مؤامرات نظام تبون وشنقريحة... الشعب الجزائري الخاسر الأكبر    الاعلام الإيطالي يواكب بقوة قرار بنما تعليق علاقاتها مع البوليساريو: انتصار للدبلوماسية المغربية    الخطوط الملكية المغربية تستلم طائرتها العاشرة من طراز بوينغ 787-9 دريملاينر    مؤتمر الطب العام بطنجة: تعزيز دور الطبيب العام في إصلاح المنظومة الصحية بالمغرب    استقرار الدرهم أمام الأورو وتراجعه أمام الدولار مع تعزيز الاحتياطيات وضخ السيولة    السلطات البلجيكية ترحل عشرات المهاجرين إلى المغرب    الدفاع الحسني يهزم المحمدية برباعية    طنجة.. ندوة تناقش قضية الوحدة الترابية بعيون صحراوية    وفاة رجل أعمال بقطاع النسيج بطنجة في حادث مأساوي خلال رحلة صيد بإقليم شفشاون    أزمة ثقة أم قرار متسرع؟.. جدل حول تغيير حارس اتحاد طنجة ريان أزواغ    جماهري يكتب: الجزائر... تحتضن أعوانها في انفصال الريف المفصولين عن الريف.. ينتهي الاستعمار ولا تنتهي الخيانة    موتمر كوب29… المغرب يبصم على مشاركة متميزة    استفادة أزيد من 200 شخص من خدمات قافلة طبية متعددة التخصصات    حزب الله يطلق صواريخ ومسيّرات على إسرائيل وبوريل يدعو من لبنان لوقف النار    جرسيف.. الاستقلاليون يعقدون الدورة العادية للمجلس الإقليمي برئاسة عزيز هيلالي    دعوات لإحياء اليوم العالمي للتضامن مع الفلسطينيين بالمدارس والجامعات والتصدي للتطبيع التربوي    ابن الريف وأستاذ العلاقات الدولية "الصديقي" يعلق حول محاولة الجزائر أكل الثوم بفم الريفيين    توقيف شاب بالخميسات بتهمة السكر العلني وتهديد حياة المواطنين    بعد عودته من معسكر "الأسود".. أنشيلوتي: إبراهيم دياز في حالة غير عادية    مقتل حاخام إسرائيلي في الإمارات.. تل أبيب تندد وتصف العملية ب"الإرهابية"    الكويت: تكريم معهد محمد السادس للقراءات والدراسات القرآنية كأفضل جهة قرآنية بالعالم الإسلامي    هزة أرضية تضرب الحسيمة    ارتفاع حصيلة الحرب في قطاع غزة    المضامين الرئيسية لاتفاق "كوب 29"    مع تزايد قياسي في عدد السياح الروس.. فنادق أكادير وسوس ماسة تعلم موظفيها اللغة الروسية    شبكة مغربية موريتانية لمراكز الدراسات    ترامب الابن يشارك في تشكيل أكثر الحكومات الأمريكية إثارة للجدل    تنوع الألوان الموسيقية يزين ختام مهرجان "فيزا فور ميوزيك" بالرباط    خيي أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    الصحة العالمية: جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة    مواقف زياش من القضية الفلسطينية تثير الجدل في هولندا    بعد الساكنة.. المغرب يطلق الإحصاء الشامل للماشية    توقعات أحوال الطقس لليوم الأحد        نادي عمل بلقصيري يفك ارتباطه بالمدرب عثمان الذهبي بالتراضي    مدرب كريستال بالاس يكشف مستجدات الحالة الصحية لشادي رياض    الدكتور محمد نوفل عامر يحصل على الدكتوراه في القانون بميزة مشرف جدا    فعاليات الملتقى العربي الثاني للتنمية السياحية    ما هو القاسم المشترك بيننا نحن المغاربة؟ هل هو الوطن أم الدين؟ طبعا المشترك بيننا هو الوطن..    ثلاثة من أبناء أشهر رجال الأعمال البارزين في المغرب قيد الاعتقال بتهمة العنف والاعتداء والاغتصاب    موسكو تورد 222 ألف طن من القمح إلى الأسواق المغربية        ⁠الفنان المغربي عادل شهير يطرح فيديو كليب "ياللوبانة"    أفاية ينتقد "تسطيح النقاش العمومي" وضعف "النقد الجدّي" بالمغرب    مظلات ومفاتيح وحيوانات.. شرطة طوكيو تتجند للعثور على المفقودات    الغش في زيت الزيتون يصل إلى البرلمان    المغرب يرفع حصته من سمك أبو سيف في شمال الأطلسي وسمك التونة    قوات الأمن الأردنية تعلن قتل شخص بعد إطلاقه النار في محيط السفارة الإسرائيلية    المخرج المغربي الإدريسي يعتلي منصة التتويج في اختتام مهرجان أجيال السينمائي    حفل يكرم الفنان الراحل حسن ميكري بالدار البيضاء    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المغرب وجدلية الاقليمية بين الانتماء الجيوسياسي و صراع الخيارات
نشر في شبكة دليل الريف يوم 04 - 06 - 2015

سوف نولي للإقليمية بُعد آخر غير مرتبط بالتنزيل اللغوي لنماذج تحليلية تقليدية رغم الاجتهادات الفكرية و الأكاديمية و السياسية الجليلة لإعطائها مضمون أوسع ومتنوع ، و سوف نتجاوز حدود المصطلح المتداول بين النصوص القانونية إلى مستوى هوية الصراع للمفهوم السياسي الإقليمي و الدولي ، و التفاعل مع التحولات العميقة في المنطقة المتوسطية، و الاصطدامات الكبيرة بين خيارين على ميدان المتوسط و خارجه دون الانحياز لأي طرف سواء للجناح الفرانكفوني المستحوذ أو الأمريكاني المهيمن بأطروحات مقارنة، و نستحضر مضامين المتغيرات الساحة السياسية الإقليمية خاصة الأوربية بعد أن زعزع بيتها السياسي من جراء أزمة المواطنة السياسية و مؤسساتها المدنية طبعا إلى جانب الوضع الاقتصادي، و كذلك واقع القربلة و المأساة على طول دول جنوب المتوسط و الشرق الأوسط المصدرة للغاز و البترول. فموضوعي هذا لا يحتكم لمنهج المرجع بل يستمد بعده من حدة الصراع الاخير بين المشاريع الاقليمية ذات الطبيعة نيو-استعمارية هي الغزو الثقافي و المسح المؤسساتي و تغيير معالم جغرافية التبعية ، خاصة مع التحديات الكبيرة في عملية بناء الدولة المغربية خلال عهد محمد السادس برؤية مغايرة على المألوف و بمنهجية تختلف عن سابقاتها و بنسخة وطنية محلية مع تجديد الحلفاء ، وتفهمنا لطبيعة القذائف الباردة القادمة من الحليف التقليدي و الغير المهضومة عنده خاصة تمرد الإدارة المغربية على توجيهات و قرارات الاليزيه ، و تغيير وجهة المسارات الأساسية مع مكونات أخرى سواء من الشرق أو الغرب الاستراتيجي مما يعني أنه بالفعل هناك مخاض آخر للسياسية المغربية ...
1 - استقلال القرار المغربي و غضبة إدارة الفرانكفونية :
رغم ما يروج من شعارات خادعة براقة عن الفرانكفونية، إلا أنها تظل تجسد أحد أقبح الوجوه الاستعمارية التي تهدد هويتنا وحضارتنا ولغتنا الوطنية و الرسمية ، و في محاولة منها استعادة المجد الضائع ولملمة العقد المنفرط أصبحت أكثر إلحاحًا بعد إخفاق مشاريعها المتوسطية نموذجها الاتحاد من أجل المتوسط، وتنامي الدور الأمريكي للهيمنة على إقليم المتوسط الكبير و العودة القوية لمطامح الإمبراطورية العثمانية على قيادة فضاء المتوسط ، و انخراط المغرب في مجلس التعاون الخليجي ... والمراقب للأحداث يلحظ بوضوح أن الكتلة الفرنكفونية تسعى منذ سنوات لمحاولة ترميم إمبراطوريتها السابقة(1)، إثر التراجع المهول لنظامها الجديد على أنها حاولت تقديم نفسها كبديل حضاري، ومشروع سياسي واقتصادي وثقافي لمواجهة النفوذ المتزايد للولايات المتحدة الأمريكية في المستعمرات الفرنسية السابقة، والتي كان من بينها المغرب، ولعل هذا ما يفسر أنها أعلنت درجة قصوى من الاستنفار لوجودها في المغرب خاصة بعد أن استعان الأمريكان بورقة إستثنت الأخير من الهزات الارتدادية التي مست المنطقة بضمان الحركات الإسلامية الداخلية ، و الهيمنة على التوجهات الحيوية في القرار السياسي بالبلاد و ضبط الدولة أمنيا و إعداد منظور استراتيجيا للأمن القومي المغربي .
لقد عاش المغرب على إيقاع صراعات مريرة بين تيارات الحركة الموالية للطرف الفرانكفوني سواء في محيط المؤسسة الملكية أو في المجتمع و قد كان لهذا الصراع تبعات كبيرة بين خيارين على مستوى السياسي و الثقافي و الاقتصادي، فالأول خيار قائم على أساس التحكم في مؤسسات السيادة و توجيه بوصلة الحكم دون تجاوز الدور الديني الرمزي و الوطني في نطاق محدود لها وفق أرضيات فرنسا الاحتكارية و تصنيف الطبقة الحاكمة في خانة التبعية، و الثاني القائم على أساس خيار الاستقلالية و بناء الدولة الديمقراطية و تعزيز مؤسساتها و مجالاتها الخارجية (2) ، لقد كان لثقل التقليد و المولاة أكبر بكثير من مظاهر التحديث السياسي ، فلا يمكن أن نستوعب مسار التجربة السياسية في المغرب بشكل أوضح، من دون إدراك طبيعة تشكله في إطار تبادل الأدوار بين المؤسسة الحاكمة و القوى الخارجية أو الصراع معها خصوصا فرنسا، و مع دخول الأمريكان على الخط و خلق جيل بديل عن النخب الفرانكفونية كانت الدولة المغربية على أتم من الجهوزية مع الموعد التي فجرتها الثورة التونسية، فدشنت و معها بعض من بلدان شمال إفريقيا و الشرق المتوسطية لأول مرة من تاريخها لحقبة سياسية جديدة تميزت بعودة أسئلة إعادة تجديد الأدوار، إن هاته الحقيقة هي التي تفرض نفسها الآن بقوة مع الربيع العربي الذي بدأ –لحسن الصدف- من المغرب – قمة الشرق الأوسط الكبير- و اتجه نحو المشرق ليعود إلى المغرب مرة أخرى ملتزما بالاتجاه نحو المشرق من جديد - مجلس التعاون الخليجي - في تفاعل و انسجام تام، لأن هذا الانسجام و التكامل يمد جذوره بعيدا في أعماق التاريخ الحديث و يستمد قوته من وحدة اللغة و الدين و التاريخ و المجتمع ...
فقد تفاعلت الملكية بالمغرب مع اللحظة التاريخية - 20 فبراير – بنوع من الذكاء الكبير بحيث كانت مقدمة لإستغناء التدريجي على الحليف التقليدي الفرانكفوني و توسيع قاعدة الحلفاء و الشركاء و تجاوز حدود أزمات القضايا الوطنية و تجنيدها برزمانة من الإصلاحات السياسية و المشاريع المؤسساتية، فقد برز ذلك في مضامين خطاب التاسع من مارس(3) الذي تقوم على أساس القطع مع القيم السياسية السلطانية الموروثة عن الماضي، والتأسيس لقيم سياسية حديثة ترتبط بالفكر السياسي الحديث، و إعلان للقرار الوطني المستقل، و التعامل المتوازن مع الكتلة الدولية سواء إدارات إستراتيجية أمنية أو سياسية إقليمية .... و هو تحديث سيواجه برفض مطلق من طرف إدارة الفرنكفونية و سعيها إلى لخبطت الأوراق و إثارة الأزمات بالداخل خاصة و أن الإدارة الجديدة تشتغل خارج الوطن خاصة نحو المحور الإفريقي محميات فرنسا التقليدية و مصرت المضي في هذا المسار كتعبير عن استقلال القرار المغربي و اعتماد مقاربة وطنية في رسم معالم النماء الاقتصادي و التحسن الاجتماعي و استقلال المنظومة التربوية التعليمة للقطع مع تركة فرنسا الثقافية في سياق التعامل بالند و ليس بالتبعية ، و سيكون كذلك في التعبير بناء الدولة الجديدة و مدخلها الجهوية الموسعة كتحقيق للتفاعل مع طموحات الشعب المغربي عبر هوية متنوعة لها في البلاد لا تتأثر بأي إتجاه نحو تجربة المغربية بديلة .
2 - إستراتيجية الصدمة ( الأمريكية ) و الخريطة جيوسياسية:
يعتبر عامل الخوف والمغامرة المرتكز الأساس لهذه الإستراتيجية (4)التي تم تطبيقها في دول كثيرة لم تكن تخضع لضغوطاتهم, وما عرفه العالم العربي من اضطرابات اجتماعية والتي هزت عروشا كثيرة لا يمكن أن نخرجه من هذه البوتقة اذ أن الكثير من المحللون يرون أن هذا الحراك الذي شهدته دولا كثيرة هو ناتج عن مؤامرة خفية تم التخطيط لها من قبل في انتظار اللحظة المناسبة للتنفيذ، وعندما حانت هذه اللحظة ألبسوها رداء الحقوق الاجتماعية وحقوق الأقليات و إشهار ورقة الحملة الإعلامية الشرسة في وجه العديد ، ولقد تفطن المغرب لهذا الخطر المتنامي بناء على معطيات من إدارة الإستراتيجية فعمل على غلق مكتب الجزيرة في الرباط، كبداية تحصين الحكم من آثار الصدمة بتقديم تنازلات كبيرة له ، فيقول الدكتور سمير أمين تستدعي التطورات العالمية قراءة نقدية لما أسماه:“ التنمية المتمحورة على الذات”(5) و تعزيزها بالثوابت الخمس لبناء شخصية الدولة الوطنية و استقلاليتها و لها من المقومات ما يجعلها تواكب التطور الحاصل في الدول الغربية المجاورة، و بالرجوع إلى إستراتيجية الصدمة يظهر وبجلاء المفاجئة التي خلقتها الهزة الكبيرة التي عجلت بزوال انظمة، و استثناء المغرب منها، علما أنها نفسها لازالت تصول وتجول كي لا تتجاوز حدود الثقة في الذات مستواها الحقيقي ، فتارة تثار أحداث إجتماعية فينقلب السحر على الساحر مثلا أحداث إكديم ازيك المؤلمة ، فتنتج عنها مواقف مخالفة لكل التوقعات منها الخطوة الغير المسبوقة والغير المنتظرة للمسؤولة الأمريكية التي قدمت طلب أو مقترح لإدراج حقوق الإنسان في مهام المينورسو والتي أبانت من جديد عن دور الصدمة في خلق البلبلة اذ لم يكن المسؤولين المغاربة يتوقعون أن تأتي هذه الخطوة من حليفهم الاستراتيجي كما يعتقدون فكان إيذانا منهم أن ملف حقوق الإنسان الشوكة التي تقلل المغرب و منه قد تأتي النهاية ، وهكذا تدخل الملك وبعث مستشاريه الى الدول التي يمكن ان تبطل تمرير مثل هذه المقترحات ولا ندري ما هي التنازلات التي قدمناها من جديد، وماهي المفاجئة الصدمة التي يخبئها لنا الامريكيون وخاصة في ظل العلاقات الغير مستقرة على حال والفاترة تارة فيها تقدم كبير و تارة أخرى أزمة توقف تتحكم فيها نتائج التحالف الاقليمي و الدولي على الارهاب في مالي بين فريقين الجزائر و المغرب ، و حول صراع النتائج يظل الأمر غاية في التعقيد خاصة على دور تعزيز المكانات في الخريطة الجيوسياسية ، ان الصدمة لم تصل الى المستوى الكبير الذي يجعل الأوضاع تهتز بشكل عنيف كما تابعناه في دول شمال افريقيا و الشرق الأوسط أو حتى سواء في أوروبا نفسها –اليونان و اسبانيا و بريطانية تاتشر كمثال- وإنما تُرسل رسائل مشفرة الى المغرب من طرف الأصدقاء والحلفاء قبل الأعداء ,لأن الأعداء يمكن أن تتنبأ بتخطيطاتهم أما الحلفاء فأنت تحسن الظن بهم وإحسان الظن في العلاقات الدولية انتحار مدوي،، لاسيما على ملف الصحراء . و حقوق الانسان .
3 - خيار الانكفاء الاستراتيجي و إعادة تأثيث المنطقة :
في بداية التسعينات من القرن المنصرم، دشنت الدول الأوربية و معها أمريكا من خلال الحلف الأطلسي حوارا متوسطيا، حيث بادرت إلى اقتراح إجراء حوار ثنائي مع خمس دول من الضفة الغربية للبحر الأبيض المتوسط من بينها المغرب، وهو حوار تأسس على قناعة راسخة أن الأمن في أوربا مرتبط عضويا بالأمن في حوض المتوسط بل هو جزء محوري في الفضاء الأممي لما بعد الحرب الباردة، لهذا استعمل هذه الدول على دمج الجانب الأمني إلى جانب مختلف أوجه التعاون ضمن إعلان برشلونة، إن الرؤية الأوربية للمتوسط لا تغفل المعطى الجغرافي ويبقى المغرب حاضرا عمليا في السياسة الأورومتوسطية وفي تقاطع الحسابات الأمنية باعتباره قاعدة متقدمة للناتو، وجبهة دفاعية في ترتيبات الامن المتوسطي، وما دام المغرب لم يلمس هذه الإرادة (6) فسينتج عن ذلك نوع من القلق ومن ثم سيكون من الضروري بذل جهد إضافي من أجل اعتماد نظرة مغايرة، و اعلان مرحلة إعادة التقويم سواء على المستوى الداخلي من خلال القيام بمجموعة من الإصلاحات الاجتماعية والإقتصادية وتعزيز دولة الحق والقانون وسن مجموعة من التشريعات الخاصة بحقوق الإنسان. أو على الصعيد الدولي من خلال الدفاع عن قضايا السلم والتقارب بين الشعوب وكذلك من خلال مواصلة المفاوضات مع الإتحاد الأوربي من أجل التوقيع على اتفاقيات جديدة وتعزيز الشراكة الإستراتيجية في جميع المجالات في مقدمتها محاربة الإرهاب ، تأتي أيضا متزامنة مع منح الحلف الأطلسي بمبادرة من الرئيس الأمريكي صفة الحليف الإستراتيجي خارج حلف الناتو.
الرهان الأمني الذي سلكه المغرب مع الجارة الاسبانية لتوزيع الأدوار و تجديدها في المنطقة لتخفيف ثقل الصدمة الاستراتيجة الأمريكية في محاولة الخروج منها بأقل خسارة و توسيع المجال الجغرافي لعملية الصدمة الإستراتيجية خارج المنطقة ، وفي إطار التعاون الأورومغربي فقد نوه العاهل محمد السادس (7) لكل الاقتراحات الصادرة في هذا الشأن عن دول صديقة، خاصة منها إنشاء هيئة متخصصة للوقاية من الإرهاب ومكافحته، وذلك بموازاة مع قيام منظمة الأمم المتحدة بدور فعال في هذا الشأن، وكسائر الظواهر الأمنية التي تؤرق بال الأوروبيين فقد تم مقاربة ظاهرة الإرهاب بدعم التوجه الأمني المحض من طرف الإتحاد الأوروبي فيما تدعم دول جنوب حوض المتوسط ومنها المغرب المقاربة التنموية للتصدي للظاهرة واجتثاثها من جذورها مع الفصل بين الإرهاب السياسي والنضال المسلح من اجل التحرر الوطني كما هو الحال فمع ثوار ليبيا و حركة أزواد في مالي ، مما بات الدور الذي يلعبه المغرب يتجاوز الحقبة الماضية (8) فاضطر الحلفاء التقليديين التراجع على جملة من القرارات و المواقف و خصوصا على ملف الصحراء فمثلا اسبانيا أزيد من 50 % من دعمها للبوليساريو تراجع و فرنسا مضطرة الأخذ بمسودة الحكم الذاتي و الاتحاد الأوربي في نفس السياق ، و الرهان على المغرب كتعبير خليجي للزحف نحو إفريقيا ...
4 – التوازن الاستراتيجي في شمال إفريقيا و صراع الخيارات :
إن أطروحة التوازن الإستراتيجي على أرض إفريقيا تفترض واقعاً حيوياً يحيط بكفتي الميزان وإن عملية الإخلال فيه يخلق (فراغ قوة) يعرض هذا الواقع لمخاطر (ملء الفراغ) عن طريق الفعل العسكري و هذا ما كان مع نشوء التنظيمات الجهادية على ساحل الصحراء الكبرى ، وما يترتب عليه من توترات واضطرابات ليس من السهل تجنبها.. لأن التدخل العسكري أو غيره من الصيغ، لا يعمل على ضبط حركة التوازن النسبي، إنما يعمل على (إفراغ) واقع التوازن من مستلزماته الضرورية المؤكدة.. وكما نرى في ظل الظروف السائدة في شمال إفريقيا ليبيا و مالي نموذجا، كيف تعمل الإدارة الأمريكية على تكريس (فراغ) الأمن في الساحات من أجل خلق الفوضى التي تمهد للتدخل وملء الفراغ.. إن التوازن الإستراتيجي الجوهري يتماشى مع منطلقات الأمن القومي ولا يتماشى مع ركائز ومنطلقات بناء (الشرق الأوسط الجديد) الذي تريده أمريكا. و إن منطوق (الشرق الأوسط الجديد) كمشروع استعماري مشترك، و ضبط حركة التوازن النسبي يخضع لقواعد (العلاقات، والتعاملات، والتحالفات)، بمعنى، أن التحالفات هي الأخرى تشترط (التقارب) في المنهج الأيديولوجي وتشترط(التكافؤ) في القدرة على ضبط توازن المصالح وتوازن القوة..
فكان من البديهي أن تهتم الدولة بتطوير البنية و التجربة ، لتجاوز إشكالية التبعية و التقليدانية و إضفاء طابع التحدث في الآليات السياسية بالبلاد و تخطي التفاوت الاقتصادي و الاجتماعي بين الجهات ، من أجل خلق توازن على مستوى استيعاب مخططات الإستراتيجية ، والقضاء أو التخفيف من وطأة الاحتدام و الصراعات ، و توفير البنى التحتية التي تشكل الدعامة الأساسية لعملية التنمية الاقتصادية بتفعيل دور منظومة القيم في روح الجهوية ، و إحداث منظومة قانونية شاملة ذات جوهر ديمقراطي يشترك بموجبها المواطن في تدبير الشأن العام وبناء دولة المؤسسات ، وتضمن من خلالها الحفاظ على التراث الثقافي و الحضاري للدولة في تعدده و تنوعه لمسايرة حجم المشاريع الدولية ، إن هذا الفهم لقيمة الوحدة و الانتماء للوطن قبل كل شيء ، يجعل من الأدوار المستقبلية أكثر ثقلا من ذي قبل على اعتبار توسع جبهة الصراع بتغيير المحور و المجال نحو عمق القارة السمراء(9) لاسيما أن إفريقيا تاريخيا هي منبع الحروب الشرسة بين القوى العالمية الاحتكارية، فالحمولة السياسية للدور الذي تقلده المغرب بالإنابة لخيار على حساب آخر يستدعي فلسفة عمل متوازنة و دقيقة ، بالفعل تم إبعاد خطر الصدمة الإستراتيجية مؤقتا لكن القادم أشرس و الصراع داخل أراضي مغربية لها نتائج سلبية خاصة مع خلق بؤر للتوتر و الاضطرابات ، و من الذكاء التوجه نحو المحور الإفريقي بعد إدرك أن نهج سياسة المقعد الشاغر داخل منظمة الاتحاد الإفريقي سلبية ، فسعت النخب الجديدة الى استثمار العلاقات الروحية والدينية التي تربط المغرب ببعض البلدان الإفريقية و هي أصلا في مربع الدول الفرانكفونية ، لتجاوز الضغوطات الكبيرة لعدة أسباب، على رأسها عدم وجود المغرب في آليات الاتحاد الإفريقي، وهي المنظمة الأم لكل المنظمات الدولية في القارة، مما عجل الطرف الفرانكفوني بالتوجه إلى الجزائر لتمارس عليها سياسة الترغيب أو الترهيب للإبقاء عليها رهينة سياستها الخارجية المتسمة بالعداء للمغرب. هناك اليوم توجه دولي عام نحو إفريقيا و منافسة شديدة على الأحواض الطبيعية و تحويلها الى مستنقع الاضطرابات للوتر دائما على التدخلات الانسانية ، فقد عبر في نفس الإطار العاهل محمد السادس في خطاب له عام 2014 إن «إفريقيا لم تعد قارة مستعمرة، بل قارة حرة، إنها ليست بحاجة إلى مساعدات إنسانية بقدر ما هي بحاجة إلى شراكات ذات نفع متبادل، وبحاجة إلى مشاريع التنمية البشرية والاجتماعية». كمقدمة نحو الزحف و الإغراء للجناح رقم 01 في الصراع الدولي في إفريقيا مستعملا المغرب في الواجهة ، بخطى ثابتة نحو بناء دبلوماسية قوية ومتينة في إفريقيا و بدور يسعى الانفتاح على المجالات الأنجلوفونية بإفريقيا باعتبار الداعمة للبوليساريو....
الهوامش:
1 – الفرانكوفونية بالمغرب؛ استلاب حضاري، وانقلاب على الهوية ، إلياس هاني
2 - الإصلاحات السياسية في المغرب و سؤال الدولة المدنية د. إدريس جنداري
3 - عبد اللطيف أكنوش - السلطة و المؤسسات السياسية في مغرب الأمس و اليوم
4 - استراتيجية الصدمة ، صعود رأسمالية الكوارث ، ناعومي كلين
5 - فقد دعا سمير أمين دول الشرق والجنوب إلى تنمية متمحورة على الذات، وإلى توفير شروط أساسية خمسة تحقق انفصال التنمية الوطنية عن التبعية:1- أن تؤمن سياسة الدولة فائضاً زراعياً متطوراً وبأسعار ملائمة 2– تحقيق وجود رسمي لمؤسسات مالية وطنية يضمن استقلاليتها النسبية إزاء تدفق رأسمال الشركات متعدّية الجنسية 3– السيطرة المحلية على سوق مخصصة للإنتاج الوطني أساساً 4– السيطرة المحلية على الثروات الطبيعية مع قدرة الدولة على استغلالها أو الاحتفاظ بها كاحتياطي 5– السيطرة المحلية على التكنولوجيا، بمعنى إمكانية إعادة إنتاجها وإن كانت مكوناتها مستوردة!
6 – البعد الجيوبوليتيكي لعلاقة المغرب بالاتحاد الاروبي د.المصطفى منار
7 - في حديث خص به مجلة تايمز الأمريكية بتاريخ 19 يونيو 2000، العاهل محمد السادس ، قال " ....وفي هذا الصدد نود التنويه بالمستوى النموذجي للتعاون الفعال والشامل والتنسيق المحكم بين المغرب وجارته اسبانيا، وكافة شركائه لمحاربة الإرهاب والحرص على ان يظل حوض المتوسط فضاء للأمن والسلام والتقدم ومهدا لتفاعل الحضارات بل وتحالفها، وفي هذا الصدد فإننا نؤكد دعمنا... "
8 - ان الموقع الجغرافي المتحدث عنه سلفا هو الذي يجعل من المغرب كحارس لأمن أوروبا لا كشريك حقيقي، وهو ما عبر عنه محمد السادس في حديث خص به مجلة تايمز الأمريكية بتاريخ 19 يونيو 2000، قال:" يتعين على الإتحاد الأوربي أن يعاملنا كشريك حقيقي"، وأضاف في ذات السياق:" نحن لا نريد من أوربا ان تقدم لنا المساعدة ولا أن تتفضل علينا بالصدقة، وكل ما نطلبه منها هو أن تعاملنا كشريك حقيقي
9 - التدافع الدولي نحو القرن الإفريقي . د نجلاء مرعي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.