لست أستاذا للغة العربية ، ولا أجيد النحو و لا أتقن التحدث بالفصحى ..ببلاغة لا أتقن اللغة و لست مذيع أخبار أو كاتب أو صحفي . لست كاتبا و ليس حلمي أن أنال تاج الكتاب والشعراء ،بقدرما أسعى جاهدا إلى أن أوصل إليكم صوت الكدح الفقراء .. كل ما في الأمر أني دخلت عالم خيال الحروف مذ أن عرفت أن الكتابة سلاح ، وبسهام القلم يمكن أن تفقأ عين عدوك دون أن يراك .ويوم عرفت أن على هذه الأرض ما يستحق الحياة .. وليس عجبا إن كنت فاشلا في الإملاء و لا أستطيع إعراب جملة ، وليس عجبا إن كنت إبن الشعب وهم هذا الأخير على كتفي إلى أخر رمق .. يمكن القول أن بعض الأشياء تختارنا قبل أن يكون لنا الخيار فيها ،والكتابة كذلك كالتنفس هو من يحدد زمنه لا نحن فدون أي سابق إنذار ستجد نفسك تكتب ومع مرور الوقت تتعلم أكثر و أكثر إن زادت رغبتك في التعمق أكثر و معرفة أكثر ما يمكن معرفته . ولدت في زمن ما وعلى الأرض المسيجة بشواطئ المتوسط ،ولدت في زمن الحرب غير المعلنة حيث أصبح الإنساء أرخص الأشياء بعد أن تم تشييئه فلم أعد أرى سوى غيوم سوداء سوداء ، فكان لي في ظل هذه الحرب أن أختار إما أن ألبس معطفا أسودا وأحتسي قهوتي سالما مسالما وفي يدي جريدة المساء وسيكار أم أن ألتحف الراية الحمراء و أسلك طريق الثوار . فحدث أن سلكت طريق ونهج الثوار ، إني إبن جبال الريف إبن بوكيدان و على هات الجبال أستشهد الثوار يوما وإستسلم الإستعمار وللذكر لا أحتاج لشهادة أحد فقط يكفي أن تتطلعوا على معركة "أنوال" و "سلبستري" وقصة الإنتحار ، وما بين الإستعمار والإستعمار تمخض إستعمار عن الإستعمار ، وفي ظل هذه الأشياء و الأحداث التي منها ما مر في العلن ومنها ما مر في صمت وظل الإنسان يواجه الإستعمارات وكانت الإعتقالات ..و السجون .. و الإغتيالات .. وفي هذا الزمن وعلى هذه الأرض حرب صامتة ، وفي إنتظار إشراقة الثورة كانت نجوم وكان قمر قد بدد معالم الغيوم السوداء ..وبدأت أرى وجه السماء وأميز الألوان وأشكال الأشياء وسمعت شيئا عن إله السماء وقرأت قصة عن حاكم شعب و كان الشعب صنفين أغنياء وفقراء ولحسن حظي كنت إبن الفقراء ، وفي القصة دونما شعور تضامنت مع الفقراء وهم يدبرون لمعركة ضد الحاكم والأغنياء . فجأة وجدت جنود الخفاء يقتادونني إلى مخفرهم بتهمة أني قرأت القصة قراءة عمياء وحذروني عن تكرار الأمر مني وبعدها لن أرى وجه السماء ..وخلال وجودي في المخفر أي في مرحلة الإستنتطاق علمت أنهم جنود الحاكم حينها قلت لهم سرا تبا لكم كم أنتم جبناء .. وبدأت أكتب عن واقع بئيس إن لم أقل عن واقعي البئيس ، محاولا أن أنقل صورة طبق واقع السجن موضحا فيها أكثر صورة السجين و السجان محاولا أن أنقل صورة طبق واقع الإستعمار بعد أن قرأت عن الإخوة الألمان وهم يلتقون من جديد بعد أن كسروا الجدار ، فكان الجدار جدار إسمنتيا في قصة الألمان ، وكان الجدار في السجن أسوار وقضبان .. وكان الوقت عدوي حليف عدوي السجان يمنعني عن القراءة والكتابة بإستمرار . فجأة كالمرة الأولى وجدت ، الجنود يقتادونني إلى مخفر ومن ثم إلى محكمة بتهمة نشر فساد أخلاقي و نعت القصور بالمزبلة ، وفي الطريق حيث كنت مصفدا اليدين و الرجلين كالعادة لا أتحرك هم من يقتادونني ،أوقفنا إثنين من أصحاب المعاطف السوداء وخيروني قبل الدخول إلى المحكمة بين الإفراج عني فورا وبين ألا أرى وجه السماء فقلت : تبا لكم أيضا ..وتبا لح ..، الجنود جبناء . وأنتم عملاء . وأني ولدت ومعي ما يكفي من الكبرياء . والسجن أحب إلي مما تدعونني إليه ..يا حقراء . حكم علي القاضي بالسجن ، فورا قبل أن يسألني عن السبب الذي أعتقلت من أجله وبعد أن أدخل معه في جدال أضاف إلى مدة سجني شهرا بتهمة السب و الإخلال بالحياء..ودخولي للسجن كان دخولا للإضراب عن الحياة حتى بدأت تتقطع أمعائي وأثير إنتباه السجناء إلي ومع تضارب الأراء حول التضامن معي فيما بينهم "السجناء" إنبثق ما سمي نفسه بثورة السجناء ..وفي الحوار الأول و الأخير مع حاكم المنطقة و بعدإصراري على إطلاق سراحي دونما قيد ولا ششرط وتوفير ظروف المحاكمة العادلة لكل السجناء وبعد أن رأى غضب السجناء قال لي: كنت أعتقد أن الثورة فقط الجبال تبا لكم أنتم الفقراء تثورون أيضا في السجن .. أحزم أغراضك لتحرل من هنا السجن أيضا لن يليق بك وقلت : لأن الحكام مثلك كلهم بلداء .. سحقا لكم . وكت قد أنتهيت من قراءة قصة الإخوة الألمان ،وبدأت أحضر لكتابة قصة عن السجن و السجناء وها قد وجدت نفسي منحازا بشكل واضح للسجناء لأن جلهم ضحايا خدعة الحاكم فهناك من منهم إتهم بتشكيل عصابة لأنه لم يفعل كما يفعل العملاء وهناك من درس الفلسفة و سب الإله علنا و إتهم بزعزعة النظام وهناك من سرق رغيفا وهناك أسوار وقضبان خلفها يقبع الكدح الفقراء . بدأت أكتب ولست كاتبا ولا أكتب لأكتب ،وإنما هدفي أن أوصل إلكم صوت الكدح الفقراء ..