رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    مجلس الأمن.. بلينكن يشيد بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    جرسيف .. نجاح كبير للنسخة الرابعة للألعاب الوطنية للمجندين    زاكورة تحتضن الدورة الثامنة لملتقى درعة للمسرح        بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية        غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    روسيا تمنع دخول شحنة طماطم مغربية بسبب "أمراض فيروسية خطيرة"    نادي المغرب التطواني يقيل المدرب عزيز العامري من مهامه    اتهامات "بالتحرش باللاعبات".. صن داونز يعلن بدء التحقيق مع مدربه    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    دشنه أخنوش قبل سنة.. أكبر مرآب للسيارات في أكادير كلف 9 ملايير سنتيم لا يشتغل ومتروك للإهمال    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    "التقدم والاشتراكية": الحكومة تسعى لترسيخ التطبيع مع تضارب المصالح والفضاء الانتخابي خاضع لسلطة المال    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    تثمينا لروح اتفاق الصخيرات الذي رعته المملكة قبل تسع سنوات    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    قضايا المغرب الكبير وأفريقيا: المغرب بين البناء والتقدم.. والجزائر حبيسة سياسات عدائية عقيمة    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    دورية جزائرية تدخل الأراضي الموريتانية دون إشعار السلطات ومنقبون ينددون    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    تبييض الأموال في مشاريع عقارية جامدة يستنفر الهيئة الوطنية للمعلومات المالية    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    ترامب يهدد باستعادة السيطرة على قناة بنما على خلفية النفوذ الاقتصادي المتنامي للصين    السعودية .. ضبط 20 ألفا و159 مخالفا لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    الأمن في طنجة يواجه خروقات الدراجات النارية بحملات صارمة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    إسرائيل تتهم البابا فرنسيس ب"ازدواجية المعايير" على خلفية انتقاده ضرباتها في غزة    المغرب أتلتيك تطوان يتخذ قرارات هامة عقب سلسلة النتائج السلبية    أمسية فنية وتربوية لأبناء الأساتذة تنتصر لجدوى الموسيقى في التعليم    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    سابينتو يكشف سبب مغادرة الرجاء    الممثل القدير محمد الخلفي في ذمة الله    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025        جويطي: الرواية تُنقذ الإنسان البسيط من النسيان وتَكشف عن فظاعات الدكتاتوريين    مؤتمر "الترجمة والذكاء الاصطناعي"    كودار ينتقد تمركز القرار بيد الوزارات    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هكذا يجري هدم المدارس العمومية أمام أنظار الحكومة
نشر في نيوز24 يوم 20 - 06 - 2015

194 مدرسة عمومية، في عدة مدن مغربية، اضطرت إلى أن تغلق أبوابها بعدما لم يعد يتردد عليها تلاميذ، منذ سنة 2008. رقم صادم كشف عنه تقرير رفع إلى اللجنة الدائمة للحقوق الاقتصادية والسياسية والاجتماعية بالأمم المتحدة شهر فبراير الماضي. الرقم يؤشر على بدء عد عكسي للمدرسة العمومية ونعي للتعليم العمومي الذي يبتلع لحد الآن ميزانية ضخمة، كما يظهر هجرة جماعية نحو مدارس التعليم الخصوصي.
في الدارالبيضاء لوحدها جرى إغلاق عدة مدارس في أحياء راقية خلت بالكامل من التلاميذ. مصالح وزارة التربية الوطنية قررت هدم بعضها وتفويتها لخواص. المثير أن كل المدارس التي تقرر هدمها توجد في أحياء يقاس بها ثمن الأرض بموازين الذهب. ما حقيقة إغلاق وهدم المدارس العمومية، خصوصا بالدار البيضاء؟ كيف يجري التعامل مع الرصيد العقاري الذي يبرز تحت أنقاض المؤسسات التعليمية المهدومة؟


ظهرت، منذ بداية العام الماضي، عدة تقارير تلتقي عند خلاصة واحدة؛ المدرسة العمومية ستنقرض. أول هذه التقارير دراسة حول «واقع التعليم الابتدائي والثانوي بالمغرب»، أجريت في إطار برنامج تابع للأمم المتحدة يسمى «التعليم أولا»، صدرت نهاية سنة 2014، تشير إلى أن انتشار التعليم الخصوصي في سلك الابتدائي بالمغرب ارتفع، خلال السنوات العشر الأخيرة، من 4 في المائة إلى 13 في المائة خلال سنة 2013 لوحدها.
هذه الدراسة، التي أشرف عليها باحث في مجال الحق في التعليم، يدعى سيلفن أوبري، تابع للمبادرة العالمية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، خلصت كذلك إلى أن التعليم الخصوصي سيتطور في المغرب ليصل إلى نسبة تمثيل تقدر ب24 في المائة. الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، فتوقعات التقرير تكشف أنه بحلول سنة 2038 ستصير 90 في المائة من المؤسسات التعليمية الخاصة بالمغرب خصوصية.
النتيجة التي تود الدراسة قولها هو أن المدرسة العمومية ستنقرض، وأن سبب انقراضها المفترض هوالتعليم الخصوصي، فإلى أي حد هذه الفرضية تظل صحيحة؟

أرقام صادمة
بالعودة إلى الدراسة المذكورة نجد أرقاما أخرى أكثر إثارة للصدمة، إذ تشير إلى أن تطور التسجيل في التعليم الابتدائي الخصوصي بالمغرب انتقل من 4.2 في المائة سنة 2000 إلى 5.5 في المائة سنة 2005، وبلغ، في سنة 2013، نسبة 13 في المائة، على أن ينتقل المعدل، سنة 2020، إلى 24 في المائة، حتى يصل، في حدود سنة 2038، إلى نسبة 97 في المائة.
قراءة هذه الأرقام، بمنطلق المخالفة، تعني أنه بحلول سنة 2038، لن يلتحق سوى 3 في المائة من التلاميذ الجدد بالمغرب في المدارس العمومية. الأمر يعني أن جل المدارس العمومية ستغلق، بما فيها تلك التي تحمل إرثا تاريخيا ثقيلا، ولن تظل سوى بضعة مدارس في أحياء فقيرة وقرى ومداشر على الخصوص، إذا ما افترضنا أن ولوج التعليم الخصوصي مرتبط بالقدرة المادية. لكن ما أسباب هذا الوضع؟
في الدراسة المذكورة نعثر على إشارة صريحة إلى كون نمو المضطر للاستثمار في التعليم العمومي هو أبرز سبب، إذ تورد أن هذا النوع من التعليم «يعتبر مصدرا مهما لعدم المساواة بين مختلف فئات المجتمع؛ بين الأوساط الغنية والفقيرة وبين القروية والحضرية. سبب تطور التعليم الخصوصي في حد ذاته، وفق الدراسة، هو النظام التربوي الجديد الذي أقر بدءا من سنة 2000، تاريخ التنزيل الفعلي للميثاق الوطني للتربية والتكوين، والذي أفضى إلى تضاعف عدد التلاميذ المسجلين في المدارس الخصوصية بثلاث مرات في ظرف عشر سنوات، علما أن نسبة التطور تبلغ 8 في المائة في السنة، كما أن نسبة التلاميذ الملتحقين بالتعليم الخاص في المدن الواقعة بين القنيطرة والدار البيضاء، وهو أبرز محور حضري بالمغرب، تصل إلى 60 في المائة.
حتى هنا، تظهر فرضية نمو التعليم الخصوصي وإقبال الناس عليه المفسر الأبرز لتراجع مدارس عمومية وانحسار عدد تلاميذها قبل أن ينتهي وجودها، في نهاية المطاف، بقرار إغلاق أو هدم.
الخلاصة ذاتها يفضي إليها تقرير آخر أعدته جمعيات مدنية ورفع إلى اللجنة الدائمة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بالأمم المتحدة. التقرير صدر، قبل نحو شهرين، وخلص إلى رقم مثير للانتباه؛ 194 مدرسة عمومية تم إغلاقها منذ سنة 2008، وعدد أكبر من المدارس الأخرى مهددة بالإغلاق. ما الذي قاد إلى هذه النتيجة المثيرة؟
وفق التقرير، الذي أشرفت عليه ثماني هيآت جمعوية، فإن سبب إغلاق مدارس عمومية هو تراجع أعداد من يتابع الدراسة بها، والسبب هجرة جماعية نحو مؤسسات التعليم الخصوصي، ذلك أنه في الوقت الذي لم يكن التعليم الخصوصي يستقطب، وفق التقرير، نسبة 9 في المائة من التلاميذ، سنة 1999، قفز العدد إلى 18 في المائة سنة 2014، بنسبة نمو سنوي بلغت 6 في المائة.
وبحسب هذا التقرير، فإن أسر الدار البيضاء لوحدها تنفق، في المعدل، ما مجموعه 31 ألف درهم كل سنة لتعليم أبنائها في القطاع الخاص، من أول سنة ابتدائي إلى نهاية التعليم الثانوي. هذه الأسر تؤدي رسوم تمدرس تتراوح، في المعدل، بين4000 و5000 آلاف درهم شهريا.

عقود للبناء ولحظة للهدم
الهيآت المدنية إذن، تجمع على أن انتشار التعليم الخصوصي يعني، حتما، انحسار التعليم العمومي. هذا ما ذهبت إليه جمعية الشبيبة المدرسية أيضا. حصلنا، من رئيس هذه الجمعية، مصطفى تاج، على معطيات تقدم جردا أوليا، وغير رسمي، لمدارس ابتدائية جرى هدمها أو إغلاقها، بسبب تزايد عدد المدارس الخصوصية، حسب التاج. ضمن القائمة نعثر على ثلاث مدارس بأكادير، وهي مدارس عبد الكريم بن جلون واليوسفية وابن زيدون، فضلا عن ثلاث مدارس أخرى بالعاصمة الرباط، وهي مدرسة التوحيد والأحباس والليمون والحداق، ومدرستين بفاس هما إعدادية محمد الفاسي ومدرسة عبد الواحد الفاسي، فضلا عن إعدادية أم هاني بسيدي سليمان، ومدرسة للا حسناء بالناظور، وإعدادية وادي المخازن بالعرائش، وإعدادية وادي الذهب بمراكش، إلى جانب مدرسة الحكمة بطنجة.
تاج يضيف أنه إلى جانب العشرات من المؤسسات التعليمية العمومية الأخرى التي تم إغلاقها بالمدن تم إقفال مؤسسات تعليمية بمجموعة من القرى، مرجئا ذلك إلى إحداث بعض المدارس الجماعاتية، الأمر الذي أدى إلى إغلاق المدارس الأساسية التي كان يدرس فيها تلاميذ الدواوير والمناطق القريبة.
في لائحة المدارس المغلقة، وفق الكاتب العام للشبيبة المدرسية، نجد مدارس تدخل ضمن المآثر العمرانية العتيقة، «بعض المدارس احتضنت لقاءات بالغة الأهمية، كمدرسة الأحباس بالمدينة العتيقة بالرباط والتي تأسست سنة 1938، والتي كانت شاهدة على مجلس وزاري ترأسه المغفور له محمد الخامس في فضائها سنة 1945، وقد صنفتها منظمة اليونسكو كتراث إنساني عالمي، إلا أن قرار الإغلاق كان نهائيا وقضى، بجرة قلم على تاريخ مدرسة تخرجت منها أجيال من رجالات الدول»، يقول تاج قبل أن يضيف: «الشيء نفسه تكرر بالنسبة لإعدادية محمد الفاسي بالمدينة العتيقة بفاس، والتي تعد من المدارس النموذجية بنيابة فاس، نظرا للنتائج الجيدة لتلامذتها في المستويات الثلاث، كما أنها تتوفر على مواصفات مدرسة النجاح، فأقسامها لا تعرف اكتظاظا على غرار باقي المؤسسات التعليمية ونسبة الهدر المدرسي فيها جد ضئيلة إن لم نقل منعدمة، وحالات الشغب والعنف معدودة على رؤوس أصابع اليد الواحدة، كما أن محيطها الخارجي لا يعرف توافد الغرباء للتضييق على التلاميذ والتلميذات وظواهر تعاطي المخدرات لا وجود لها على الاطلاق بمؤسسة محمد الفاسي، إلا أنها، ورغم ذلك، أغلقت بقرار إداري من نيابة التربية الوطنية بالمدينة».
بالعودة إلى الدار البيضاء، والتي تشهد بدورها عددا من عمليات هدم مدارس، نعثر على واقعة مثيرة وهي هدم مدرسة عن آخرها. يتعلق الأمر بمدرسة «ابن عباد» الواقعة بشارع الزيراوي، وسط البيضاء. المدرسة بنيت أيام الاستعمار الفرنسي، وهي واقعة بين مدارس مختلفة، بينها ثانوية «ليوطي» الشهيرة، ومدرسة يهودية معروفة. «ابن عباد»، إذن، كانت المدرسة التي يتابع فيها أبناء المواطنين العاديين وسكان بوركون على الخصوص، حينها، تعليمهم.
أكيد أن وجود المؤسسات التعليمية التي تم اغلاقها والتي تسير في طريق الاغلاق في مناطق ترابية استراتيجية وسط المدن، وشساعة مساحتها، وغلاء ثمن الأراضي في محيطها يسيل لعاب أباطرة العقار والمنعشين الذين يشكلون أدوات ضغط على الجهات المختصة قصد الاغلاق وفيما بعد التفويت.
جمعية «ذاكرة الدار البيضاء» كانت بين المحتجين على هدم هذه المدرسة على اعتبار أنها تجر وراءها تاريخا طويلا. «سجلنا، في الفترة الأخيرة، هدم عدة بنايات، بينها مدارس، تعود إلى فترة الاستعمار. مؤخرا تم هدم مدرسة ابن عباد رقم قيمتها التاريخية الكبيرة وفي الوقت الذي تتحضر فيه الدار البيضاء للترشح لنيل شهادة التراث العالمي التي تمنحها منظمة اليونسكو»، يقول مصطفى شكيب، عضو جمعية ذاكرة الدار البيضاء.

العقار.. وجه آخر للحقيقة
إلى حدود الساعة تظهر معطيات بالغة الأهمية أولها ارتباط إغلاق مدارس بخلوها من التلاميذ نتيجة هجرتهم نحو التعليم الخصوصي، فضلا عن تمركز عدد من المدارس المغلقة بمدن كبرى خصوصا الدار البيضاء، وهي مدن تتسم بارتفاع ملفت في قيمة العقار بسبب ضيق وعائه، فضلا عن عدم استثناء قرارات الهدم مؤسسات تعليمية تحمل ثقلا تاريخيا.
بشكل أوضح، يورد تاج، الكاتب العام لجمعية الشبيبة المدرسية معطى آخر قد يكون محددا، قائلا: «أكيد أن وجود المؤسسات التعليمية التي تم إغلاقها، والتي تسير في طريق الإغلاق، في مناطق ترابية استراتيجية وسط المدن، وشساعة مساحتها، وغلاء ثمن الأراضي في محيطها يسيل لعاب أباطرة العقار والمنعشين الذين يشكلون أدوات ضغط على الجهات المختصة قصد الإغلاق وفيما بعد التفويت». فهل هذا المعطى صحيح؟ هي يمكن أن نتحدث عن تفويت لعقارات المدارس لغايات ربحية؟
تتبعنا خيوط هذه الفرضية أيضا. المعطيات الرسمية لا تظهر شيئا كثيرا. التقرير الأخير الصادر عن المجلس الأعلى للتربية والتكوين، والذي تتبع تطبيق الميثاق الوطني للتربية والتكوين ما بين سنتي 2000 و2013، خلا من أي إفصاح عن أسباب هدم مدارس ومآل عقاراتها. المعطى الوحيد الذي يتقاطع، إلى حد ما، مع القضية، يتعلق بالطاقة الاستيعابية بالتعليم المدرسي. الأرقام التي أوردها التقرير بهذا الخصوص تظهر تراجعا لأعداد التلاميذ في الأقسام الابتدائي بالوسط الحضري على الخصوص. المعدل انتقل من 34.1 تلميذا في القسم سنة 2000 إلى 33 تلميذا سنة 2013.
على كل حال، لا يمكن الذهاب بعيدا بتوقع اعتراف رسمي بتوجه المدرسة العمومية، بخطى حثيثة، نحو الزوال.
قد يكون هذا السبب هو الذي يفسر عدم تلقينا معلومات حول الموضوع طلبناها رسميا من الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين بجهة الدار البيضاء الكبرى، فقد اتصلنا مرارا بمسؤول التواصل بالأكاديمية، الذي لم يكن موجودا في مكتبه، حتى في وقت زيارتنا لمقر الأكاديمية يوم الثلاثاء 16 يونيو الجاري، كما لم يردنا رد على طلب وضعناه في مكتب الضبط بالأكاديمية للحصول على معلومات.
في المقابل، تمكنا من الحصول، من مصادر خاصة، على معطيات تقود إلى استنتاجات مهمة بشأن مصير مدارس عمومية وعقاراتها بالبيضاء.الأمر يتعلق بلائحة بالمدارس التي جرى إقفالها خلال العامين الماضيين.
حسب مصادر مطلعة، بلغ عدد المدارس التي تم إغلاقها بصفة نهائية، خلال 2014 و2015، أكثر من 17 مدرسة، هي مدرسة النخيل بحي النخيل، ومدرسة ابن باجة، بوسط المدينة، ومدرسة محمد عبده، القريبة من مقر نيابة التعليم أنفا، ومدرسة ابن عباد بشارع الزيراوي، ثم مدرسة عمر الخيام والكندي، بنين وبنات، وابن حزم والبشيري والمنفلوطي والحنصالي والزيراوي والحريري، بين وبنات، ثم أبي القاس الشابي وابن طفيل.
بعض هذه المدارس هدمت بالكامل أو جزئيا، مثل مدرسة الحريري، بدرب المعيزي بالمدينة القديمة، التي فوتت لشخص مقابل بناء ملعب، ومحمد عبده، التي احتلت من طرف النيابة التعليمية أنفا، ومدرسة الشابي التي هدمت لتحتضن، وفق المصادر، مقرا ملحقا لإحدى كليات الطب الخاصة الجديدة بالدار البيضاء، علما أنه أنفقت على هذه المدرسة أموالا عمومية، خصوصا من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، لتهيئتها واستغلالها في أغراض اجتماعية، كما أن هدم مدرسة ابن عباد التي ذكرنا يهدف، وفق المصادر، إلى توفير وعاء عقاري لبناء إقامة داخلية لطلاب مدرسة الطب الخاصة سالفة الذكر، في حين سبق هدم مدرسة بحي المعاريف لإقامة مشروع اجتماعي تابع لمؤسسة تعنى بالعاملين في قطاع التعليم، وهو المشروع الذي لم يتقدم لحد الساعة، بعد تسوية المدرسة بالأرض باستثناء فيلا تحتلها، حتى الآن، مسؤولة سابقة بقطاع التعليم.
الملفت، وفق المصادر، أن المدارس المهدمة توجد في أماكن لا يقل ثمن المتر المربع بها عن 3 ملايين سنتيم، علما أن لائحة المدارس المشمولة بالإغلاق تضم مدارس أخرى بأحياء راقية لا يتجاوز معدل الأقسام بها ستة أقسام تضم في المعدل نحو 20 تلميذا، جلهم من أبناء حراس الإقامات بهذه الأحياء، يضيف المصدر. سبب إخلاء هذه المدارس، وفق المصدر نفسه، هو زحف مدارس التعليم الخصوص. شهادة أخرى تؤكد الفرضية سالفة الذكر.


عبد الله خميس : «اقترحنا استغلال مدارس عمومية بدل إغلاقها وتركها للخراب»
إلى حد الآن كل «الاتهامات» بقتل المدرسة العمومية توجه إلى التعليم الخصوصي. هذه الاتهامات تنطلق من أرقام نمو التعليم الخاص وتربطها بتحاليل تتسق لتظهر مستثمري القطاع التعليمي الخصوصي في شكل مفترسين. هل تكون هذه الحقيقة مجرد صورة نمطية لواقع يفرض ذاتها لأسباب موضوعية بينها تراجع مستوى التعليم العمومي وتفضيل الآباء تسجيلا أبنائهم في التعليم الخاص حرصا على جودة التربية والتعليم؟
هذا الطرح هو الذي يذهب إليه عبد الله خميس، رئيس اتحاد التعليم والتكوين الحر بالمغرب، والذي رد على سؤال مسؤولية التعليم الخصوصي في إغلاق مدارس عمومية بالقول: «ما يسميه البعض بأزمة المدرسة العمومية والتي تؤدي إلى إغلاق مدارسة عمومية هو في الحقيقة ليس كذلك، وإنما الأمر يتعلق بحرية الآباء في اختيار المدرسة التي يفضلون أن يتابع فيها أبناؤهم دراستهم. القرار يعود للأب حينما يرى أن مستوى ابنه لا يتطور بشكل جيد في مدرسة عمومية ويفضل نقله إلى مدرسة خاصة. لا يمكن أن نتهم المدارس الخصوصية بالإجهاز على المدرسة العمومية بعد هذا». خميس يضيف قائلا: «لماذا يختار الآباء أن يتحملوا كلفة تكون في بعض الأحيان باهظة كي يتلقى أبناؤهم تعليمهم بمدارس خاصة؟.. الأمر يتعلق بالمنافسة الموجودة في التعليم الخصوصي والتي تترجم في شكل عروض تربوية لا نجدها في المدارس العمومية. لا يمكن، إذن، اعتبار الآباء بلداء، لأن حتى مسؤولين عن قطاع التعليم العمومي ووزراء تعاقبوا على هذا القطاع ظلوا يدفعون بأبنائهم إلى التعليم الخصوصي وتعليم البعثات».
خلال إعدادنا لهذا الموضوع وردتنا فكرة في شكل حل وسط تقول إنه عوض إغلاق مدارس وهدمها وجب إبرام شراكات مع مؤسسات تعليم خصوصية لاستغلال هذه البنايات مقابل تقديم عرض تعليمي بكلفة أقل. هذا الطرح رد عليه رئيس اتحاد التعليم والتكوين الحر بالمغرب، بالقول: «المسؤولون عن التعليم يرفضون مثل هذه الشراكات، وقد سبق لها أن تقدمنا بمقترحات في ذا الصدد، وقلنا عوض إغلاق مدارس وتركها للخراب نقترح استغلالها تحت مراقبة الدولة بطبيعة الحال. نحن الذين نأسف لوضع المدرسة العمومية الآن، لأننا مررنا عبرها ونوقن أنها قاطرة للتعليم العمومي علما أننا لا نمثل سوى نحو 10 في المائة من قطاع التعليم حاليا».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.