2025    أخذنا على حين ′′غزة′′!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حوالي 200 مدرسة عمومية بالمغرب أغلقت أبوابها منذ 2008
نشر في شبكة دليل الريف يوم 21 - 06 - 2015

194 مدرسة عمومية، في عدة مدن مغربية، اضطرت إلى أن تغلق أبوابها بعدما لم يعد يتردد عليها تلاميذ، منذ سنة 2008. رقم صادم كشف عنه تقرير رفع إلى اللجنة الدائمة للحقوق الاقتصادية والسياسية والاجتماعية بالأمم المتحدة شهر فبراير الماضي. الرقم يؤشر على بدء عد عكسي للمدرسة العمومية ونعي للتعليم العمومي الذي يبتلع لحد الآن ميزانية ضخمة، كما يظهر هجرة جماعية نحو مدارس التعليم الخصوصي.
في الدارالبيضاء لوحدها جرى إغلاق عدة مدارس في أحياء راقية خلت بالكامل من التلاميذ. مصالح وزارة التربية الوطنية قررت هدم بعضها وتفويتها لخواص. المثير أن كل المدارس التي تقرر هدمها توجد في أحياء يقاس بها ثمن الأرض بموازين الذهب. ما حقيقة إغلاق وهدم المدارس العمومية، خصوصا بالدار البيضاء؟ كيف يجري التعامل مع الرصيد العقاري الذي يبرز تحت أنقاض المؤسسات التعليمية المهدومة؟
ظهرت، منذ بداية العام الماضي، عدة تقارير تلتقي عند خلاصة واحدة؛ المدرسة العمومية ستنقرض. أول هذه التقارير دراسة حول «واقع التعليم الابتدائي والثانوي بالمغرب»، أجريت في إطار برنامج تابع للأمم المتحدة يسمى «التعليم أولا»، صدرت نهاية سنة 2014، تشير إلى أن انتشار التعليم الخصوصي في سلك الابتدائي بالمغرب ارتفع، خلال السنوات العشر الأخيرة، من 4 في المائة إلى 13 في المائة خلال سنة 2013 لوحدها.
هذه الدراسة، التي أشرف عليها باحث في مجال الحق في التعليم، يدعى سيلفن أوبري، تابع للمبادرة العالمية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، خلصت كذلك إلى أن التعليم الخصوصي سيتطور في المغرب ليصل إلى نسبة تمثيل تقدر ب24 في المائة. الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، فتوقعات التقرير تكشف أنه بحلول سنة 2038 ستصير 90 في المائة من المؤسسات التعليمية الخاصة بالمغرب خصوصية.
النتيجة التي تود الدراسة قولها هو أن المدرسة العمومية ستنقرض، وأن سبب انقراضها المفترض هوالتعليم الخصوصي، فإلى أي حد هذه الفرضية تظل صحيحة؟
أرقام صادمة
بالعودة إلى الدراسة المذكورة نجد أرقاما أخرى أكثر إثارة للصدمة، إذ تشير إلى أن تطور التسجيل في التعليم الابتدائي الخصوصي بالمغرب انتقل من 4.2 في المائة سنة 2000 إلى 5.5 في المائة سنة 2005، وبلغ، في سنة 2013، نسبة 13 في المائة، على أن ينتقل المعدل، سنة 2020، إلى 24 في المائة، حتى يصل، في حدود سنة 2038، إلى نسبة 97 في المائة.
قراءة هذه الأرقام، بمنطلق المخالفة، تعني أنه بحلول سنة 2038، لن يلتحق سوى 3 في المائة من التلاميذ الجدد بالمغرب في المدارس العمومية. الأمر يعني أن جل المدارس العمومية ستغلق، بما فيها تلك التي تحمل إرثا تاريخيا ثقيلا، ولن تظل سوى بضعة مدارس في أحياء فقيرة وقرى ومداشر على الخصوص، إذا ما افترضنا أن ولوج التعليم الخصوصي مرتبط بالقدرة المادية. لكن ما أسباب هذا الوضع؟
في الدراسة المذكورة نعثر على إشارة صريحة إلى كون نمو المضطر للاستثمار في التعليم العمومي هو أبرز سبب، إذ تورد أن هذا النوع من التعليم «يعتبر مصدرا مهما لعدم المساواة بين مختلف فئات المجتمع؛ بين الأوساط الغنية والفقيرة وبين القروية والحضرية. سبب تطور التعليم الخصوصي في حد ذاته، وفق الدراسة، هو النظام التربوي الجديد الذي أقر بدءا من سنة 2000، تاريخ التنزيل الفعلي للميثاق الوطني للتربية والتكوين، والذي أفضى إلى تضاعف عدد التلاميذ المسجلين في المدارس الخصوصية بثلاث مرات في ظرف عشر سنوات، علما أن نسبة التطور تبلغ 8 في المائة في السنة، كما أن نسبة التلاميذ الملتحقين بالتعليم الخاص في المدن الواقعة بين القنيطرة والدار البيضاء، وهو أبرز محور حضري بالمغرب، تصل إلى 60 في المائة.
حتى هنا، تظهر فرضية نمو التعليم الخصوصي وإقبال الناس عليه المفسر الأبرز لتراجع مدارس عمومية وانحسار عدد تلاميذها قبل أن ينتهي وجودها، في نهاية المطاف، بقرار إغلاق أو هدم.
الخلاصة ذاتها يفضي إليها تقرير آخر أعدته جمعيات مدنية ورفع إلى اللجنة الدائمة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بالأمم المتحدة. التقرير صدر، قبل نحو شهرين، وخلص إلى رقم مثير للانتباه؛ 194 مدرسة عمومية تم إغلاقها منذ سنة 2008، وعدد أكبر من المدارس الأخرى مهددة بالإغلاق. ما الذي قاد إلى هذه النتيجة المثيرة؟
وفق التقرير، الذي أشرفت عليه ثماني هيآت جمعوية، فإن سبب إغلاق مدارس عمومية هو تراجع أعداد من يتابع الدراسة بها، والسبب هجرة جماعية نحو مؤسسات التعليم الخصوصي، ذلك أنه في الوقت الذي لم يكن التعليم الخصوصي يستقطب، وفق التقرير، نسبة 9 في المائة من التلاميذ، سنة 1999، قفز العدد إلى 18 في المائة سنة 2014، بنسبة نمو سنوي بلغت 6 في المائة.
وبحسب هذا التقرير، فإن أسر الدار البيضاء لوحدها تنفق، في المعدل، ما مجموعه 31 ألف درهم كل سنة لتعليم أبنائها في القطاع الخاص، من أول سنة ابتدائي إلى نهاية التعليم الثانوي. هذه الأسر تؤدي رسوم تمدرس تتراوح، في المعدل، بين4000 و5000 آلاف درهم شهريا.
عقود للبناء ولحظة للهدم
الهيآت المدنية إذن، تجمع على أن انتشار التعليم الخصوصي يعني، حتما، انحسار التعليم العمومي. هذا ما ذهبت إليه جمعية الشبيبة المدرسية أيضا. حصلنا، من رئيس هذه الجمعية، مصطفى تاج، على معطيات تقدم جردا أوليا، وغير رسمي، لمدارس ابتدائية جرى هدمها أو إغلاقها، بسبب تزايد عدد المدارس الخصوصية، حسب التاج. ضمن القائمة نعثر على ثلاث مدارس بأكادير، وهي مدارس عبد الكريم بن جلون واليوسفية وابن زيدون، فضلا عن ثلاث مدارس أخرى بالعاصمة الرباط، وهي مدرسة التوحيد والأحباس والليمون والحداق، ومدرستين بفاس هما إعدادية محمد الفاسي ومدرسة عبد الواحد الفاسي، فضلا عن إعدادية أم هاني بسيدي سليمان، ومدرسة للا حسناء بالناظور، وإعدادية وادي المخازن بالعرائش، وإعدادية وادي الذهب بمراكش، إلى جانب مدرسة الحكمة بطنجة.
تاج يضيف أنه إلى جانب العشرات من المؤسسات التعليمية العمومية الأخرى التي تم إغلاقها بالمدن تم إقفال مؤسسات تعليمية بمجموعة من القرى، مرجئا ذلك إلى إحداث بعض المدارس الجماعاتية، الأمر الذي أدى إلى إغلاق المدارس الأساسية التي كان يدرس فيها تلاميذ الدواوير والمناطق القريبة.
في لائحة المدارس المغلقة، وفق الكاتب العام للشبيبة المدرسية، نجد مدارس تدخل ضمن المآثر العمرانية العتيقة، «بعض المدارس احتضنت لقاءات بالغة الأهمية، كمدرسة الأحباس بالمدينة العتيقة بالرباط والتي تأسست سنة 1938، والتي كانت شاهدة على مجلس وزاري ترأسه المغفور له محمد الخامس في فضائها سنة 1945، وقد صنفتها منظمة اليونسكو كتراث إنساني عالمي، إلا أن قرار الإغلاق كان نهائيا وقضى، بجرة قلم على تاريخ مدرسة تخرجت منها أجيال من رجالات الدول»، يقول تاج قبل أن يضيف: «الشيء نفسه تكرر بالنسبة لإعدادية محمد الفاسي بالمدينة العتيقة بفاس، والتي تعد من المدارس النموذجية بنيابة فاس، نظرا للنتائج الجيدة لتلامذتها في المستويات الثلاث، كما أنها تتوفر على مواصفات مدرسة النجاح، فأقسامها لا تعرف اكتظاظا على غرار باقي المؤسسات التعليمية ونسبة الهدر المدرسي فيها جد ضئيلة إن لم نقل منعدمة، وحالات الشغب والعنف معدودة على رؤوس أصابع اليد الواحدة، كما أن محيطها الخارجي لا يعرف توافد الغرباء للتضييق على التلاميذ والتلميذات وظواهر تعاطي المخدرات لا وجود لها على الاطلاق بمؤسسة محمد الفاسي، إلا أنها، ورغم ذلك، أغلقت بقرار إداري من نيابة التربية الوطنية بالمدينة».
بالعودة إلى الدار البيضاء، والتي تشهد بدورها عددا من عمليات هدم مدارس، نعثر على واقعة مثيرة وهي هدم مدرسة عن آخرها. يتعلق الأمر بمدرسة «ابن عباد» الواقعة بشارع الزيراوي، وسط البيضاء. المدرسة بنيت أيام الاستعمار الفرنسي، وهي واقعة بين مدارس مختلفة، بينها ثانوية «ليوطي» الشهيرة، ومدرسة يهودية معروفة. «ابن عباد»، إذن، كانت المدرسة التي يتابع فيها أبناء المواطنين العاديين وسكان بوركون على الخصوص، حينها، تعليمهم.
أكيد أن وجود المؤسسات التعليمية التي تم اغلاقها والتي تسير في طريق الاغلاق في مناطق ترابية استراتيجية وسط المدن، وشساعة مساحتها، وغلاء ثمن الأراضي في محيطها يسيل لعاب أباطرة العقار والمنعشين الذين يشكلون أدوات ضغط على الجهات المختصة قصد الاغلاق وفيما بعد التفويت.
جمعية «ذاكرة الدار البيضاء» كانت بين المحتجين على هدم هذه المدرسة على اعتبار أنها تجر وراءها تاريخا طويلا. «سجلنا، في الفترة الأخيرة، هدم عدة بنايات، بينها مدارس، تعود إلى فترة الاستعمار. مؤخرا تم هدم مدرسة ابن عباد رقم قيمتها التاريخية الكبيرة وفي الوقت الذي تتحضر فيه الدار البيضاء للترشح لنيل شهادة التراث العالمي التي تمنحها منظمة اليونسكو»، يقول مصطفى شكيب، عضو جمعية ذاكرة الدار البيضاء.
العقار.. وجه آخر للحقيقة
إلى حدود الساعة تظهر معطيات بالغة الأهمية أولها ارتباط إغلاق مدارس بخلوها من التلاميذ نتيجة هجرتهم نحو التعليم الخصوصي، فضلا عن تمركز عدد من المدارس المغلقة بمدن كبرى خصوصا الدار البيضاء، وهي مدن تتسم بارتفاع ملفت في قيمة العقار بسبب ضيق وعائه، فضلا عن عدم استثناء قرارات الهدم مؤسسات تعليمية تحمل ثقلا تاريخيا.
بشكل أوضح، يورد تاج، الكاتب العام لجمعية الشبيبة المدرسية معطى آخر قد يكون محددا، قائلا: «أكيد أن وجود المؤسسات التعليمية التي تم إغلاقها، والتي تسير في طريق الإغلاق، في مناطق ترابية استراتيجية وسط المدن، وشساعة مساحتها، وغلاء ثمن الأراضي في محيطها يسيل لعاب أباطرة العقار والمنعشين الذين يشكلون أدوات ضغط على الجهات المختصة قصد الإغلاق وفيما بعد التفويت». فهل هذا المعطى صحيح؟ هي يمكن أن نتحدث عن تفويت لعقارات المدارس لغايات ربحية؟
تتبعنا خيوط هذه الفرضية أيضا. المعطيات الرسمية لا تظهر شيئا كثيرا. التقرير الأخير الصادر عن المجلس الأعلى للتربية والتكوين، والذي تتبع تطبيق الميثاق الوطني للتربية والتكوين ما بين سنتي 2000 و2013، خلا من أي إفصاح عن أسباب هدم مدارس ومآل عقاراتها. المعطى الوحيد الذي يتقاطع، إلى حد ما، مع القضية، يتعلق بالطاقة الاستيعابية بالتعليم المدرسي. الأرقام التي أوردها التقرير بهذا الخصوص تظهر تراجعا لأعداد التلاميذ في الأقسام الابتدائي بالوسط الحضري على الخصوص. المعدل انتقل من 34.1 تلميذا في القسم سنة 2000 إلى 33 تلميذا سنة 2013.
على كل حال، لا يمكن الذهاب بعيدا بتوقع اعتراف رسمي بتوجه المدرسة العمومية، بخطى حثيثة، نحو الزوال.
قد يكون هذا السبب هو الذي يفسر عدم تلقينا معلومات حول الموضوع طلبناها رسميا من الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين بجهة الدار البيضاء الكبرى، فقد اتصلنا مرارا بمسؤول التواصل بالأكاديمية، الذي لم يكن موجودا في مكتبه، حتى في وقت زيارتنا لمقر الأكاديمية يوم الثلاثاء 16 يونيو الجاري، كما لم يردنا رد على طلب وضعناه في مكتب الضبط بالأكاديمية للحصول على معلومات.
في المقابل، تمكنا من الحصول، من مصادر خاصة، على معطيات تقود إلى استنتاجات مهمة بشأن مصير مدارس عمومية وعقاراتها بالبيضاء.الأمر يتعلق بلائحة بالمدارس التي جرى إقفالها خلال العامين الماضيين.
حسب مصادر مطلعة، بلغ عدد المدارس التي تم إغلاقها بصفة نهائية، خلال 2014 و2015، أكثر من 17 مدرسة، هي مدرسة النخيل بحي النخيل، ومدرسة ابن باجة، بوسط المدينة، ومدرسة محمد عبده، القريبة من مقر نيابة التعليم أنفا، ومدرسة ابن عباد بشارع الزيراوي، ثم مدرسة عمر الخيام والكندي، بنين وبنات، وابن حزم والبشيري والمنفلوطي والحنصالي والزيراوي والحريري، بين وبنات، ثم أبي القاس الشابي وابن طفيل.
بعض هذه المدارس هدمت بالكامل أو جزئيا، مثل مدرسة الحريري، بدرب المعيزي بالمدينة القديمة، التي فوتت لشخص مقابل بناء ملعب، ومحمد عبده، التي احتلت من طرف النيابة التعليمية أنفا، ومدرسة الشابي التي هدمت لتحتضن، وفق المصادر، مقرا ملحقا لإحدى كليات الطب الخاصة الجديدة بالدار البيضاء، علما أنه أنفقت على هذه المدرسة أموالا عمومية، خصوصا من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، لتهيئتها واستغلالها في أغراض اجتماعية، كما أن هدم مدرسة ابن عباد التي ذكرنا يهدف، وفق المصادر، إلى توفير وعاء عقاري لبناء إقامة داخلية لطلاب مدرسة الطب الخاصة سالفة الذكر، في حين سبق هدم مدرسة بحي المعاريف لإقامة مشروع اجتماعي تابع لمؤسسة تعنى بالعاملين في قطاع التعليم، وهو المشروع الذي لم يتقدم لحد الساعة، بعد تسوية المدرسة بالأرض باستثناء فيلا تحتلها، حتى الآن، مسؤولة سابقة بقطاع التعليم.
الملفت، وفق المصادر، أن المدارس المهدمة توجد في أماكن لا يقل ثمن المتر المربع بها عن 3 ملايين سنتيم، علما أن لائحة المدارس المشمولة بالإغلاق تضم مدارس أخرى بأحياء راقية لا يتجاوز معدل الأقسام بها ستة أقسام تضم في المعدل نحو 20 تلميذا، جلهم من أبناء حراس الإقامات بهذه الأحياء، يضيف المصدر. سبب إخلاء هذه المدارس، وفق المصدر نفسه، هو زحف مدارس التعليم الخصوص. شهادة أخرى تؤكد الفرضية سالفة الذكر.
عبد الله خميس : «اقترحنا استغلال مدارس عمومية بدل إغلاقها وتركها للخراب»
إلى حد الآن كل «الاتهامات» بقتل المدرسة العمومية توجه إلى التعليم الخصوصي. هذه الاتهامات تنطلق من أرقام نمو التعليم الخاص وتربطها بتحاليل تتسق لتظهر مستثمري القطاع التعليمي الخصوصي في شكل مفترسين. هل تكون هذه الحقيقة مجرد صورة نمطية لواقع يفرض ذاتها لأسباب موضوعية بينها تراجع مستوى التعليم العمومي وتفضيل الآباء تسجيلا أبنائهم في التعليم الخاص حرصا على جودة التربية والتعليم؟
هذا الطرح هو الذي يذهب إليه عبد الله خميس، رئيس اتحاد التعليم والتكوين الحر بالمغرب، والذي رد على سؤال مسؤولية التعليم الخصوصي في إغلاق مدارس عمومية بالقول: «ما يسميه البعض بأزمة المدرسة العمومية والتي تؤدي إلى إغلاق مدارسة عمومية هو في الحقيقة ليس كذلك، وإنما الأمر يتعلق بحرية الآباء في اختيار المدرسة التي يفضلون أن يتابع فيها أبناؤهم دراستهم. القرار يعود للأب حينما يرى أن مستوى ابنه لا يتطور بشكل جيد في مدرسة عمومية ويفضل نقله إلى مدرسة خاصة. لا يمكن أن نتهم المدارس الخصوصية بالإجهاز على المدرسة العمومية بعد هذا». خميس يضيف قائلا: «لماذا يختار الآباء أن يتحملوا كلفة تكون في بعض الأحيان باهظة كي يتلقى أبناؤهم تعليمهم بمدارس خاصة؟.. الأمر يتعلق بالمنافسة الموجودة في التعليم الخصوصي والتي تترجم في شكل عروض تربوية لا نجدها في المدارس العمومية. لا يمكن، إذن، اعتبار الآباء بلداء، لأن حتى مسؤولين عن قطاع التعليم العمومي ووزراء تعاقبوا على هذا القطاع ظلوا يدفعون بأبنائهم إلى التعليم الخصوصي وتعليم البعثات».
خلال إعدادنا لهذا الموضوع وردتنا فكرة في شكل حل وسط تقول إنه عوض إغلاق مدارس وهدمها وجب إبرام شراكات مع مؤسسات تعليم خصوصية لاستغلال هذه البنايات مقابل تقديم عرض تعليمي بكلفة أقل. هذا الطرح رد عليه رئيس اتحاد التعليم والتكوين الحر بالمغرب، بالقول: «المسؤولون عن التعليم يرفضون مثل هذه الشراكات، وقد سبق لها أن تقدمنا بمقترحات في ذا الصدد، وقلنا عوض إغلاق مدارس وتركها للخراب نقترح استغلالها تحت مراقبة الدولة بطبيعة الحال. نحن الذين نأسف لوضع المدرسة العمومية الآن، لأننا مررنا عبرها ونوقن أنها قاطرة للتعليم العمومي علما أننا لا نمثل سوى نحو 10 في المائة من قطاع التعليم حاليا».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.